الإبادة الجماعية في غزة… لم يبقَ هناك ما يمكن احتلاله فالمدينة نفسها لم تعد موجودة!

بقلم مجد أسدي

ترجمة وتحرير مريم الحمد

إن غزة ليست “محتلة” بل يتم محوها، فالدبابات لا تدخل للسيطرة بل للتدمير، وما حدث في رفح وبيت حانون يتكرر الآن في وسط غزة، ففي الأيام الأخيرة تحولت أحياء التفاح والصبرة والزيتون إلى بقايا وأطلال.

عندما يتحدث الناس عن “احتلال مدينة غزة”، فهو مصطلح يهدف إلى خداع العالم، فمنذ ما يقرب من عامين، يتواجد الجيش الإسرائيلي في أراضي غزة، ومع ذلك لا يوجد أي شكل من أشكال الحكم العسكري.

هناك سياسة التدمير الشامل التي تهدف إلى محو ما تبقى من المدينة وسكانها، ومن الناحية العملية، فقد تم محو واحدة من أقدم المدن في العالم من الخريطة!

لقد أصبحت غزة مرآة تكشف الصهيونية دون فلترة، من الدمار الشامل ومحو حياة البشر وإبادة المجتمع، فحملة العنف والإبادة هذه ضد الفلسطينيين تسلط الضوء على المسؤولية الأخلاقية لكل مواطن إسرائيلي

وتتجلى عملية المحو من خلال الغارات الجوية وإطلاق النار العشوائي، إلى جانب قيام الجرافات بحفر وتدمير كتل بأكملها، فلم تعد البنية التحتية والكهرباء والمياه والمستشفيات والمدارس موجودة، فقد أصبح الدمار شاملاً لدرجة أن السكان يقولون: “لا يوجد شيء للاحتلال، المدينة نفسها لم تعد موجودة”.

هذا هو ما يسمى إبادة لكل من حياة الإنسان والأرض وانطفاء كل نفس حي، فخطاب “الاحتلال” يهدف إلى إخفاء حقيقة الإبادة الجماعية، فليس الهدف إدارة المدينة بل جعلها غير صالحة للسكن، وبهذه الطريقة، فقد أصبحت غزة مثالاً عالمياً لكيفية استخدام لغة السيطرة السياسية كغطاء لسياسة التدمير.

عنف فقط!

حتى لو حاولت إسرائيل تصوير تدمير غزة باعتباره انتصاراً لها، فإن النتيجة الحقيقية سوف تكون العكس، مع تكاليف سياسية ووجودية باهظة، وفي مواجهة مثل هذه الإبادة واسعة النطاق، فلن تتمكن حتى “النجاحات” الدبلوماسية من البقاء.

لقد سقطت كل الأقنعة وتم تعرية المشروع الصهيوني الذي غلف نفسه على مدى عقود بشعارات “الديمقراطية والتنوير”، ولم يتبقَ منه إلا العنف، عنف فقط، من خلال التفوق العسكري والعنصري الذي يتم فرضه من خلال الطرد والاقتلاع والاستيلاء على الأراضي. 

إن ما يحدث في غزة ليس مجرد لحظة تاريخية في حياتنا، فهي علامة فارقة عالمية تواجهنا بجوهر مشروع استعماري يهدف إلى محو مدينة بأكملها بسكانها والناجين من وجودها، ويأتي ذلك في الوقت الذي ظلت فيه حقوق اللاجئين محجوبة لأجيال من خلال الحرمان والمحو.

لقد أصبحت غزة مرآة تكشف الصهيونية دون فلترة، من الدمار الشامل ومحو حياة البشر وإبادة المجتمع، فحملة العنف والإبادة هذه ضد الفلسطينيين تسلط الضوء على المسؤولية الأخلاقية لكل مواطن إسرائيلي فيما يتعلق بحركة الاستيطان وتجاه السلطة التي تمتلكها وتجاه الوطن الذي يرفضون الاعتراف بسياقه التاريخي الحقيقي.

وفي ظل ذلك، تشكل غزة اختباراً تاريخياً يضطر الإسرائيليين إلى مواجهة أسئلة أخلاقية حول الأرواح التي تم محوها والتاريخ الذي تم قمعه!

وماذا عن أولئك الذين ما زالوا يتحدثون عن “السلام”؟ لم يبق شيء فهم يخطئون في فهم النقطة المهمة، وهي أن الوجود الإسرائيلي اعتمد دائماً على أنظمة القوة والسيطرة التي تضمن استمرار هيمنة الدولة، وغالباً ما تكون هذه الأنظمة منفصلة عن المسؤوليات التاريخية، وعلى كل مواطن إسرائيلي واجب مواجهة هذا التبعية وتحرير نفسه من الموقف الذي يسمح بالإنكار والتهميش، فقد فشلت كل منظمة أو وكالة أو فرد لم يصرخ من أجل غزة.

للحياة معنى مختلف في غزة، فهناك الأسرة الجائعة التي تعطي حفنة من الطحين لجارة أرمل، والشخص الذي يجمع العظام ثم يكفنها ويدفنها، وأولئك الذين نجوا من إطلاق النار بالقرب من مراكز “المساعدة” يتقاسمون بين الجيران الدقيق الذي تمكنوا من الفرار به، فهذه لقطات من الحياة في غزة اليوم.

لقد أصبحت حتى مشاركة علبة البازلاء مع قطة الشارع هي شكل من أشكال الحياة في غزة

إن ما بقي من غزة سوف يستمر في النمو في جميع أنحاء العالم على شكل حركات تحرر جديدة ونضال من أجل العدالة، وسوف يعلو الصوت الصامت اليوم شيئاً فشيئاً بأنه لم يعد هناك مكان للاختباء عندما أصبح الواقع جريمة مستمرة ضد الإنسانية!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة