الإبادة الجماعية في غزة ووهم حل الدولتين

بقلم عوض عبد الفتاح

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

بالنسبة للعديد من الفلسطينيين، يبدو الحديث عن حل الدولتين أو أي حل سياسي آخر للصراع الاستعماري المستمر وكأنه ترف نظراً للأولوية الملحة المتمثلة حالياً بإنقاذ 2.3 مليون شخص في غزة من العدوان الإسرائيلي العنيف.

يمثل وقف حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل أولوية قصوى للشعب الفلسطيني، ولجميع أصحاب الضمائر الحية، لذلك اعتبروا حديث الرئيس الأمريكي جو بايدن عن حل الدولتين وهماً ومجرد إلهاء عن الفظائع غير المسبوقة التي ترتكبها إسرائيل بدعم من واشنطن.

يشترط الخطاب الأمريكي المتجدد حول حل الدولتين، والذي جرى تأطيره كرؤية يجب متابعتها في اليوم التالي لانتهاء حرب الإبادة الجماعية، بتحقيق خطة إسرائيل العسكرية لاجتثاث حماس من غزة، بغض النظر عن عدد المدنيين الذين سيقتلون أو يشردون قسراً أو بمقدار الدمار الذي حلّ في المنطقة.

نحن ننتقل إذن من مرحلة تم فيها استخدام شعار حل الدولتين كغطاء لاحتلال إسرائيل للضفة الغربية والقدس الشرقية، إلى مرحلة تنطوي على إبادة الفلسطينيين في غزة عبر القصف الجوي.

ويتم تبرير كل هذا بالحاجة إلى إزالة العائق الأكبر المزعوم أمام السلام.

ومن السخافة أن نجمع بين مسارين متناقضين، أحدهما يتحدث عن السلام، والآخر يتضمن العملية الجارية لإبادة الذين كان من المفترض أن يستفيدوا من عملية السلام.

لكن مثل هذا الاقتراح ليس غريباً بأي حال من الأحوال في سياق تاريخ الولايات المتحدة، الذي بدأ بإبادة السكان الأصليين وامتد إلى العراق وأفغانستان بحلول القرن الحادي والعشرين، لقد تم ذلك عن قصد، بناءً على افتراض أن هذا هو الوقت المناسب للمضي قدمًا في خطة هدفها الرئيسي هو ضمان أمن إسرائيل وإعادة بناء تحالفات واشنطن الإقليمية.

تحول حقيقي في السياسة؟

إن الإدارة الأميركية، التي أذهلتها عملية “الصدمة والرعب” التي شنتها حماس، تريد الاستفادة من الضعف المتزايد لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، نظراً لفشله في الدفاع عن مواطنيه وإخفاقه في تفكيك حماس، من أجل جلب إسرائيل والسلطة الفلسطينية إلى طاولة المفاوضات.

ولكن ماذا يعني استحضار حل الدولتين حقاً بعد سنوات عديدة من الإهمال، وما تلا ذلك من دمار ومعاناة لشعب تحت الاحتلال؟ هل سيترجم ذلك إلى تحول حقيقي في السياسة الأمريكية؟

وهل لا يزال حل الدولتين خياراً جدياً أو قابلاً للتطبيق، في ظل المشروع الاستيطاني الراسخ في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، وتفاقم التعصب والاتجاه نحو الفاشية بسبب الحرب الحالية؟ فهل نسخة واشنطن من حل الدولتين هي نفس النسخة التي تطمح إليها القيادة الفلسطينية، وهل الولايات المتحدة مستعدة لممارسة ضغوط حقيقية على إسرائيل؟

الأجواء السائدة في خضم العدوان على غزة، وتصاعد الكراهية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، هي أمور محبطة للغاية، ومن الصعب تقدير مدى عمق الانقسام، أو ما إذا كان أي حديث عن حل سياسي يوفر حتى الحد الأدنى من الحقوق للشعب الفلسطيني له أهمية في مثل هذه الأوقات.

وحتى بعد انتهاء الحرب الحالية، سيستمر الصراع الأوسع طالما لا يوجد حل عادل.

ومن المرجح أن يخرج المجتمع الإسرائيلي من هذه الحرب مع استعداد أقل لقبول أي تسوية مع الفلسطينيين، خاصة وأن النظام الإسرائيلي صور هجوم 7 تشوين الأول / أكتوبر على أنه منفصل عن المظالم التاريخية الجسيمة التي ألحقها احتلاله بالفلسطينيين.

ما هو أكثر سوءاً من ذلك هو إعادة تعبئة المجتمع الإسرائيلي، الذي تم تضليله حتى يؤيد عقلية الإبادة الجماعية الصارخة المتجذرة في الأيديولوجية الصهيونية، وهنا تعمل سياسات إسرائيل الاستعمارية الاستيطانية على تجريد الشعب الفلسطيني من إنسانيته، حيث يُنظر إلى محو الثقافة والتاريخ الفلسطيني منذ عام 1948 على أنه تحقيق لوعد إلهي أو ضرورة وطنية إسرائيلية.

وخلال السنوات الأخيرة، جنحت أجزاء من المجتمع الإسرائيلي ووسائل الإعلام الرئيسية بشكل متصاعد إلى العنصرية ولم تعد تقيم أي حساسية لمعاناة الفلسطينيين، ولهذا السبب صعّد الفلسطينيون نضالهم المقاوم، على الرغم من تكبدهم تضحيات جسيمة، حيث لن ينتهي هذا الكفاح من أجل العدالة وإنهاء الاستعمار والتحرير أبدًا، وهو ما يدفع الفلسطينيين في غزة لرفض مغادرة وطنهم، حتى بعد 16 عامًا من الحصار الإسرائيلي القاسي.

وسيط متحيز

وحتى بعد انتهاء الحرب الجارية، فإن الصراع الأشمل سيتواصل طالما لم يتحقق حل عادل، وعندما تهدأ هذه الجولة من القتال، فسوف تبدأ الجهود الدبلوماسية، ولكنها ستكون صعبة وطويلة الأمد، وتشكل تحدياً عظيماً للفلسطينيين، لأن الولايات المتحدة لم تكن قط وسيطاً غير متحيز.

وإذا نجحت إسرائيل في إضعاف حماس وإزاحتها من السلطة في غزة، كما تسعى في حربها، فسوف تحتاج الولايات المتحدة إلى ضمان استبدال الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة بإدارة أخرى مستعدة للتعامل مع السلطة الفلسطينية، التي كانت تتصرف كمقاول للاحتلال الإسرائيلي.

لكن من الصعب توقع تغيير حقيقي في موقف إسرائيل بشأن الحقوق الفلسطينية، وسط صراع داخلي يلوح في الأفق حول الإصلاح القضائي المخطط له، والذي من المرجح أن يتفاقم بعد فشل نتنياهو الذريع في 7 تشرين الأول / أكتوبر، ولن يأتي مثل هذا التغيير إلا بعد ضغوط داخلية وخارجية متواصلة.

سيخرج الفلسطينيون من هذه الحرب بعد أن عانوا من كارثة إنسانية مروعة أخرى، لم يسبق لها مثيل منذ نكبة عام 1948. ومع ذلك، فبفضل مقاومتهم وصمودهم اللافت، سيكونون قد حققوا أيضاً مكاسب كبيرة من حيث الدعم والتعاطف مع قضيتهم على مستوى العالم، والأهم من ذلك في الدول الغربية التي قدمت حكوماتها بشكل مخزٍ الدعم الكامل لحرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل.

لقد تم تقويض مكانة إسرائيل في العالم بشكل أكبر، وتم تدمير أكاذيبها وأساطيرها إلى حد كبير، لقد نشأ جيل جديد بوعي جديد ومعرفة بعدالة القضية الفلسطينية، وسيواصل هذا الجيل الشاب مساءلة حكوماته بشأن إخفاقاتها وإمبرياليتها وتواطؤها في جرائم الحرب.

يشهد العالم موجة أخرى من تقدم السياسات الشعبية البديلة التي تركز على العدالة والتحرير والمساواة، وينظر القادة والناشطون في هذه الحركة العالمية الآخذة في التوسع إلى النضال الفلسطيني باعتباره امتدادًا لمعاركهم الخاصة من أجل العدالة في الداخل.

وسوف يجد الفلسطينيون أنفسهم مرة أخرى في مواجهة التحدي المتمثل في كيفية توحيد صفوفهم والاستفادة من هذه المكاسب، سيما وأن معظم لم يعودوا يؤمنون بحل الدولتين، حيث أثبت النظام الصهيوني مراراً وتكراراً نواياه في ارتكاب الإبادة الجماعية والاستعمار الاستيطاني، وبالتالي فإن شعار ” تحرير فلسطين من النهر إلى البحر” سيصبح جزءاً لا يتجزأ من الخطاب الفلسطيني، وستفشل محاولات تجريمه.

إن هذا ليس شعار إبادة جماعية، بل هدف نبيل يدعو إلى تحرير الفلسطينيين من الفصل العنصري الوحشي، وتحرير المجتمع الإسرائيلي من الصهيونية مما يسمح للفلسطينيين واليهود بالعيش معًا في كيان قائم على المساواة.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة