بقلم جنان المرزوقي واستيل عاليمان وألكسندرا تارزيخان
إن الأداة المفضلة لدى الإمارات في معاقبة وقمع المعارضة السياسية لطالما كانت سحب الجنسية من أولئك الذين يجرؤون على انتقاد الحكومة، حيث تضرر العديد من هذه الممارسة من المتهمين في محاكمة “الإمارات 84” أو أفراد من عائلاتهم.
اختتمت هذه المحاكمة، وهي ثاني أكبر محاكمة سياسية جماعية في تاريخ الإمارات، الشهر الماضي بالحكم على ما لا يقل عن 43 متهماً بالسجن مدى الحياة بتهم الإرهاب الزائفة.
يعكس الاتجاه المثير للقلق والمتمثل في التجريد من المواطنة تعمد السلطات الإماراتية وحرصها على إسكات النشطاء قسراً وخلق “تأثير مروع” غير مسبوق داخل المجتمع المدني، بحسب ما كشف عنه تقرير لمجموعة مينا لحقوق الإنسان نشر مؤخراً.
بدأ الأمر في 3 مارس 2011، عندما وقع 133 من الأكاديميين والقضاة والمحامين والطلاب والمدافعين عن حقوق الإنسان الإماراتيين على عريضة موجهة إلى رئيس الدولة والمجلس الأعلى الاتحادي، للمطالبة بإصلاحات ديمقراطية، وكان العديد من الموقعين أعضاءً في جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي، والتي انخرطت في نقاش سياسي سلمي في الإمارات لعقود عديدة.
وقعت أول حالة معروفة لسحب الجنسية بعد بضعة أشهر فقط من إرسال الالتماس، وشمل بالسحب ما عُرف بـ “الإمارات 7”: أحمد السويدي وحسن وحسين الجابري وإبراهيم المرزوقي ومحمد الصديق وشاهين الحوسني وعلي الحمادي، وفي عام 2011، تم سحب جنسية السبعة جميعاً فأصبحوا عديمي الجنسية.
كان الهدف من هذا الإجراء العقابي هو التخويف وانتهاك الإطار القانوني المحلي لدولة الإمارات بشكل مباشر، حيث لم يتلق أي منهم مرسوماً رسمياً يفيد بسحب جنسيته، كما أن هذا الإجراء ينتهك الالتزامات الدولية لدولة الإمارات، والتي تتطلب تطبيق سحب الجنسية بموجب مبدأ التناسب، وهو مبدأ تم تجاهله بوضوح في هذه القضية.
مثير للقلق
طوال عام 2012، شن جهاز أمن الدولة في الإمارات حملة اعتقالات وحشية استهدفت الأفراد الذين وقعوا على العريضة، وكان العديد منهم أعضاء في حزب الإصلاح، وقد أخضع المعتقلون للعزل لفترات طويلة وتعذيب شديد.
تم استدعاء أطفال محمد الصديق الثلاثة إلى مكتب الهجرة في الشارقة ومعهم وثائق هويتهم في مارس عام 2016، وهناك أبلغهم أحد الضباط بأن جنسيتهم قد سُحبت وأن عليهم طلب جنسية أخرى، لكنه رفض تقديم نسخة من مرسوم الإلغاء، ونتيجة لذلك، أصبح الأشقاء الثلاثة عديمي الجنسية يعيشون دون وثائق رسمية!
بلغت الاعتقالات ذروتها في المحاكمة السياسية الجماعية الأكثر شمولية في تاريخ الإمارات، والمعروفة باسم محاكمة “الإمارات 94″، فانتهت المحاكمة في 2 يوليو عام 2013 بإدانة 69 متهماً، من بينهم “الإماراتيون السبعة”، الذين حكم عليهم بالسجن لفترات طويلة بتهمة تأسيس وتنظيم وإدارة منظمة تهدف إلى الإطاحة بالحكومة.
في نوفمبر عام 2013، اعتبر فريق تابع للأمم المتحدة في الإمارات ويُعنى بالاحتجاز التعسفي، أن احتجازهم تعسفي وأن محاكمتهم غير عادلة، ورغم إتمام معظم هؤلاء الأفراد مدة عقوبتهم، إلا أنهم ما زالوا محتجزين حتى يومنا هذا!
وفي 7 ديسمبر عام 2023، أُعيدت محاكمة الأغلبية في ثاني أكبر محاكمة جماعية سياسية في البلاد شملت 84 متهماً، حيث صدر حكم “الإمارات 84” في 10 يوليو عام 2024، وبموجبه تلقى ما لا يقل عن 43 متهماً أحكاماً بالسجن المؤبد، وحُكم على آخرين بالسجن لفترات طويلة.
واجه العديد من أعضاء مجموعة “الإمارات 94″، والتي تختلف عن مجموعة “الإمارات 7″، إجراء سحب جنسيتهم بعد إدانتهم، والجدير بالذكر أن عبد السلام المرزوقي كانت قد أُسقطت جنسيته في أواخر عام 2016 دون إخطار رسمي، الأمر الذي يعني انتهاكاً للالتزامات القانونية للسلطات بموجب القانون المحلي مرة أخرى.
استخدمت السلطات هذه الممارسة ضد أفراد عائلة “الإمارات 94″، حيث تم استدعاء أطفال محمد الصديق الثلاثة إلى مكتب الهجرة في الشارقة ومعهم وثائق هويتهم في مارس عام 2016، وهناك أبلغهم أحد الضباط بأن جنسيتهم قد سُحبت وأن عليهم طلب جنسية أخرى، لكنه رفض تقديم نسخة من مرسوم الإلغاء، ونتيجة لذلك، أصبح الأشقاء الثلاثة عديمي الجنسية يعيشون دون وثائق رسمية!
إجراء تعسفي
تم حرمان أطفال عبدالسلام المرزوقي من جنسيتهم دون إشعار رسمي أيضاً، ففي يوليو عام 2016، سافر 5 من أبنائه الستة إلى الولايات المتحدة لتلقي العلاج الطبي، وأثناء وجودهم في الولايات المتحدة، تلقوا اتصالاً من إدارة الجنسية والجوازات بوزارة الداخلية في أبوظبي، تطلب منهم إحضار جميع أوراقهم الثبوتية إلى مكتبها في الإمارات، وعندما أوضح أبناء المرزوقي أنهم لا يستطيعون القيام بذلك لأنهم في الخارج، لم يتمكن أي منهم من تجديد أي من وثائق هويته منذ ذلك الحين.
تنتهك السلطات الإماراتية، من خلال تطبيق هذه الإجراءات القمعية، بالفعل مجموعة واسعة من حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الجنسية وحرية التنقل والحصول على التعليم والحق في الصحة
وفي فبراير عام 2022، تلقت عائلة المرزوقي اتصالاً آخر من إدارة الجنسية والجوازات لإبلاغهم بسحب جنسية الأطفال لأنهم ورثوا حالة والدهم الذي تم سحب جنسيته أيضاً، ولكنهم لم يتلقوا أي مرسوم رسمي، مما يجعل سحب الجنسية إجراءً تعسفياً وغير قانوني.
هناك ظاهرة أخرى مثيرة للقلق في الإمارات وهي رفض تجديد وثائق الهوية، فالغالبية العظمى من “الإماراتيين 94” الذين يعيشون في المنفى وكذلك معظم عائلاتهم، يُحرمون من التجديد بمجرد انتهاء صلاحية بطاقات هويتهم، ورغم عدم استبعادهم رسمياً من النظام الإماراتي، إلا أنهم معرضون فعلياً لخطر سحب الجنسية.
عندما يحاولون أداء مهام إدارية أو إجراءات حكومية، لا يتم إبلاغهم صراحةً بوضعهم كغير مواطنين، لكن يُطلب منهم تقديم بطاقات هوية صالحة، وهو ما لا يمكنهم تقديمه، وهذه الممارسة تفتقر إلى أساس قانوني ومن المثير للقلق استخدامها على نطاق واسع لمعاقبة النشطاء وأقاربهم.
مصاعب عديدة
سواء كانوا محرومين رسمياً من جنسيتهم أو ببساطة غير قادرين على تجديد بطاقات هويتهم، يواجه الأفراد المتضررون صعوبات عديدة، حيث تؤثر هذه الصعوبات على قدرتهم على التعامل مع الأمور الإدارية والحصول على التأمين ومتابعة القبول الجامعي والبحث عن عمل والسفر.
تنتهك السلطات الإماراتية، من خلال تطبيق هذه الإجراءات القمعية، بالفعل مجموعة واسعة من حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الجنسية وحرية التنقل والحصول على التعليم والحق في الصحة من بين أمور أخرى، ولذلك يجب أن تنتهي هذه الممارسات فوراً، ويجب على المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان والأفراد المعنيين مواصلة الضغط على حكومة الإمارات للوفاء بالتزاماتها القانونية واحترام حقوق مواطنيها.
من خلال تسليط الضوء على هذه المظالم، يمكننا العمل على ضمان عدم ترك أي شخص بلا جنسية أو حرمانه من حقه الإنساني الأساسي في ممارسة حرية التعبير!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)