د. عدنان أبو عامر
في الوقت الذي تشهد فيه دولة الاحتلال سلسلة مواجهات عسكرية مع عدد من قوى المقاومة في المنطقة، فإنها تشنّ ما تعتبرها حروبًا نفسية قد لا تقل ضراوة، رغم أنها لا تسقط دماء فيها، فيما تقدّر الجهات المعادية للاحتلال أن الانقسامات في المجتمع الإسرائيلي، وتوتر علاقاته مع الولايات المتحدة، وابتعاد دول اتفاقيات التطبيع عن إسرائيل أضعفته بشكل كبير، وبالتالي تشكل كل هذه العوامل فرصة لإمكانية القيام بحملة متعددة المجالات ضد الاحتلال.
وفيما تسعى الولايات المتحدة جاهدة للتوصل إلى تسوية نووية مؤقتة وجزئية مع طهران، فإن ذلك قد يستدعي من الاحتلال أن يزيل الحواجز في علاقاته مع البيت الأبيض، ويقنع الإدارة بأخذ تحفظاتها تجاه إيران على سياساتها بعين الاعتبار، لاسيما في ظل ما تشهده المنطقة من حرب نفسية مليئة بالتهديد بتصريحات وصور وأفلام وأفعال على الأرض.
اللاعبون الأساسيون في هذه الحروب النفسية والعسكرية هم إسرائيل والولايات المتحدة من جهة، وإيران وحلفاءها من جهة أخرى، بالتزامن مع تحذيرات متصاعدة من ارتكاب أخطاء في التقييمات العسكرية قد تتسبب باندلاع حرب إقليمية شاملة، لا يبدو أن أحدًا مهتمًا بها، على الأقل ليس في الوقت الحالي.
في الوقت ذاته، يكمن الخطر في أن التصعيد في التصريحات قد يؤدي في نهاية المطاف لتبادل الصواريخ في ظروف قتالية ليست مثالية لدولة الاحتلال، في ظل ما أجرته مع لبنان في وقت واحد تدريبات عسكرية ملتهبة، شملت إمكانية تنفيذ تسللات إلى إسرائيل، والسيطرة على المستوطنات، وأخذ رهائن من الجنود والمستوطنين، حتى أن الانطباع الاسرائيلي السائد بات يتمثل بالتحذير من إمكانية أن يرتكب حزب الله خطأ يدفع المنطقة للحرب، التي قد تشمل الجبهات المتعددة في غزة، الضفة الغربية، سوريا، لبنان، وإيران.
تحصل كل هذه التطورات في وقت تشهد فيه علاقة حكومة الاحتلال قطيعة مع الولايات المتحدة ساهمت بإضعافها، وردّاً على مناورة حزب الله الملتهبة في جنوب لبنان، فقد أجرى جيش الاحتلال تدريباته الخاصة التي تحاكي حرباً معه، فيما زعم وزير الحرب يوآف غالانت أنه “إذا أخطأ الحزب، وبدأ حربا ضد إسرائيل، فإننا سنضربه بشدة، ونعيد لبنان للعصر الحجري”.
أمام التصريحات النارية المتبادلة، كشفت إيران عن الجيل الرابع للصاروخ الباليستي الذي يبلغ مداه ألفي كم، يغطي جميع أنحاء إسرائيل، ورأس حربي يزن 1500 كغم، ونظام توجيه وتحكم، وأثناء الطيران يجعل من الصعب جدًا اعتراضه، وبعد أسبوعين كشفت عن صاروخ جديد آخر تفوق سرعته سرعة الصوت، وقد يتحرك بسرعة تزيد 14 مرة عن سرعة الصوت، حوالي 15000 كم/ساعة، ويبلغ مدى طيرانه 1400 كم.
بالتزامن مع كل هذه التحضيرات العسكرية والحربية، فإن أعداء إسرائيل يقيّمون أن الانقلاب القانوني الجاري فيها، والاحتجاجات ضدها، والانقسامات بسببها، وكل ذلك أحدث في المجتمع الإسرائيلي مزيدا من الانفصال الداخلي، والبعد الواضح عن الولايات المتحدة، ونأي دول التطبيع عن إسرائيل، مقابل التقدم بخطوات المصالحة التي بدأوها مع إيران، وكلها خطوات كفيلة بإلحاق الأذى الشديد بإسرائيل، وربما حتى الهزيمة.
كل ذلك يؤكد ان الغرض من الحرب النفسية الجارية بين اسرائيل وأعدائها هو تمهيد الأرض لحرب فعلية، أو لردع الدخول في الحرب الميدانية المباشرة، فيما تهدف التصريحات الإسرائيلية وتحذيراتها وأفعالها لتصحيح الانطباع السائد لدى أعدائها، ومفادها بأن الضعف الاجتماعي والأمني، والتوتر مع الولايات المتحدة، الذي ظهر في التردد بدعوة رئيس الوزراء نتنياهو لزيارة البيت الأبيض، يضرّ باستعادة الردع الاسرائيلي.