الاحتلال يطارد جثث الفلسطينيين في غزة ويسرقها من القبور

بقلم مها الحسيني

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

قضت آلاء الشيخ نحبها في غارة جوية للاحتلال العام الماضي، فدفنتها عائلتها في مقبرة مؤقتة بالقرب من المستشفى الإندونيسي في شمال غزة، حيث كان الوصول إلى المقبرة الرئيسية مستحيلاً بسبب تكثيف عدوان الاحتلال الجوي والبري على المنطقة.

وفي نهاية المطاف، اقتحمت قوات الاحتلال محيط المستشفى الإندونيسي أيضًا، وعندما أرادت عائلة الشهيدة آلاء زيارة قبرها في المكان بعد الانسحاب الإسرائيلي كانت الجثة قد اختفت.

وقال يحيى الشيخ، شقيق آلاء، لموقع ميدل إيست آي: “أردنا نقل جثمانها إلى مقبرة الفالوجا، لكننا صُدمنا عندما لم نجد قبرها ولا جثمانها”.

وأوضح يحيى البالغ من العمر 45 عاماً وهو من سكان جباليا أن “المكان الذي دفنت فيه جثة آلاء كان فارغاً، ولم تكن جثتها الوحيدة التي اختفت”.

“كان هناك العديد من الجثث المفقودة في أنحاء المقبرة، ووجدنا قبوراً مفتوحة، والموقع كله كان في حالة فوضى، حتى يومنا هذا، ليس لدينا معلومات عن رفات أختي” – يحيى الشيخ، شقيق الشهيدة آلاء

بحثت العائلة لأيام عن جثة آلاء، وسألت سكان الأحياء المجاورة عما حدث، لكن بعض الأهالي أكدوا أنهم رأوا قوات الاحتلال تقتحم المقبرة دون أن يتمكنوا من رؤية ما فعله الجنود داخلها، لأن كل من كان ينظر من نافذة بيته كان يتعرض لإطلاق النار.

يصف يحيى شعور العائلة حين اصطدمت بفقدان جثة آلاء فيقول: “بدأنا بالبكاء، كان شعوراً مؤلماً بالألم والحزن”، وسألنا الكثير من الناس، لكن لم يكن أحد يعرف عن مكانها شيئاً”.

ويضيف: “أخبرنا البعض أن الجنود ربما أخذوا الجثث لأن هناك حديثاً عن استيلائهم على بعضها، ورجح آخرون أن تكون الجثث قد غارت عميقاً في باطن الأرض بسبب تحرك الجرافات الثقيلة، ولكننا لا نعرف شيئاً يقيناً”.

ومنذ بد اقتحام الاحتلال البري لغزة في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، أشارت أدلة متزايدة إلى أن جيش الاحتلال كان ينتهك حرمة المقابر بشكل منهجي، ويهدم القبور، ويقصف مواقع الدفن ويستخرج الجثث منها.

ووفقا لمكتب الإعلام الحكومي الفلسطيني في غزة، فقد استولت قوات الاحتلال على ما لا يقل عن 2300 جثة لفلسطينيين دفنوا من مقابر غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وقال المكتب أن اقتحامات الاحتلال المستمرة تسببت أيضا في تدمير كلي أو جزئي لـ 19 مقبرة من أصل 60 مقبرة في جميع أنحاء القطاع المتضرر من الحرب.

ومؤخراً أصبح الاستيلاء على الجثث هاجساً جديداً يؤرق الكثيرين من الذين لم تلتئم جراحهم بعد فقدان أحبائهم في عدوان الاحتلال المتواصل على غزة.

القبر مفتوح وجثتها مكشوفة

وفي حالة مختلفة عن حال آلاء الشيخ، تؤكد أنهار رمضان أن جثمان شقيقتها التي استشهدت في غارة جوية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لم يُفقَد بل عُثر عليه في “مشهد مروع”.

وصفت أنهار ما جرى قائلة: “قُصف منزلي في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وبقيت تحت الأنقاض لمدة أربع ساعات، وعندما خرجت، كان جسدي محترقًا، وخُلعت يدي اليسرى، واحترق باقي جسدي”.

وأضافت أنهار المقيمة في النصيرات وسط قطاع غزة والبالغة من العمر 41 عامًا لموقع ميدل إيست آي: “لم يخبروني على الفور عمن استشهد في القصف، وبعد أن دفنوهم بعد أسبوع، علمت أن أختي رباب وزوجها وابنها وابنتي قد استشهدوا”.

وبعد أسابيع قليلة، وبعد أن بدأت تتعافى، أصرت رمضان على زيارة قبور ابنتها وأختها في مقبرة القسام في النصيرات، حيث قالت: “ذهبت إلى المقبرة، وكان كل شيء على ما يرام، وكنت أزورهما كلما اشتقت إليهما، وأنا أفعل هذا منذ أشهر.

لكن اجتياح قوات الاحتلال للمنطقة قبل نحو شهرين غيّر المشهد تماماً، حيث تقول أنهار “قررت زيارة قبريهما بعد الاجتياح فوجدت مشهداً مروعاً، لقد تم تدنيس قبر أختي، وكان مفتوحاً من ناحية رأسها الذي ظهر للعيان”.

وتابعت: “شعرت وكأن ناراً اشتعلت في داخلي وبكيت بشدة لأيام، لا أعرف من الذي حفر قبرها، كان جسدها مكشوفاً من منطقة الرأس، وكان مشهداً مرعباً، اتصلت بإخوتي، فجاءوا على الفور لإصلاح القبر”.

دُفِنوا ولم يرتاحوا

وكان تحقيق أجرته شبكة سي إن إن قد خلص إلى أن جيش الاحتلال دنس حتى يناير/كانون الثاني ما لا يقل عن 16 مقبرة في هجومه البري في غزة، وذلك من خلال فتح القبور وإخراج الجثث، ضمن مساعي “البحث عن رفات الأسرى الذين احتجزتهم حماس”.

وفي 25 سبتمبر/أيلول، أرسلت سلطات الاحتلال شاحنة تحمل جثثًا متحللة لنحو 90 فلسطينيًا إلى غزة، دون الكشف عن أي تفاصيل حول هوياتهم أو ما إذا كان بعضهم قد اختطف من القبور.

“تحول حلمي من رؤية والدي مرة أخرى إلى مجرد التحقق من أن جثته لا تزال في قبره” – حبيبة سلامة، نازحة فلسطينية

وتمثل قصة حبيبة سلامة، وهي نازحة تبلغ من العمر 35 عامًا وتعيش الآن في دير البلح وسط غزة نموذجاً ثالثاً لمعاناة الفلسطينيين من ملاحقة الاحتلال لجثامين أقاربهم وأحبتهم الشهداء في قبورهم.

وتقول سلامة أن والدها رفض النزوح واختار البقاء في شمال غزة إلى أن استشهد هناك، حيث حاول الناس التخفيف عنها ومواساتها بالقول أنها “لم تعد مضطرة للقلق بشأن تجويعه أو إصابته أو احتجازه”.

لكنها ترى أن “ذلك ليس صحيحاً، أنا أشعر بالقلق الآن، فبعد أن ابتعدت عن المكان الذي دفن فيه، وسمعت وقرأت باستمرار عن قيام قوات الاحتلال بنبش القبور ومصادرة الجثث، أشعر بالرعب من أن يستولوا على جثته”.

وتضيف سلامة أن أول ما ستفعله عند عودتها إلى شمال غزة هو زيارة قبر والدها، لكنها تشك في أنها ستجده.

وقالت: “أخشى ألا أتمكن أبدًا من زيارته مرة أخرى، لقد دفن في مقبرة لا يستطيع أحد الوصول إليها حاليًا”.

وتساءلت: “هل يمكنك أن تتخيل؟ تحول حلمي من رؤية والدي مرة أخرى إلى مجرد العثور على جثته لا تزال في قبره”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة