في خطوة أثارت غضباً دولياً عارماً وجدلاً بين سفراء تل أبيب حول العالم، أصدرت دولة الاحتلال أوامر بإزالة المنشورات الرسمية التي تُعرب عن التعازي بوفاة البابا فرنسيس.
فقد تم حذف العديد من المنشورات من حسابات تابعة لوزارة خارجية الاحتلال على منصة X في دول مختلفة كانت تقدم النعي برحيل البابا بعد إعلان وفاته، وكتب فيها: “البابا فرنسيس ارقد بسلام، رحم الله ذكراه”.
وانتقد العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي القرار، ووصفه البعض بأنه مُسيء للكاثوليك حول العالم.
وأعرب العديد من سفراء دولة الاحتلال عن مواقف مماثلة، حيث ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية اليومية أن إزالة المنشورات أثارت “استياءً داخليًا” من تعامل الوزارة مع الإعلان.
وأشارت الصحيفة إلى أن بعض السفراء أعربوا عن رفضهم لقرار الوزارة في محادثات جماعية داخلية على واتساب، وحذر العديد من الدبلوماسيين من أن مثل هذه الخطوة قد تضر بسمعة الدولة العبرية بين المسيحيين.
وقال أحد الدبلوماسيين: “نحذف تغريدةً بسيطةً وبريئةً تُعبّر عن تعازي بسيطة، ومن الواضح للجميع أن السبب في ذلك هو انتقاد البابا للدولة بسبب القتال في غزة”.
ووفقًا لصحيفة يديعوت أحرونوت، فقد أصدرت الوزارة تعليماتٍ لبعثاتها ودبلوماسييها بحذف أي منشوراتٍ تنعى البابا السابق على مواقع التواصل الاجتماعي، دون تقديم أي تفسير، كما وجهت الوزارة السفراء بعدم توقيع دفاتر تعزية للبابا فرنسيس في سفارات الفاتيكان.
وقال أحد سفراء الاحتلال إنهم تلقوا “أمرًا قاطعًا بالحذف” دون أي توضيح إضافي، وأضافوا: “عندما سألنا، قيل لنا إن المسألة قيد المراجعة هذا لا يُرضينا، ولا يُرضي بالتأكيد الجمهور الذي نمثله”.
الإضرار بصورة الاحتلال
وحذّر دبلوماسيون يمثلون الدولة العبرية من أن مثل هذه الخطوة قد تُلحق ضررًا طويل الأمد بصورتها العامة، حيث قال أحدهم: “لم نكتفِ بالامتناع عن تقديم كلمات التعزية، بل اخترنا حذفها، وهذا يبدو سيئًا بل سيئًا للغاية”.
وقال رافائيل شوتز، الذي شغل سابقًا منصب سفير الاحتلال لدى الفاتيكان، لصحيفة جيروزالم بوست بأن حذف رسائل الحداد “خطأ”، وتابع أنه “لا ينبغي لنا أن نسجل مثل هذه الملاحظات بعد وفاة شخص ما”، مضيفًا أنه كان ينبغي على دولة الاحتلال الرد على موقف البابا دبلوماسيًا وهو لا يزال على قيد الحياة.
وأضاف: “لكننا الآن لا نتحدث فقط عن رئيس دولة، بل أيضًا عن زعيم روحي لأكثر من مليار شخص، ما يقرب من 20% من البشرية، لا أعتقد أن الصمت يُوصل الرسالة الصحيحة”.
وقال مسؤولون في وزارة الخارجية لصحيفة جيروزالم بوست إن الرسائل الإلكترونية “نُشرت بالخطأ، لقد رددنا على تصريحات البابا ضد دولتنا والحرب خلال حياته، ولن نفعل ذلك بعد وفاته، نحترم مشاعر أتباعه”.
وإزاء حالة الحداد العالمية، اختار مسؤولون بارزون آخرون في الدولة العبرية اللواذ بالصمت حيال الحدث وأبرزهم رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.
في غضون ذلك، صرّح بعض المسؤولين، مثل السفير السابق لدى إيطاليا، درور إيدار، بأنه لا ينبغي حضور ممثلين لجنازة البابا يوم السبت لأنه “حرض على معاداة السامية”.
غير أن شوتز يعتقد رغم ذلك أنه كان على دولة الاحتلال إرسال مندوبين، لا سيما وأن هذا الحدث سيحضره قادة العالم.
وقال: “إذا تغيبنا، فسيكون ذلك ملفتًا للنظر وسينعكس سلبًا علينا، قد يعزز ذلك الشعور بالعزلة، الذي تفاقم بالفعل بسبب الحرب الدائرة، ويزيد من تأجيج تلك النار دون داعٍ، سيكون هذا أمرًا مؤسفًا”.
دعم غزة
وكان البابا فرنسيس، الذي توفي عن عمر يناهز 88 عامًا، داعمًا صريحًا للشعب الفلسطيني خلال عدوان الاحتلال المستمر على قطاع غزة المحاصر منذ 18 شهرًا.
وقد نعى آلاف من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي المؤيدين للفلسطينيين، بمن فيهم العديد من سكان غزة، البابا فرنسيس.
وفي خطابه الأخير بمناسبة عيد الفصح، والذي ألقاه من شرفة كاتدرائية القديس بطرس، دعا البابا فرنسيس إلى وقف إطلاق النار في غزة.
وتلا أحد مساعديه دعاءً أدان فيه البابا “الوضع الإنساني المؤسف” الناجم عن حرب الاحتلال وهو بيان لاقى إشادة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي دولة الاحتلال، قوبل إعلان الفاتيكان عن وفاة البابا صباح الاثنين بمزيج من الاحتفالات والانتقادات، حيث ركز السياسيون والمعلقون ومستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي على إدانته للحرب.
فقد كان البابا صريحًا في انتقاده للصراع، لا سيما بشأن قتل الأطفال الفلسطينيين، مما أثار انتقادات لاذعة من قبل المسؤولين في دولة الاحتلال.
وطوال فترة الحرب، أجرى البابا اتصالات شبه ليلية مع أفراد من المجتمع المسيحي في غزة، الذين وصفوا اتصالاته بأنها مصدر عزاء وراحة.
كما دعا البابا فرنسيس صراحةً إلى إجراء تحقيق لتحديد ما إذا كانت هجمات الاحتلال على غزة تُشكل إبادة جماعية.