نظرًا لافتقارها إلى أماكن إقامة مؤقتة، تنام آلاف العائلات السورية في العراء في درجات حرارة دون الصفر في شمال غرب البلاد الذي تسيطر عليه المعارضة منذ الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة يوم الاثنين الماضي.
وأودت الزلازل حتى الآن بحياة أكثر من 41 ألف شخص وأثرت على أكثر من 20 مليون شخص آخرين في تركيا وسوريا، حيث كانت المنطقة الشمالية الغربية هي الأكثر تضررا.
أوضح نضال مصطفى إبراهيم، أنه اضطر لإخلاء منزله في قرية عزمارين غربي إدلب عندما بدأ في التصدع، وقال: “قضيت الأيام الثلاثة الأولى من الكارثة في العراء، حتى تمكنت من العثور على خيمة … دون دعم المنظمات الإغاثية”.
وأضاف إبراهيم: “الحمد لله أنا مع عائلتي، ونجا كثير من الناس في المنطقة التي أعيش فيها بأعجوبة، الوضع مأساوي ويصعب تفسيره”.
وتشير الإحصاءات بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إلى مقتل أكثر من 4400 شخص وإصابة 8600 آخرين جراء الزلزال الذي ضرب شمال غرب سوريا، في حين بلغ عدد القتلى المبلغ عنهم في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في سوريا 1414 شخصا.
إلا أنه لا توجد إحصائيات موثوقة حول عدد الذين قضوا في أعقاب ذلك أثناء محاولتهم البقاء على قيد الحياة في ظل درجات حرارة دون الصفر وعدم استلام أي مساعدات.
يُذكر أن الدمار في الشمال الغربي السوري والذي تسيطر عليه المعارضة قد تفاقم بسبب انعدام البنية التحتية الجيدة أو الخبرة في ذات المجال في منطقة تعاني بالفعل من أزمة إنسانية ناجمة عن 12 عامًا من الحرب.
وقبل الزلزال، شكلت إدلب موطنًا لحوالي أربعة ملايين شخص، نزح منهم 2.8 مليون على يد القوات الموالية للأسد والأجهزة الأمنية السورية، وكلاهما يخضعان لعقوبات غربية لتورطهما في مقتل ما يقرب من 350 ألف شخص منذ عام 2011، وفقا لجماعات حقوق الإنسان.
والآن، ووفقًا لكيلي كليمنتس، نائب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن عدد النازحين في الشمال الغربي يبلغ 5.3 مليون.
وبدورها، قالت سيفانكا دانابالا، ممثلة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في سوريا، يوم الجمعة: “بالنسبة لسوريا، هذه أزمة داخل أزمة، لقد عانينا من صدمات اقتصادية ومن جائحة كوفيد ونحن الآن في أعماق الشتاء، مع العواصف الثلجية المستعرة في المناطق المتضررة “.
تشير التقديرات الأولية إلى انهيار أكثر من 2276 مبنى، على الرغم من صعوبة قياس ما إذا كانت الأضرار التي لحقت ببعض المباني قد نجمت عن الزلازل أو القصف الحكومي السوري والروسي السابق.
وذكر بيان لمجموعة منسقي الاستجابة، وهي منظمة غير حكومية سورية محلية لها مقرات في تركيا وسوريا، أن 45 في المائة من البنية التحتية في الشمال الغربي قد تضررت.
وفي هذا الشأن، قال مدير المجموعة، الذي نجا من الكارثة بينما تضرر منزله في جنوب تركيا وتعرض للسطو كذلك، إن أعداد المحتاجين إلى المساعدة في تزايد مستمر.
الخوف من فرق الإنقاذ المرتبطة بالأسد
وفقًا لوكالة الأناضول، فقد تم نقل حمولة 14 شاحنة من مساعدات الأمم المتحدة أخيرًا إلى الشمال الغربي يوم الجمعة، إلا أنها لم تكن كافية، بل وكانت بطيئة جدا.
وحسبما ذكرت فرق الإنقاذ المحلية، فإن مئات المدنيين ارتقوا خلال الأيام الثلاثة الأولى للكارثة تحت الأنقاض بسبب نقص المساعدات المنقذة للحياة – بما في ذلك آلات إزالة الأنقاض.
وعندما وصلت الأربعاء قافلة مساعدات مؤلفة من 80 شاحنة من قرى محافظة دير الزور شرقي سوريا إلى المنطقة، أطلق ناشطون هاشتاغ يشكر المتبرعين تحت الاسم المثير للسخرية “ديران الأمم المتحدة” (اسم سكان دير الزور) للإشارة إلى إخفاقات الأمم المتحدة، فيما احتج آخرون برفع علم الأمم المتحدة مقلوبا رأساً على عقب.
وكانت حكومة بشار الأسد قد منحت، الجمعة، الإذن بدخول مساعدات دولية إلى المناطق التي تخضع لسيطرة المعارضة عبر المعابر الخاضعة لسيطرتها لمدة ثلاثة أشهر.
وقالت دمشق إن المساعدة ستصل لمن هم في أمس الحاجة إليها بمساعدة الأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري واللجنة الدولية للصليب الأحمر.
جاء قرار الأسد بعد أن رفض مدنيون في مناطق سيطرة المعارضة تلقي المساعدات الإنسانية أو حتى فرق الإنقاذ القادمة من مناطق سيطرة الأسد.
وأوضح فراس منصور، مسؤول في إدلب يعمل مع فريق الاستجابة للطوارئ، وهي منظمة سورية غير حكومية في تركيا، أن المدنيون في إدلب يخشون من أن تكون فرق الإنقاذ المرتبطة بنظام الأسد تضم مخبرين أو تعمل مع الأجهزة الأمنية السورية”.
وبينما وصلت فرق الإنقاذ العربية والمساعدات الإنسانية الدولية إلى مطار دمشق الدولي، إلا أنها لم تصل بعد إلى شمال غرب سوريا، المنطقة الأكثر تضرراً في البلاد.
“إن المانحون المحليون كثيرون، لكن المشكلة هي أن التبرعات لا تكفي حاجة الذين يعانون، فإن عدد الخيام أقل من عدد المتضررين”- إبراهيم
وبحسب مجموعة منسقي الاستجابة: “يتواجد 88 بالمائة من المتضررين في مناطق سيطرة المعارضة بينما تلقت المناطق التي تسيطر عليها الحكومة 90 بالمائة من المساعدات المخصصة للمتضررين”.
وقبل الإعلان عن السماح للمساعدات بالدخول من المعابر الخاضعة لسيطرة حكومة الأسد، كان معبر باب الهوى الواقع بين محافظة إدلب السورية وجنوب تركيا يشكل الطريق الوحيد لوصول المساعدات الدولية إلى مناطق المعارضة، وظل المعبر مغلقًا لعدة أيام بسبب الزلزال الذي أصاب مسؤولي الحرس في تركيا.
وقال إبراهيم “إن المحسنون [المانحون المحليون] كثيرون، لكن المشكلة هي أن التبرعات لا تكفي حاجة الذين يعانون، فإن عدد الخيام أقل من عدد المتضررين”.
وأضاف “حتى أن هؤلاء المحظوظين بما يكفي ليحصلوا على خيمة، فإن خيامهم فارغة، فليس لدينا بطانيات أو حصائر للنوم أو مواد للتدفئة، نحتاج إلى الكثير من المواد الأساسية”.
ومن جانب آخر، قال أحمد حكمت بركات، من سكان أزمارين والذي يساعد في إيواء المتضررين: “لا يزال هناك عشرات الناجين يصلون من المباني المتصدعة والمدن المدمرة، والعديد منهم بدون خيام”.
وأضاف “من الصعب حقًا شرح أوضاع النساء والأطفال، فهناك العديد من الخيام التي تأوي ثلاث عائلات وأخرى تضم أربعة. ومعظم ما نحتاجه الآن هو الخيام والمراتب والبطانيات”.
وبينما كان أحدهم يسعل خلفه، قال بركات: “نحن في الشتاء، حيث بدأ الزكام يصيب الأطفال الذين يفتقرون إلى احتياجاتهم الأساسية من دون حليب وتدفئة والعديد من المستلزمات الصحية الأخرى “.
ويبدو أن الكارثة التي ضربت معظم المحافظات السورية قد كسرت العزلة الدولية للأسد الذي بدا مبتسما بين الناجين في حلب يوم السبت.
ويقول محللون إن الأسد يسعى للحصول على ميزة سياسية من الزلزال، ويضغط من أجل إيصال المساعدات الخارجية عبر أراضيه حيث يهدف إلى إعادة العلاقات مع القوى الأجنبية.
وتقود الإمارات العربية المتحدة – أول دولة خليجية تطبع العلاقات مع نظام الأسد بعد سنوات من المقاطعة – جهود الإغاثة الإقليمية.
وذكر منصور من فريق الاستجابة للطوارئ أن “الناس في شمال غرب سوريا ينظرون إلى النظام باعتباره السبب الرئيسي لمعاناتهم”.
وأضاف: ” لقد نزح آلاف الأشخاص بسبب العمليات العسكرية للنظام، وبالكاد تمكنوا من الحصول على مأوى وبعض الأثاث، الآن فقدوا كل شيء.”