بقلم فاروق بجوى
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لقد تسببت المواجهة التي اندلعت مؤخراً بين الهند وباكستان في إحداث زلزال دبلوماسي وعسكري وسياسي في آسيا وحتى خارجها سوف يستغرق بعض الوقت حتى تهدأ آثاره.
بطبيعة الحال، كان السبب الجذري مألوفاً، ويعود تاريخه إلى تقسيم الهند وباكستان عام 1947 وقضية كشمير التي لم يتم حلها منذ ذلك الوقت ولذلك فالسيطرة عليها ما زالت منقسمة بين البلدين.
ويتلخص الموقف الباكستاني الرسمي في أن هذا الصراع لا يمكن حله إلا من خلال الاستفتاء العام، كما أمر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عام 1948، في حين تؤكد الهند أن سيطرتها على الجزء الخاص بها من كشمير غير قابلة للتفاوض.
منذ عام 1989، ظل الجزء الذي تسيطر عليه الهند من كشمير في حالة تمرد، حيث تم اعتقال عشرات الآلاف من الأشخاص أو معاملتهم بوحشية أو قتلهم، فالهند تلقي اللوم على باكستان فيما يخص الاضطرابات، مع أن عقوداً من القمع الذي تمارسه الدولة الهندية هو السبب الأوضح لتلك الاضطرابات.
مؤخراً، تصاعدت التوترات في إبريل الماضي وذلك بعد أن قتل مسلحون 26 شخصاً في منطقة باهالجام السياحية في كشمير الخاضعة لسيطرة الهند، فسارعت الهند إلى إلقاء اللوم على باكستان التي نفت بدورها أي تورط لها، وسرعان ما تحول النزاع إلى مواجهة عسكرية، مع ضربات جوية وقصف مدفعي عبر الحدود.
لقد حبس العالم أنفاسه لعدة أيام خوفاً من تطور الصراع إلى نطاق أوسع قبل استعادة السلام غير المستقر منذ ذلك الحين، فقد أعاد هذا التصعيد ذكريات فبراير عام 2019، عندما نفذت طائرات حربية هندية ضربات قرب بلدة بالاكوت الباكستانية بعد تفجير انتحاري أسفر عن مقتل 40 من القوات شبه العسكرية في كشمير، وعلى إثره أسقطت باكستان طائرة هندية وأسرت طيارها قبل إطلاق سراحه مع نزع فتيل الأزمة.
لقد كان هذا الحادث هو المرة الأولى التي تنفذ فيها الهند غارات جوية داخل باكستان منذ حرب عام 1971، فتحت قيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، باتت الهند تتبنى موقفاً أكثر عدوانية.
مخاطر عالية
بعد عام 2019، بدأت الهند بحملة شراء عسكرية شملت أسلحة أمريكية بمليارات الدولارات، إلى جانب طائرات رافال المقاتلة الفرنسية وطائرات بدون طيار إسرائيلية، فيما قامت باكستان بتحديث قدراتها بشراء 25 طائرة مقاتلة صينية من طراز J-10 عام 2021، كل منها يأتي بجزء صغير من تكلفة طائرة رافال.
من جانب آخر، فقد تصاعدت التوترات في كشمير بشكل مطرد منذ قرار إدارة مودي في أغسطس عام 2019 بإلغاء المادة 370 من الدستور الهندي، والتي منحت كشمير درجة من الحكم الذاتي، وقد جاء الإلغاء مصحوباً بحظر تجول معوق وتعتيم على وسائل الإعلام والاتصالات.
وتشير الأحداث الأخيرة إلى أن الهند وباكستان أصبحتا على استعداد للجولة المقبلة من الصراع، وبما أن كلاً من الدولتين مسلحة نووياً، فإن المخاطر عالية وأن أي بادرة لحرب شاملة سوف يأتي بأثمان باهظة.
وعلى صعيد آخر، فقد وصفت باكستان القرار الذي اتخذته الهند مؤخراً بتعليق معاهدة مياه السند لعام 1960 باعتباره “عملاً من أعمال الحرب” كإجراء عقابي في أعقاب هجوم باهالجام، وهي الخطوة التي قد تخلف آثاراً مدمرة على باكستان التي تعتمد على مياه السند في معظم زراعتها.
لقد وصلت الأزمة إلى ذروتها في 7 مايو الماضي، عندما نفذت الهند سلسلة من الهجمات في باكستان على ما أسمته البنية التحتية “الإرهابية”، وهو الوصف الذي رفضته باكستان، ما تلا ذلك وُصف بأنه أحد أكبر المعارك الجوية في التاريخ الحديث، حيث كان هناك مواجهة بين أكثر من 100 طائرة مقاتلة هندية وباكستانية.
في تطور لافت، تمكنت إحدى الطائرات المقاتلة الباكستانية صينية الصنع من إسقاط طائرتين عسكريتين هنديتين على الأقل بما في ذلك طائرة رافال، بحسب ما نقلت وكالة رويترز للأنباء عن مصادر فيما رفضت الهند طلب الوكالة للتعليق، ففيما أعلنت باكستان بأنها أسقطت ما مجموعه 5 طائرات مقاتلة هندية، لم تحدد الهند حجم “الخسائر”.
هل كان التصعيد الأخير بمثابة علامة فارقة أخرى في المواجهة بين الهند وباكستان أم أن هذه هي اللحظة التي يدرك فيها الجانبان أن الحل العسكري لا يصلح لحل مأساة كشمير وبالتالي يعطيان الدبلوماسية فرصة حقيقية؟؟
إن تفوق طائرة صينية على طائرة غربية يمثل مفاجأة كبيرة في الحروب الحديثة ولا بد أن يكون قد أثار ارتعاشاً لدى المراقبين العسكريين من باريس إلى واشنطن إلى تايوان، وذلك بعد أن شهدت الشركة الصينية التي تقف وراء طائرات J-10 ارتفاعاً في أسعار أسهمها، في حين شهدت شركة Dassault Aviation التي تصنع طائرات رافال، انخفاضاً ملحوظاً.
سؤال جوهري
لقد استمرت المواجهة العسكرية بين البلدين حتى 10 مايو، فقد ردت باكستان على الضربات الهندية بضرب منشآت عسكرية في الأراضي الهندية، وأعلن الجيش الباكستاني بأنه ضرب مجموعة متنوعة من الأهداف بما فيها مواقع المدفعية وموقع بطارية الصواريخ.
يبدو أن السهولة التي تمكنت بها الصواريخ الباكستانية من الإفلات من الدفاعات الجوية الهندية وضرب أراضيها قد أثارت غضب الهند، وفي الوقت الذي كانت لا تزال فيه الأخيرة تحاول استيعاب خسارة طائراتها، جاء الإعلان المفاجئ عن وقف إطلاق النار، وهو الأمر الذي نسبت الولايات المتحدة الفضل فيه لنفسها.
لحسن الحظ، كانت الخسائر في كلا الجانبين منخفضة نسبياً، بالنسبة للهند، فالضحية الرئيسية كانت مصداقية حكومتها وقيادتها العسكرية، فما أطلق عليه “عملية سندور” لم تسر على الإطلاق وفقاً للخطة الموضوعة لها، فيما كانت باكستان مستعدة للقتال.
ورغم ذلك، فقد استمرت القنوات الإعلامية الهندية في تصوير المواجهة باعتبارها انتصاراً للهند، حيث قامت بفبركة الأخبار حول كل شيء من الضربات على كراتشي إلى اعتقال قائد الجيش الباكستاني!
أما على الصعيد الدبلوماسي، فقد زادت عزلة الهند، إلا من دعم إسرائيل التي تواجه اتهامات بارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة، فيما دعمت تركيا باكستان صراحة، وقد جاء الازدراء الأكثر وحشية للهند من قبل الولايات المتحدة، الحليفة التي ظل مودي يعمل معها على تنمية العلاقات لأكثر من عقد من الزمان، فقد رفضت واشنطن الانحياز إلى أحد الجانبين.
من ناحية أخرى، تنظر باكستان إلى هذه التطورات باعتبارها انتصاراً، حيث تمكن الجيش من الصمود في مواجهة منافس أكبر كثيراً في حين استعاد بعض شعبيته الداخلية، في وقت تتعرض القيادة العسكرية لضغوط سياسية شديدة.
ويظل السؤال الأساسي قائماً، فهل كان التصعيد الأخير بمثابة علامة فارقة أخرى في المواجهة بين الهند وباكستان أم أن هذه هي اللحظة التي يدرك فيها الجانبان أن الحل العسكري لا يصلح لحل مأساة كشمير وبالتالي يعطيان الدبلوماسية فرصة حقيقية؟؟
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)