يشعر المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون بالبرود إزاء التقارير التي تفيد بأن المملكة العربية السعودية وإسرائيل يقتربان من إقامة علاقات رسمية، مما يؤكد أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان غير متعجل لتطبيع العلاقات.
وقال مسؤول أمريكي كبير للمشرعين يوم الأربعاء إن هناك “الكثير من الضجة الإعلامية والكثير من الشائعات المثيرة” حول قرب حدوث انفراج بين السعودية وإسرائيل.
وقالت مساعدة وزيرة الخارجية باربرا ليف في جلسة استماع بمجلس الشيوخ:” الصحافة الإسرائيلية متحمسة لفكرة أن المملكة العربية السعودية قد تتخذ هذه الخطوة”.
انتعشت الآمال في التوصل إلى اتفاق في أوائل أيار/ مايو عندما أعلن كبير مستشاري بايدن، جيك سوليفان، أن التطبيع بين السعودية وإسرائيل يصب في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة.
ومما زاد من حدة الصخب، صدور تقرير عن موقع أكسيوس الأمريكي يدعي أن البيت الأبيض كان يهدف إلى إبرام صفقة في غضون 6-7 أشهر، قبل الانتخابات الأمريكية المقبلة.
كما أعلنت وزارة الخارجية، يوم الجمعة، أن وزير الخارجية أنطوني بلينكين سيتوجه إلى المملكة العربية السعودية الأسبوع المقبل لإجراء محادثات بشأن التعاون الاستراتيجي من المتوقع أن تشمل التطبيع.
وقال مسؤول أمريكي كبير إن الإدارة ستواصل الضغط من أجل التوصل إلى اتفاق بينما تسعى في الوقت نفسه إلى إحراز تقدم “يقارب التطبيع الدبلوماسي الرسمي”.
وذكر عزيز الغشيان، الزميل الباحث في مؤسسة سيباد التي تعنى بدراسة العلاقات بين إسرائيل والسعودية، أن تقطير التسريبات الإعلامية قد وصل إلى “تصعيد مزعج و يائس” من قبل إسرائيل لتبدو أقرب إلى السعودية “.
وأضاف الباحث المقيم في الرياض:” لكي تبقى الحكومة الإسرائيلية على قيد الحياة، عليها أن تحافظ على الرواية القائلة بأن التطبيع مع المملكة العربية السعودية وشيك جداً، في حين أنه ليس كذلك”.
من المؤكد أن المملكة العربية السعودية وإسرائيل أقرب لبعضهما البعض الآن من أي وقت مضى في التاريخ، ومع أن المملكة لم تكن طرفًا في اتفاقات أبراهام لعام 2020 التي شهدت تطبيع الإمارات والمغرب والبحرين للعلاقات، إلا أنها تأثرت بذلك.
فالطرفان يتعاونان بهدوء في مجال الأمن والاستخبارات لمحاربة إيران، كما أدى التحرك الأمريكي لوضع إسرائيل في القيادة العسكرية الأمريكية للشرق الأوسط إلى توسيع نطاق تلك الروابط الدفاعية.
ففي العام الماضي، انضمت المملكة وسلطنة عمان علنًا ولأول مرة إلى إسرائيل في مناورات بحرية بقيادة الولايات المتحدة.
“إذا أبرمت السعودية هذه الصفقة مع رئيس جمهوري، فإنها سترسخ فكرة أنها لاعب حزبي في واشنطن”- بريم كومار، مجموعة أولبرايت ستونبريدج.
وكان نتنياهو ووزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين قد تحدثا هذا الشهر عبر الهاتف مرتين إلى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال يوم واحد كجزء من المفاوضات للسماح برحلات تجارية مباشرة للمسلمين من إسرائيل إلى المملكة لأداء فريضة الحج.
من جانبها، تتطلع إدارة بايدن إلى إصلاح العلاقات مع الرياض التي تتعرض لضغوط بسبب حقوق الإنسان وإنتاج النفط.
كان قرار المملكة في آذار/ مارس بإعادة العلاقات مع إيران في صفقة توسطت فيها الصين إشارة إلى انحراف السعودية عن واشنطن.
وقال آرون ديفيد ميلر، مستشار سابق في وزارة الخارجية الأمريكية، وزميل سابق في مؤسسة كارنيجي الدولية السلام أن الإدارة الأمريكية تشعر أن “الأمر قد تم تصحيحه بشكل مبالغ فيه، فالآن، لم يعد هناك حديث عن الرياض باعتبارها منبوذة وهم يبحثون عن طريقة لتقوية العلاقة معها”.
ومن شأن اتفاق التطبيع أن يبرز الثقل الدبلوماسي للولايات المتحدة في المنطقة عندما يشكو الحلفاء من تضاؤل اهتمام واشنطن بهم.
كما سيكون الاتفاق انتصارًا لنتنياهو، الذي عاد إلى منصبه العام الماضي بتعهده بتوسيع اتفاقات أبراهام، لكنه اضطر إلى التركيز على التحديات المحلية بعد رد الفعل العنيف على إصلاحاته القضائية المثيرة للجدل.
وعلى عكس اتفاقات أبراهام لعام 2020، حيث أجريت المحادثات بين الدول العربية وإسرائيل سراً، تم تسريب المطالب الافتتاحية للمملكة العربية السعودية ليراها العالم.
تريد السعودية في مقابل تطبيع العلاقات ضمانات أمنية من الولايات المتحدة، والمساعدة في تطوير برنامج نووي مدني، وقيوداً أقل على مبيعات الأسلحة.
وقال ميلر إن “العقبة تتلخص في إمكانية تلبية المطالب السعودية، فالثمن الذي يطلبونه مرتفع للغاية”.
كما أن موقف السعودية من فلسطين يزيد المسألة تعقيداً، حيث صرح كبير الدبلوماسيين السعوديين أن المملكة لن تطبع العلاقات حتى يتم إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، ولم يشر السعوديون علنًا إلى تغيير في هذا الموقف.
وفي هذا الشأن يقول يوئيل جوزانسكي، خبير شؤون الخليج في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب إن المطالب السعودية بدولة مستقلة هي على الأرجح “موقف تفاوضي، لكن قائمة أمنيات الرياض للتطبيع تتضمن بالتأكيد شيئًا ما في الساحة الفلسطينية، ربما أقل من مستوى الدولة، لكن يجب معالجتها وليس من الواضح أن الحكومة الإسرائيلية الحالية يمكنها فعل ذلك”.
كما تشمل مطالب السعودية ممارسة ضغط كبير في الكونجرس من قبل إدارة بايدن، في وقت يريد فيه أعضاء من حزب الرئيس تقليص العلاقة بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان، كما أعرب العديد من المشرعين عن عدم ارتياحهم لطموحات المملكة النووية.
ويوم الأربعاء، انتزع السناتور الأمريكي كريس مورفي تعهدًا علنيًا من ليف، أكبر مسؤول في وزارة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، بأن الإدارة لن تقدم ضمانات أمنية للسعودية دون السعي للحصول على موافقة الكونجرس أولاً.
وذكر مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون أنه إذا أرادت إدارة بايدن، فيمكنها تجاوز معارضة الكونجرس لمبيعات الأسلحة باستخدام حق النقض الرئاسي، لكن هناك القليل من الرغبة في القيام بذلك نظرًا للحالة الدقيقة للعلاقات الأمريكية السعودية والانتخابات الرئاسية المقبلة.
وقال ميللر:” لا تريد إدارة بايدن الدخول في حرب مع أعضاء الحزب الديمقراطي من أجل هذه الصفقة”.
لكن بناء إجماع في الكونجرس أصبح أكثر صعوبة الآن بعد أن وصلت العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل إلى رقعة صعبة، حيث يقود نتنياهو حكومة مكونة من نواب يمينيين متطرفين، وبعدما أصبحت إصلاحاته القضائية مسألة صاعقة داخل الحزب الديمقراطي، وعليه لم تتم دعوة نتنياهو إلى البيت الأبيض بعد.
وقال جوزانسكي: “إذا كان ثمن السلام يمنح المملكة العربية السعودية القدرة على تخصيب اليورانيوم، فأعتقد أنه ثمن مرتفع للغاية، فمن يدري ما الذي سيفعله محمد بن سلمان في غضون خمس سنوات أو حتى العام المقبل بهذه الورقة.”
تطلب الولايات المتحدة من الدول التي تتطلع للتعاون معها في مجال التكنولوجيا النووية التوقيع على اتفاقية 123، التي تحظر عليها تخصيب اليورانيوم وبيعه، وهو هدف سعودي.
وحاولت الإدارة الأمريكية قطع أشرعة الرياض من خلال التأكيد على الفوائد السياسية للاتفاق، بل إن السناتور الجمهوري ليندسي جراهام أخبر السعوديين أن التطبيع خلال فترة ولاية بايدن يمكن أن يساعدهم في بناء النوايا الحسنة مع واشنطن.
وقال بريم كومار، المستشار السابق للرئيس أوباما لشؤون الشرق الأوسط والذي يعمل الآن في شركة الاستشارات العالمية، مجموعة أولبرايت ستونبريدج:” هذه حجة استوعبها السعوديون”.
وأضاف:” هم يدركون أنهم إذا أبرموا هذه الصفقة مع رئيس جمهوري، فإن ذلك سيعزز فقط فكرة أن المملكة العربية السعودية لاعب حزبي في واشنطن”.
لكن عبد الله بعبود، الباحث غير المقيم في مركز مالكولم إتش كير كارنيجي للشرق الأوسط، يعتقد أن هذه الورقة مبالغ فيها في مؤسسة العاصمة.
“بايدن يريد ذلك أكثر من أي وقت مضى، بيبي يريدها أكثر من أي وقت مضى، لكن محمد بن سلمان يمكنه الانتظار” عزيز الغشيان خبير السياسة الخارجية.
ينتهج ولي العهد الأمير محمد بن سلمان سياسة خارجية أكثر استقلالية عن واشنطن، فقد أحدث طفرة في أسعار النفط عززت خزائن الدولة وأعادت المملكة إلى مركز اهتمامات أمن الطاقة العالمي.
“يشعر محمد بن سلمان بأنه في وضع قوي للغاية ولا يتعين عليه الاستسلام لأي شخص، فهو يريد شيئًا مميزا مقابل التطبيع” -عبد الله بعبود، مركز كارنيغي للشرق الأوسط
لقد أفسحت التدخلات العسكرية المكلفة في النقاط الساخنة مثل اليمن التي رافقت الحكم المبكر لولي العهد الطريق أمام الجهود المبذولة لوضع الرياض كوسيط.
وإلى جانب استعادة العلاقات مع إيران، رحب بن سلمان بعودة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الصف العربي واستضاف وفد حماس إلى جانب ممثلين عن السلطة الفلسطينية، بينما تصنف إسرائيل والولايات المتحدة حماس على أنها جماعة إرهابية.
لكن كومار يعتقد أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل يتناسب مع محور السياسة الخارجية.
وقال:” من المحتمل أن يُظهر ذلك أن المملكة العربية السعودية يمكن أن تكون لها علاقة قوية مع كل من إيران وإسرائيل، لن تتمكن أي دولة عربية أخرى من ارتداء هذه العباءة”.
كما أن حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة والتوترات في الضفة الغربية المحتلة، وخاصة في محيط المسجد الأقصى في القدس الشرقية، تفسد المعادلة الإسرائيلية مع السعودية.
وقال بعبود:” أعتقد أن التطبيع خطوة محفوفة بالمخاطر بالنسبة للسعودية التي تحاول أن تكون زعيمة للعالم العربي، فذلك من شأنه أن يقوض سمعتها”.
وفي الوقت الحالي، تتمتع المملكة العربية السعودية بمزايا التعاون الأمني مع إسرائيل، دون الحاجة إلى الدفاع عن هذه العلاقات علنًا.