التفوق والسيادة الصهيونية هي المحرك لاحتجاجات إسرائيل وليس الديمقراطية المهدَدَة!

بقلم ساي انجليرت

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

بعد ثلاثة أشهر من التظاهرات الواسعة والاحتجاجات التي طالت مختلف الشرائح في إسرائيل، يبدو أن حكومة بنيامين نتنياهو اضطرت للتنازل جزئيًا على الأقل أمام مطالب الحراك المتصاعد. 

فقد أعلن نتنياهو مساء الإثنين عن تأجيل مشروع الإصلاح القضائي المتعلق بهيكلة المحاكم والمثير للجدل في البلاد. 

وقال أمام الكنيست: “انطلاقا من الإحساس بالمسؤولية الوطنية ولمنع الانقسام بين شعبنا، قررت أن أوقف القراءة الثانية والثالثة لمشروع القانون”.

وبعد إقالة وزير دفاعه، يوآف غالانت، بسبب دعوات الأخير لوقف الإصلاح القضائي للحكومة، بدا أن نتنياهو فقد السيطرة على وضع فوضوي بالفعل. 

فقد أغلقت مراكز التسوق والجامعات والمستشفيات والمصانع والمطار الوحيد في إسرائيل، إلى جانب رياض الأطفال والمدارس.

ظهرت الأزمة السياسية الحالية في نهاية العام الماضي عندما أعيد انتخاب نتنياهو كرئيس للوزراء على رأس ائتلاف يميني، يضم حزبه الليكود وحلفائه المتدينين ومنظمات متطرفة من المستوطنين.

وضع التحالف المناهض بشدة للفلسطينيين على رأس أولوياته توسيع المستوطنات في القدس الشرقية والضفة الغربية ومارس عنفا أكبر بحق الفلسطينيين.

وركز التحالف على روايته القائلة بأن اليسار الإسرائيلي قد سيطر على مقاليد سلطة الدولة لفترة طويلة جدًا وأنه سيضع حداً لذلك في أسرع وقت ممكن، ومن هنا ولد مشروع الإصلاح القضائي الذي من شأنه أن يحد من سلطة المحكمة العليا في إسرائيل ويضعها تحت سيطرة البرلمان، أي الائتلاف الحاكم.

هجوم شامل على الديمقراطية

بموجب هذه الإصلاحات، سيصبح تعيين القضاة قرارًا برلمانيًا، كما يمكن إلغاء الأحكام الصادرة عن المحكمة بأغلبية برلمانية.

 ويرى منتقدو الإصلاحات فيها هجوما شاملا على الديمقراطية الإسرائيلية، سيؤدي إلى نهاية نظام ديمقراطي ليبرالي إسرائيلي حاز على استحسان كبير.

كما اقترحت الحكومة وسرعت سلسلة من القوانين الأخرى التي كان يُنظر إليها كمصالح ذاتية واضحة للمتنفذين، سيما مشروع القانون الذي يحصن رئيس الوزراء الحالي في وجه محاكمات محتملة بتهم الفساد.

كان المشهد مهيأ لمواجهة كاملة بين المعسكر المؤيد لنتنياهو والمناهض له، علما أن فهم أي من المعسكرين يمثل الطريق الأمثل لفهم الصراع الحالي في إسرائيل.

بنيت معارضة إصلاحات الحكومة بشكل أساسي على منظمات لا يمكن تصنيفها كيسارية من بينها منظمات أرباب العمل وجنود الاحتياط “النخبة” والطيارون المقاتلون.

وتحول زعيم المعارضة بيني غانتس إلى شخصية محورية في الحراك، وهو الذي بدأ مسيرته السياسية بعد ارتكابه مذبحة في غزة عام 2014 تحت حماية قضائية من المحكمة العليا.

وبالمثل، فإن المنظمات التقليدية للحركة العمالية الإسرائيلية، مثل الهستدروت أو حزب العمل، كانت تاريخيًا من يهندس انتزاع ملكية الفلسطينيين، ومن الصعب اعتبارها منظمات تقدمية ناهيك عن صعوبة وصفها بالمدافعة عن الديمقراطية.

الديمقراطية – لمن؟

لقد قام الافتراض الأيديولوجي الواضح لاحتلال إسرائيل المستمر لفلسطين على الشعار الصهيوني القديم:” أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”.

هذه الفكرة جسدها خطاب الوزير والنائب اليميني المتطرف سموتريتش الأخير في باريس حين قال أنه لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني، وعبرت عنها من قبله غولدا مائير، رئيسة الوزراء الأولى والوحيدة في إسرائيل وهي نصيرة للهستدروت ومن صفوف حزب العمل التي أعلنت عام 1969 أنه “لا يوجد شيء اسمه الفلسطينيين”.

تلقى اليمين الإسرائيلي الإدانة بعد تصريحات سموتريتش، لكن ليسار كان يشاركه دائمًا أفكارًا مماثلة، وبالتالي، يبدو أن المشكلة إذن هي الصهيونية التي لا تعترف بالحق الفلسطيني بالوجود من الأساس وإن اختلفت إلى حد التناحر على كيفية صياغة هذا الإقصاء للفلسطينيين، عبر القضاء أم من خلال الكنيسيت.

إن إقصاء الفلسطينيين ومطالبهم صار أكثر فظاعة منذ أن فهم الجيش والمستوطنون انتخاب حكومة نتنياهو كمؤشر على أن لديهم الآن سيطرة مطلقة في الضفة الغربية. 

قُتل أكثر من 80 فلسطينيًا منذ بداية العام، مع اشتداد وتيرة الهجمات العسكرية وأعمال العنف، لا سيما في مدينتي جنين ونابلس.

ولعل أبرز مثال على الثقة المتزايدة التي منحتها الحكومة للمستوطنين يتمثل في هيجان المستوطنين على بلدة حوارة حيث هاجموا السكان وأحرقوا السيارات ودمروا المتاجر والمنازل، وقتلوا فلسطينيا وجرحوا 400 آخرين.

وقع الهجوم برمته تحت أعين الجيش الساهرة، وردا على ذلك، قال سموتريتش:” يجب أن نمحو حوارة، أعتقد أن دولة إسرائيل يجب أن تفعل ذلك”.

أي ديمقراطية ليبرالية؟

يناضل الحراك الاحتجاجي من أجل الحفاظ على الوضع الإسرائيلي الراهن: مجتمع مبني على أرض مسروقة واستبعاد مستمر للفلسطينيين، من خلال نظام قانوني لا يعترف به إلا الاحتلال نفسه.

قد يُغفر للمرء أن يتساءل عما إذا كان المجتمع الاستعماري الذي يشرع سياساته التوسعية من خلال محكمته العليا أفضل أو أكثر ديمقراطية من المجتمع الذي يفعل ذلك من خلال برلمانه.

ماذا يعني الحديث عن إسرائيل كديمقراطية ليبرالية، عندما تحافظ مؤسساتها على الحصار المميت على غزة، وعندما تستمر في توسيع المستوطنات في الضفة الغربية والقدس ومرتفعات الجولان، وعندما تحافظ على أكثر من 65 قانونًا يستهدف الفلسطينيين خاصة في الخط الأخضر؟

الحقيقة هي أنه لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية في ظل السيادة العرقية، فنظام الفصل العنصري من حيث التعريف هو نظام غير ليبرالي.

هل هناك أي معنى في مناقشة الدولة كديمقراطية ليبرالية، لم تطرد فقط مئات الآلاف من مواطنيها، بل استمرت في رفض حق العودة لهم ولأحفادهم؟

ما هو نوع الديمقراطية، الليبرالية أو غير الليبرالية، التي تقوم على إنكار الحق الأساسي في التصويت لما يقرب من نصف السكان، حوالي ستة ملايين شخص، يعيشون تحت حكمها المباشر؟

كل هذه القرارات تم اتخاذها وتنفيذها تحت إشراف المحكمة الإسرائيلية العليا.

تتطلب الهيمنة الاستعمارية الاستيطانية حكما قويا لمجموعة على أخرى، تحالف نتنياهو قد يسقط، وقد يصمد أمام العاصفة، وفي كلتا الحالتين، لن تخرج الديمقراطية منتصرة بين النهر والبحر.

سيتطلب الأمر تحدي الأفكار الأساسية للصهيونية لتحقيق مثل هذه النتيجة: أن تكون الدولة الديمقراطية لجميع سكانها.

هذا النضال لا يتم خوضه في الشوارع خارج الكنيست ولا من قبل النقابات والجنود وأرباب العمل الإسرائيليين، بل إن انتصار هذه الحراكات كان دوما مرهون بتحقيق المطالب القديمة للحركة الوطنية الفلسطينية: التحرير والعودة.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة