بقلم لبنى مصاروة وريحان الدين
ترجمة وتحرير مريم الحمد
يخرج الفلسطيني من شمال غزة، علي، كل يوم وسط القصف الإسرائيلي المستمر والقذائف بحثاً عن الطعام لعائلته، يقول: “عائلتي وأطفالي ينتظرون قدومي بالطعام أو الخضروات”، لكنه يعود في معظم الأيام خالي الوفاض ويائساً.
يقول علي: “لقد توقفنا عن الحديث عن انتظار انتهاء الحرب، وبدأنا التساؤل (متى سيأتي الطعام؟)”، فعلي مثل جميع سكان غزة يعاني من أزمة مجاعة متفاقمة!
تذهب رانيا إلى السوق يومياً بحثاً عن الطعام، ولكن ما تجده إما أنها لا تملك القدرة على شرائه أو أنه نادر وقليل الكمية، تقول: “لا توجد خضروات أو فواكه أو حليب في الأسواق، لا شيء له أي قيمة غذائية”.
لقد حصلت رانيا على سلة غذائية من برنامج الأغذية العالمي منذ أكثر من شهر، وكان تحتوي على الحلاوة الطحينية والفاصوليا والحمص والبازلاء واللحوم الباردة، ولا تزال تحاول تقنينها، تقول: “لقد قمت بتقنينها لأنها إن نفدت، فلن يكون لدي ما آكله، فأنا أشعر بالدوار والضعف ووجهي شاحب”.
“أكثر من نصف الأسر في غزة ليس لديهم طعام ليأكلوه في المنزل في غالب الأحيان، وأكثر من 20% يقضون أياماً وليال كاملة دون تناول الطعام” برنامج التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي التابع للأمم المتحدة
رانيا وعلي يشبهون مئات الآلاف من الفلسطينيين في قطاع غزة اليوم وخاصة في الشمال، فقد فرض الجيش الإسرائيلي منذ أشهر حصاراً مشدداً على القطاع، مما أدى إلى توقف تدفق المواد الغذائية والطبية الأساسية المنقذة للحياة.
ظل الحصار أكثر صرامة على شمال غزة، فهي المنطقة التي حاولت إسرائيل إفراغها من سكانها الذين يزيد عددهم عن مليون نسمة في بداية الحرب في أكتوبر، وكجزء من سياسة العقاب الجماعي للمدنيين، استخدم الجيش الإسرائيلي تجويع السكان كسلاح حرب، وفقاً لمحققين مستقلين تابعين للأمم المتحدة.
بلغت أزمة الجوع ذروتها في مارس، حيث مات عشرات الأطفال بسبب سوء التغذية، واضطر السكان إلى أكل العشب في الوقت الذي قتلت فيه القوات الإسرائيلية من يهرعون إلى أخذ المساعدات مراراً.
بعد ضغوط دولية، وصل القليل من الغذاء إلى بعض المناطق، وذلك بعد أن قتلت القوات الإسرائيلية عدداً من عمال الإغاثة الأجانب، غير أن الحصار زاد مرة أخرى، مما أدى إلى وفاة 4 أطفال على الأقل بسبب سوء التغذية في أسبوع فقط!
مجاعة في الأفق
في تقرير جديد صدر عن نظام الأمم المتحدة لمراقبة الجوع “التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي”، جاء فيه أن “خطر المجاعة الكبير لا يزال قائماً في جميع أنحاء قطاع غزة”.
أفاد التقرير بأن أكثر من 20% من سكان القطاع، أي أكثر من 495,000 نسمة، يواجهون “مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي الحاد” بما في ذلك “النقص الشديد في الغذاء والمجاعة والإرهاق”، ويواجه الجميع تقريباً “مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد” أو ما هو أسوأ من ذلك.
أوضح التقرير أنه رغم زيادة عمليات تسليم المساعدات إلى شمال غزة في شهري مارس وإبريل، وإلى الجنوب أيضاً، إلا أن الوضع تدهور في الأسابيع الأخيرة، حيث أدى الغزو البري الإسرائيلي لرفح جنوب غزة، إلى خنق الطرق القليلة المؤدية إلى القطاع أمام شاحنات المساعدات الإنسانية.
“لا نعرف إلى أي مدى يمكننا تحمل هذا الأمر، فكل يوم نزداد انهياراً وكل يوم أسوأ من اليوم الذي قبله” علي- فلسطيني من شمال غزة
وفق التقرير، فإن أكثر من نصف الأسر في غزة ليس لديهم طعام ليأكلوه في المنزل في غالب الأحيان، وأكثر من 20% يقضون أياماً وليال كاملة دون تناول الطعام، وأكد التقرير على أن “المجال الإنساني في قطاع غزة مستمر في الانكماش، والقدرة على تقديم المساعدة بأمان للسكان تتضاءل”.
“الجوع أقسى من القصف”
لا توجد كلمات لوصف الجوع الذي يعاني منه الناس في غزة، يقول علي: “إنه أقسى من كل القصف والضجيج والرعب الذي نعيشه، بل وأسوأ من المجاعة التي عشناها في المرة الأولى”.
يوضح علي أنه في بداية الحرب، عندما تم طرد سكان شمال غزة قسراً إلى الجنوب، تُرك أولئك الذين بقوا في الشمال في ظروف أقرب إلى المجاعة بسبب الحصار الكامل على الغذاء والموارد، يقول: “لكن بعض الناس قاموا بتخزين بعض المواد الغذائية أو البقوليات من قبل، كما أن الجو ودرجة الحرارة من شأنها أن تساعد على زراعة بعض الأعشاب أو النباتات التي يمكن أن نستخدمها كبدائل للغذاء”.
أما الآن، ومع ارتفاع درجات الحرارة في غزة، فقد أصبح من الصعب تخزين الطعام، وباتت بعض الأطعمة المعلبة التي وصلت إلى شمال غزة عبر شاحنات المساعدات غير صالحة للأكل، لأن التعرض لأشعة الشمس أثناء الرحلة أدى إلى إفساد المخزون قبل أن يصل إلى الفلسطينيين الذين يعانون من الجوع، ويؤكد علي بالقول: “لقد شهدنا في مدينة غزة أكثر من حالة تسمم بسبب تلف هذه المعلبات”.
وفقاً للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فقد سجلت خلال الأيام الماضية حالات تسمم غذائي كثيرة نتيجة تناول أغذية معلبة منتهية الصلاحية، خاصة بين الأطفال.
يحاول العديد من الفلسطينيين في غزة الآن زراعة المحاصيل الغذائية في منازلهم للتحايل على الجوع، خاصة الأشياء التي قد تنمو بسرعة، مثل الكوسة والخيار والطماطم، لكن النباتات تحتاج إلى الماء، وهو أمر نادر للغاية في غزة.
قبل أن تبدأ الحرب الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر، كان 96% من المياه في القطاع غير صالحة للاستهلاك البشري بسبب الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 17 عاماً، والآن أصبح الوضع أسوأ، حيث تعطلت أنظمة المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية تماماً كما أفاد تقرير للأمم المتحدة حول الأثر البيئي للحرب الإسرائيلية.
يقول علي: “لا نعرف إلى أي مدى يمكننا تحمل هذا الأمر، فكل يوم نزداد انهياراً وكل يوم أسوأ من اليوم الذي قبله”!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)