الحرية التي تأخرت: أحمد مناصرة يخرج من السجن بجسد منهك ونفس جريحة

بقلم ميرا العدم 

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

بعد أن أمضى نصف حياته خلف القضبان، أُطلق سراح الأسير الفلسطيني أحمد مناصرة، الذي قضى قرابة عقد عمره في احتمال من الإساءة الجسدية والنفسية وسوء المعاملة في سجون الاحتلال.

في أكتوبر/تشرين الأول 2015، حُكم على مناصرة بالسجن 12 عامًا ثم خُفّفت إلى تسع سنوات، لمرافقته ابن عمه حسن مناصرة، الذي زُعم أنه قام بطعن مستوطنين اثنين بالقرب من مستوطنة بيسغات زئيف غير الشرعية في القدس الشرقية المحتلة. 

وعقب اعتقاله، سُرّب فيديو لوسائل الإعلام الفلسطينية يُظهر تعرض مناصرة لمعاملة قاسية من قبل ضباط في جيش الاحتلال أثناء استجوابه.

كان من المتوقع إطلاق سراح مناصرة في سجن نفحة، حيث كانت عائلته تنتظره لاستقباله، لكن سبيله أخلي في منطقة بئر السبع، في صحراء النقب، بعيدًا عن السجن.

وقال المحامي خالد زبارقة الذي كان يترافع عن مناصرة أن المحرر تُرك في مكان مهجور، حيث التقى لاحقًا ببدوي فلسطيني اتصل بعائلته، وأضاف زبارقة: “أحمد الآن مع عائلته”.

خلقت ظروف الاعتقال المطول القاسية معاناة حقيقية لمناصرة الذي يعاني الآن من مشاكل صحية جسدية ونفسية حادة، بما في ذلك الفصام والذهان والاكتئاب.

كما أثار اعتقاله الوحشي والتعذيب الذي تعرض له لسنوات غضبًا دوليًا أسفر عن انطلاق حملات عديدة للمطالبة بالإفراج عنه.

اعتقال عنيف

وقد وجه قضاء الاحتلال لمناصرة تهم الشروع بالقتل رغم عدم مشاركته في الهجوم على المستوطنين وهي حقيقة أقرت بها المحكمة.

أما ابن عمه حسن، البالغ من العمر 15 عامًا، فقد قضى نحبه برصاص مستوطن كان في موقع الحادثة، في حين أصيب أحمد بكسور في الجمجمة ونزيف داخلي بعد تعرضه للضرب على يد حشد من جمهور الاحتلال ودهسه بسيارة يقودها أحدهم.

وقد أظهر مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع على الإنترنت في ذلك الوقت مناصرة ملقىً على الشارع مغطى بالدماء، مصابًا بجرح في الرأس وكسور في الساقين، حيث تركه جنود الاحتلال ينزف وقاموا بركله عندما حاول رفع رأسه. 

كما أمكن في الفيديو سماع حشد من جمهور الاحتلال المتفرجين وهم يهتفون بالشتائم والبصق والصراخ على أحمد والهتاف بالموت له.

ولاحقًا، احتجزت سلطات الاحتلال مناصرة وجثة ابن عمه دون الإفصاح عن أي معلومات إلا بعد أيام من الاعتقال الوحشي.

وبعد إدانة واسعة النطاق وتكهنات حول استشهاده أسيراً، نشرت شرطة الاحتلال مقطع فيديو لأحمد على سرير في المستشفى يتلقى العلاج من جروحه.

في ذلك الوقت، انتقدت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان الإسرائيلية غير الحكومية هذه الخطوة، معتبرةً في بيان لها أن قرار حكومة الاحتلال بنشر صور أحمد كان سياسيًا بحتًا.

إدانة واستجواب غير قانونيين

ثبت لاحقًا أن أحمد لم يشارك في طعن المستوطنين، إلا أن المحكمة المركزية في القدس أصرت على توجيه تهمة الشروع في القتل له.

وفي الإفادة الأولية، التي لم تظهر في فيديو الاستجواب، أنكر أحمد تورطه في الهجوم، قائلًا إن ابن عمه هو من طعن المستوطنين، وأنه يكره رؤية الدم.

وينص قانون الأحداث لدى الاحتلال، الذي ينطبق على أحمد لكونه مقيمًا في حدود بلدية الاحتلال في القدس، على أنه لا يجوز سجن أي شخص حتى يبلغ الرابعة عشرة من عمره، ولذلك أُجِّلت إجراءات محاكمته حتى بلغ الرابعة عشرة.

وقد خلصت محكمة الاحتلال العليا إلى أن “المستأنف خطط مع ابن عمه لقتل أبرياء على أسس قومية وأيديولوجية”، وقالت أنها ستخفف عقوبته فقط لمدة عامين ونصف.

وقال القضاة آنذاك إن “أفعال المستأنف كانت بالغة الخطورة، ومع ذلك، لا يمكننا تجاهل أن دوره في هذه الحادثة كان ثانويًا مقارنةً بدور ابن عمه”.

وقد أثارت مقاطع استجواب أحمد صدمةً في أوساط الفلسطينيين ومنظمات حقوق الإنسان والناشطين.  

ففي أحد المقاطع، ظهر محقق وهو يصرخ على أحمد، متهمًا إياه مرارًا وتكرارًا بمحاولة القتل، في حين شوهد أحمد وهو يضرب وجهه مرارًا وتكرارًا، ويصرخ بأنه لا يتذكر شيئًا من ذلك اليوم، بينما يواصل المحقق الصراخ عليه ليتذكر.

وتصرّ جماعات حقوق الإنسان على أن القضية قد سُيِّست، وأن معايير حقوق الإنسان المتعلقة بمعاملة القاصرين لا تُتبع.

فقد صرحت ليئا تسيمل، إحدى محاميات مناصرة، لموقع ميدل إيست آي آنذاك بأن سلوك المحقق كان غير لائق، إذ لا يجوز، بموجب القانون الدولي، استجواب طفل دون حضور والديه أو ولي أمره.

أما أماني ضيف، إحدى موظفات منظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان”، فقالت لموقع ميدل إيست آي حينها أن قانون الاحتلال لحماية الأطفال يُجرّم نشر لقطات تضرّ بالطفل.

الحبس الانفرادي والإساءة النفسية

وخلال فترة اعتقاله، أصيب أحمد بحالات نفسية خطيرة، وفي أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2021، شخّص طبيب نفسي سريري إسرائيلي مستقل إصابته بالفصام والذهان والاكتئاب الحاد.

ووفقًا لمنظمة العفو الدولية، فإن مصلحة السجون التابعة للاحتلال وضعته بعد أسبوعين تقريبًا من تشخيص حالته في الحبس الانفرادي، حيث احتُجز لمدة عامين، وخلال تلك الفترة، تعرّض للإهمال الطبي وفكّر في الانتحار.

وبعد زيارته له عام 2023، قال محاميه خالد زبارقة: “رأيته إنسانًا بلا روح، حاولت مواساته بإخباره أنه لم يبقَ من حكمه إلا القليل وأننا نعمل على إطلاق سراحه، فأجاب أنا أنتظر الموت فقط، لا أنتظر أي شيء من هذه الحياة، ثم، قبل أن أغادر، سألني: هل أنت متأكد أن الانتحار ممنوع؟”

يذكر أن منظمة العفو الدولية كانت قد أشارت إلى أن الحبس الانفرادي لأكثر من 15 يومًا يُعد “انتهاكًا للحظر المطلق للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة”.

وأضافت المنظمة أن “معاملة أحمد مناصرة تنسجم مع اتجاه أعم من التمييز ضد الأطفال الفلسطينيين في نظام العدالة الجنائية”، حيث زادت سلطات الاحتلال من تضييقها على الأطفال الفلسطينيين في السنوات الأخيرة.

وأدت قضية أحمد إلى تعديل في قانون الاحتلال في أغسطس/آب 2016، حيث بات التعديل يسمح بمحاسبة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و14 عامًا جنائيًا ومحاكمتهم في المحاكم والحكم عليهم كما لو كانوا بالغين.

وقد مكّن هذا التعديل سلطات الاحتلال من “اعتقال أي قاصر مدان بجرائم خطيرة كالقتل أو الشروع في القتل أو القتل غير العمد حتى لو كان دون سن الرابعة عشرة”، بعدما كان من الممكن فقط سجن الأطفال الذين تبلغ أعمارهم 14 عامًا فأكثر.

ووفقًا لمنظمة “أنقذوا الأطفال” غير الحكومية، فقد احتُجز ما يقرب من 10,000 طفل فلسطيني في مراكز الاحتجاز العسكرية التابعة للاحتلال على مدار السنوات العشرين الماضية.

للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة