الدعم الغربي للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل سوف يؤدي إلى تدمير العالم

بقلم جوناثان كوك

ترجمة وتحرير مريم الحمد

لا أعتقد أنه يوجد تعبير أدق للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة من الصور المروعة التي شاهدناها لاحتراق مراهق فلسطيني على سرير علاج في المستشفى بالنار!

تذكرنا هذه الصورة بمشاهد أخرى على الفساد البشري، مثل صورة الجثث العارية والمشوَّهة من الجلد والعظام وكيف ألقيت في مقابر جماعية في معسكرات الموت أثناء الهولوكوست، أو حقول الأنقاض المشعة بعد تسوية هيروشيما بالأرض بواسطة قنبلة ذرية على يد الولايات المتحدة، أو فتاة فيتنامية عارية يتقشر جلدها المحترق وهي تهرب مذعورة من هجوم بقنبلة نابالم. 

مع حريق غزة، فإن العصر الحديث للقانون الإنساني الدولي الذي فصله الغرب، فضلاً عن المؤسسات التي دافع عنها الغرب لدعمه، يحترق الآن حقاً

لابد أن القنبلة التي أحرقت شعبان الدلو البالغ من العمر 19 عاماً مع والدته واثنين آخرين، في خيمة على أرض مستشفى الأقصى في دير البلح، كانت قنبلة أمريكية أو ألمانية أطلقها صاروخ يتحكم به طيارون إسرائيليون.

لك أن تتخيل أن شعبان كان في الخيمة يتعافى من غارة جوية إسرائيلية قبل ذلك بأسبوع أدت إلى مقتل 26 شخصاً، كما كان يعاني بالفعل من سوء التغذية وضعف المناعة بسبب الحصار الإسرائيلي الذي استمر لعدة أشهر، والذي منع دخول الغذاء والمساعدات إلى غزة!

في نفس الحريق، أصيبت شقيقتا شعبان ووالده وشقيقه الأصغر، بحروق شديدة بسبب الحريق الناجم عن الغارة، فيما توفي شقيقه البالغ من العمر 10 سنوات متأثراً بجراحه بعد أيام.

لا أبالغ إن قلت أنه بعد هذا الحريق، فإن الضحايا قد تحولوا بالفعل إلى غياهب النسيان، ومعهم “النظام الدولي القائم على القواعد” الذي ساعد الغرب في تأسيسه بهدف منع تكرار فظائع الحرب العالمية الثانية!

إن الإبادة الجماعية المستمرة منذ عام في غزة هي إنتاج غربي مشترك بالكامل، تقوم فيه الولايات المتحدة وأوروبا بإرسال الأسلحة وتوفير الغطاء الدبلوماسي وتنسيق الدعم من وسائل الإعلام المملوكة للدولة والمليارديرات وخنق كل المعارضة المحلية. 

مع حريق غزة، فإن العصر الحديث للقانون الإنساني الدولي الذي فصله الغرب، فضلاً عن المؤسسات التي دافع عنها الغرب لدعمه، يحترق الآن حقاً.

إن الأطراف التي تتفكك أسبوعاً بعد أسبوع وشهراً بعد شهر، ما هي إلا القواعد التي كان من المفترض أن تبقي مخاطر الحرب العالمية الثالثة تحت السيطرة وليس من يسمون “الإرهابيين”، فهي لم تُرسم لحماس أو حزب الله أو القاعدة أو الدولة الإسلامية ولا حتى لإيران أو روسيا أو الصين، بل رُسمت للغرب، واشنطن وحلفاؤها، فهم مشعلو الحرائق!

لا مكان آمن

إن أي شخص يحاول إعطاء فكرة حقيقية عن حجم الدمار الذي قامت به إسرائيل في زمن قصير أو الطبيعة العشوائية للقصف الذي تمارسه، سوف يجد نفسه مضطراً لاستحضار صور معظمها من فيتنام أو كوريا أو الحرب العالمية الثانية، فما جرى في أوكرانيا على يد روسيا كأحدث مثال لا يمكن مقارنته بحجم الجرائم في غزة ولبنان.

إسرائيل لا “تعيد تشكيل الشرق الأوسط” كما يدعي نتنياهو، بل فيما تفعله تدمير للعالم الذي عرفناه منذ أجيال!

إن المذبحة التي اندلعت في الشرق الأوسط هي من حقبة أخرى أكثر بالفعل، فالكارثة الإنسانية التي هندستها إسرائيل في غزة ليس لها سابقة في العصر الحديث، فهي ليست بلا شفقة فقط، بل حملت طابعاً أكثر وقاحة واحتفالية وعربدة، لا تتورع فيها إسرائيل عن إلقاء القنابل على “المناطق الآمنة”، فقد قصفت المستشفيات والمدارس التي تستخدم كملاجئ للعائلات النازحة والمخابز والمساجد والكنائس. 

ولا يخفى على أحد سياسة التجويع التي تمارسها إسرائيل ضد سكان القطاع الذين كان يبلغ عددهم 2.3 مليون شخص، قبل أن يموت الكثير منهم ويتم فقد القدرة على إحصاء عددهم الضحايا!

إن إسرائيل تفعل اليوم في غزة ما هددت بفعله بالضبط منذ فترة طويلة، ولم تكن 7 أكتوبر إلا ذريعة لتعيد غزة “إلى العصر الحجري”، فإسرائيل لا تقوم بالقضاء على حماس، فهي لا تطبق أدنى أساسيات القانون الإنساني، مثل مبدأ “التمييز” بين المقاتلين وغير المقاتلين ومبدأ “التناسب” في الموازنة بين الميزة العسكرية وتعريض المدنيين للخطر. 

كل هذا يحدث في العلن، ولا يخفيه إلا رفض الساسة ووسائل الإعلام الغربية الاعتراف بما يمكن لأي شخص آخر أن يراه، فإسرائيل لا “تعيد تشكيل الشرق الأوسط” كما يدعي نتنياهو، بل فيما تفعله تدمير للعالم الذي عرفناه منذ أجيال!

لقد كانت إسرائيل واضحة، فلا يوجد مكان آمن ولا حتى لأولئك الذين يتعافون في سرير المستشفى، ولا يوجد “غير مقاتلين” ولا مدنيون ولا توجد قواعد، فالجميع مستهدف، ولم يعد ذلك يعني شعوب غزة والضفة الغربية المحتلة ولبنان فحسب، بل يشمل أيضاً الهيئة ذاتها التي تعتبر بمثابة الوصي على قواعد القانون الإنساني التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية والمحرقة، وهي الأمم المتحدة.

مهاجمة قوات حفظ السلام

لقد أصبحت الهجمات الإسرائيلية المتكررة على قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان، بالإضافة إلى تهديد نتنياهو لهم بترك مواقعهم أو مواجهة العواقب، أمراً متقبلاً من قِبَل العواصم الغربية، تماماً كما حدث مع الهجمات الممنهجة التي شنتها إسرائيل على مستشفيات غزة. 

لقد قامت دبابة إسرائيلية قبل أيام بإطلاق النار على برج مراقبة قرب قرية كفر كلا اللبنانية، مما أدى إلى إتلافه وإلحاق أضرار بكاميراته، وقبل ذلك بأسبوع، أصيب جنديان من قوات حفظ السلام التابعة لقوات اليونيفيل في لبنان بجروح بعد أن أطلقت دبابة إسرائيلية النار على برج مراقبة في مقر قوات اليونيفيل الساحلي في الناقورة. 

وفي حادث آخر، قامت دبابتان إسرائيليتان بتحطيم بوابات موقع لليونيفيل في رامية، ولم يمضِ وقت قصير حتى أطلقت القوات الإسرائيلية قنابل دخان سببت تهيجاً الجلد واضطرابات في الجهاز الهضمي لدى 15 من قوات حفظ السلام. 

لقد سعى نتنياهو إلى تبرير هذه الهجمات وغيرها باستخدام كذبة مألوفة، حيث ادعى أن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تعمل بمثابة “درع بشري لإرهابيي حزب الله”، تماماً كما برر في وقت سابق مهاجمة مستشفيات غزة وبنيتها التحتية على أساس أن حماس بنت “مراكز القيادة والسيطرة” تحتها.

ولو كنت بحاجة للمحة لفهم الكيفية التي قد ينظر بها البعض في واشنطن إلى مثل هذه الاستراتيجيات الإسرائيلية، فيكفي أن تعلم أن المستشار السابق للبيت الأبيض، ماثيو برودسكي، قد دعا إسرائيل مؤخراً إلى إسقاط النابالم على قوات حفظ السلام الإيرلندية في جنوب لبنان!

عمليات في الظل

هناك أسباب واضحة، منها آني ومنها طويل الأمد، وراء استهداف إسرائيل لقوات اليونيفيل، فهي قوات حفظ سلام موجودة هناك لمراقبة وتسجيل انتهاكات قوانين الحرب بين إسرائيل والجماعات اللبنانية المسلحة، مثل حزب الله.

على مدى 15 سنة مضت، تم تطبيق ما سمي بـ “جز العشب” بشكل متقطع، مما أسفر عن مقتل عدة مئات من المدنيين، في حين تم وضع السكان “على نظام غذائي” صارم مقيد للسعرات الحرارية لمدة 17 عاماً!

كانت إحدى أولويات إسرائيل المبكرة في غزة هي إبعاد الصحفيين الأجانب واغتيال الصحفيين الفلسطينيين المحليين لعرقلة وصول الصورة عن جرائم الحرب التي ترتكبها في القطاع، ولكن في لبنان تواجه إسرائيل مشكلة أكبر، فالأمم المتحدة لا تضع أعينها على الأرض فحسب، بل قامت بتدريب جنود في مواقع محصنة لمراقبة الإجراءات في ساحة المعركة التي أقامتها إسرائيل في جنوب لبنان. 

تتألف قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من 50 دولة، مما يجعلها جميعاً شهوداً على جرائم إسرائيل ضد الإنسانية، حيث يتم إرسال تقارير اليونيفيل إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، وشبكة من هيئات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ولهذا السبب يستخدمون أبراج المراقبة التي تريد إسرائيل في نفس الوقت تدميرها.

ترغب إسرائيل بالتأكيد في أن تكون قادرة على العمل في الظل، بعيداً عن أعين الرقابة في جنوب لبنان، ومن أمثلة ذلك قيامها بتفجير قرية محيبيب بالديناميت.

من المرجح أن إسرائيل ترغب الآن، بعد أن أجبرت سكان عشرات القرى في جنوب لبنان على الفرار من منازلهم، بإغراق هذه المناطق بالذخائر العنقودية والألغام الأرضية الصغيرة كما فعلت في السابق، مما يجعل من المستحيل على مئات الآلاف من اللبنانيين العودة إلى ديارهم. 

ومن هنا، فإن وجود قوات اليونيفيل في الجنوب سوف يجعل ارتكاب هذه الجريمة أكثر صعوبة!

سياسة “جز العشب”

هناك هدف أوسع أيضاً، حيث أن نتنياهو لم يلمح فقط إلى أن قوات اليونيفيل تقف في طريق عمليات إسرائيل العسكرية فحسب، بل أشار إلى أن قوات حفظ السلام تتواطأ مع مقاتلي حزب الله، وهذا يشبه ما زعمته إسرائيل في غزة بأنه يجب قتل أطباء غزة أو جرهم إلى معسكرات التعذيب لأنهم كانوا يأوون  مقاتلي حماس داخل مستشفياتهم!

لقد بدأت إسرائيل بالفعل في تعزيز هذه الادعاءات من خلال “اعترافات” مفترضة على ألسنة مقاتلي حزب الله الذين أسرتهم، باعتبار أنهم قاموا برشوة قوات اليونيفيل للسماح لهم باستخدام مواقعها وكاميرات المراقبة.

الحقيقة أن كل ما تثبته إسرائيل من خلال تلك الاعترافات المفترضة هو هو أن نظام التعذيب المروع الذي تمارسه، سواء كانوا من مقاتلي حزب الله أو حماس أو الأطباء المختطفين من شوارع غزة، كفيل بجعلهم يقولون كل ما تريدهم إسرائيل قوله لتبرير جرائمها. 

إن قصة “المقاس الواحد الذي يناسب الجميع” في إسرائيل لا تخدم إلا مصالحها الذاتية وبشكل فاضح، في دور يتقاسمه الساسة و”المحترفون” في وسائل الإعلام!

تجدر الإشارة إلى أن الاعتداء الذي تشنه إسرائيل على الأمم المتحدة اليوم لم يأتِ من العدم، فقد ظلت إسرائيل، لعقود من الزمن، تنسج رواية للأمم المتحدة باعتبارها معقلاً لمعاداة السامية، مدعية أن النظام القانوني الدولي دائماً يضع إسرائيل على رأس قائمة الملاحقة.

يذكر أن القانون الدولي يعارض أي دولة تطبق الفصل العنصري، وذلك حاصل في حالة إسرائيل حيث تفعله منذ عقود في حكمها للفلسطينيين، أو أي دولة تمارس التطهير العرقي، وذلك حاصل فيما تفعله إسرائيل بالشعب الفلسطيني منذ أكثر من ثلاثة أرباع قرن، أو أي دولة تمارس إبادة جماعية، وذلك حاصل فيما تفعله إسرائيل الآن في غزة.

كل هذه الجرائم محددة في القانون الدولي، وإسرائيل ترتكبها جميعاً،  فمنذ ما قبل 7 أكتوبر، كانت إسرائيل قد عملت تدريجياً على تقويض قواعد الاحتلال والحرب، خاصة من خلال حصارها وهجماتها المتكررة على غزة، فعلى مدى 15 سنة مضت، تم تطبيق ما سمي بـ “جز العشب” بشكل متقطع، مما أسفر عن مقتل عدة مئات من المدنيين، في حين تم وضع السكان “على نظام غذائي” صارم مقيد للسعرات الحرارية لمدة 17 عاماً!

ماذا سيحدث لجنوب غزة بعد أن يتم التطهير العرقي في الشمال؟ حيث تشير كل الأدلة حتى الآن إلى أن أي شيء يتم القيام به في شمال غزة سيصل قريباً إلى الجنوب، فإذا كانت إسرائيل تعتقد أنها لن تتمكن من تدمير حماس في شمال غزة إلا من خلال سياسة الإبادة، فما الذي يمنعها من الادعاء بالحاجة إلى تنفيذ نفس السياسة بالضبط في جنوب غزة في وقت لاحق؟!

أما اليوم، فقد أدركت إسرائيل أن ما تقوم به من تدمير ومحو اليوم في غزة لا يمكن أن يسعه القانون الدولي حتى مع التفسيرات الفضفاضة التي كانت تؤيدها، فكان لا بد من التحرك، لأن إسرائيل ببساطة مصممة على برنامجها للإبادة الجماعية!

“بيت الظلام”

لقد صعدت إسرائيل بوضوح ضد الأمم المتحدة خلال العام، فصرحت بأن غوتيريش “شخص غير مرغوب فيه” ومنعته من دخول البلاد، حيث اتهم وزير الخارجية الإسرائيلي غوتيريس بدعم “الإرهابيين والمغتصبين والقتلة”، ووصفه بأنه “وصمة عار في تاريخ الأمم المتحدة”.

من جهته، وصف نتنياهو الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنها “بيت الظلام” و”مستنقع في معاداة السامية”، ولهذا، رد السفير الإسرائيلي المنتهية ولايته لدى الأمم المتحدة على تصويت الجمعية العامة لدعم فلسطين كعضو من خلال تمزيق ميثاق الأمم المتحدة علناً، ولهذا أيضاً، عمل المسؤولون الإسرائيليون على تشويه سمعة محكمة العدل الدولية، وهي أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة ويعمل بها قضاة خبراء في القانون الدولي، باعتبارها معادية للسامية وتسعى إلى “اضطهاد الشعب اليهودي”. 

لهذا السبب أيضاً، أدان نتنياهو المدعي العام الرئيسي للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، واصفاً إياه بأحد “أعظم معادي السامية في العصر الحديث”، وكل ذلك لأن خان كان يسعى إلى إصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

ومن الجدير بالذكر أن إحدى الجماعات المؤيدة لإسرائيل في بريطانيا، وهي منظمة “محامون بريطانيون من أجل إسرائيل”، تسعى اليوم إلى شطب خان من نقابة المحامين بدعوى “سوء السلوك المهني”!

لا يوجد دليل

من ناحية أخرى، يتعرض آخر وجود ملموس للأمم المتحدة في غزة، وهو الأونروا المسؤولة عن تزويد السكان بالأساسيات مثل الغذاء، لهجوم مستمر ومن دون أي أدلة تُذكر!

لقد قامت إسرائيل بإقناع القوى الغربية بتجميد تمويل الأونروا، لكن عاد تمويل أغلب الدول الأوروبية، فيما تواصل الولايات المتحدة تواصل خنق الأونروا بالعقوبات. 

من جهة أخرى، فقد بات البرلمان الإسرائيلي اليوم في خضم تصنيف الأونروا على أنها “منظمة إرهابية”، في الوقت الذي يقصف فيه الجيش الإسرائيلي مستودعات الوكالة وملاجئ المدارس ومخيمات اللاجئين، ويقتل موظفيها داخل القطاع.

ترى إسرائيل أنه يجب محو دور الأونروا في حماية السكان المدنيين في غزة إذا ما أرادت أن تمحو غزة بالفعل!

قبل خمسين عاماً، قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بسحب اعترافها بجنوب إفريقيا لعقدين من الزمان بسبب قيام الأخيرة بإقامة حكم فصل عنصري في بريتوريا واحتلال عسكري في ناميبيا. 

واليوم، يمكن للجمعية العامة فعل الشيء نفسه مع إسرائيل، ولكن الحقيقة فيما يبدو أن الجمعية لا تجرؤ على ذلك، فالغرب أكثر تمسكاً بإسرائيل المارقة مما كان عليه تجاه دولة الفصل العنصري المارقة في جنوب إفريقيا، كما أن لدى الأمم المتحدة أسباب وجيهة للخوف من أن ينتهي الهجوم الإسرائيلي الذي تدعمه الولايات المتحدة عبر غزة والضفة الغربية المحتلة ولبنان ثم إلى إيران، عند بابها!

خطة الجنرالات

لم تكن لتجرأ على الاستمرار في الإبادة في غزة حتى اليوم لولا  علمها بتردي حالة النظام الدولي وبوقوف واشنطن الكامل معها، فبالكاد تم ذكر ما يسمى “خطة الجنرالات” الإسرائيلية في وسائل الإعلام الغربية، والتي تدعو إلى تحويل “شمال غزة” إلى معسكر إبادة رسمي!

تتضمن الخطة، التي قام بنشرها مجموعة من جنود الاحتياط العسكريين ذوي النفوذ في سبتمبر الماضي، إعطاء مهلة لا تتجاوز الأسبوع لحوالي 400 ألف فلسطيني في شمال غزة للنزوح جنوباً، ومن ثم يتم تجويع أو إعدام أي شخص يبقى باعتباره “إرهابياً من حماس”، حيث يريد هؤلاء الضباط محو أي أثر لحماية المدنيين بسبب الإحباط الناتج عن فشل إسرائيل في هزيمة حماس.

من الناحية العملية، فقد كانت إسرائيل تعمل على تنفيذ هذه الخطة بشكل تدريجي منذ بداية هجومها قبل عام، ففي أكتوبر عام 2023، أمرت إسرائيل سكان غزة في الشمال بالنزوح إلى “المناطق الآمنة” المفترضة في الجنوب، والتي قامت بعد ذلك بقصفها. 

يرى محرر صحيفة هآرتس، ألوف بن، أنه في ذلك الوقت كانت استراتيجية إسرائيل تتمثل في طرد “سكان غزة إلى جنوب قطاع غزة وتدمير مدينة غزة”، ومنذ ذلك الحين، قامت إسرائيل ببناء منطقة عسكرية محصنة أسمتها ممر نتساريم لعزل شمال غزة عن جنوبها.

ويظل السؤال الذي بقي بلا إجابة حتى الآن، ماذا سيحدث لجنوب غزة بعد أن يتم التطهير العرقي في الشمال؟ حيث تشير كل الأدلة حتى الآن إلى أن أي شيء يتم القيام به في شمال غزة سيصل قريباً إلى الجنوب، فإذا كانت إسرائيل تعتقد أنها لن تتمكن من تدمير حماس في شمال غزة إلا من خلال سياسة الإبادة، فما الذي يمنعها من الادعاء بالحاجة إلى تنفيذ نفس السياسة بالضبط في جنوب غزة في وقت لاحق؟!

ويظل الهدف الحقيقي الواضح للعيان هو طرد الفلسطينيين من وطنهم التاريخي بالكامل من خلال الإرهاب والمجاعة!

“الجوع أو الاستسلام”

وفقاً لتصريحات هؤلاء الضباط لصحيفة “هآرتس”، فإن خطة الجنرالات قد بدأ تنفيذها على الأرض بالفعل، حيث تستغل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تحول الاهتمام العالمي بعيداً عن غزة نحو الهجمات الإسرائيلية على لبنان والحرب المحتملة مع إيران. 

واليوم يموت العالم القديم مرة أخرى، وقد تظن أن معالم ميلاد جديد يتضمن إعادة تشكيل الشرق الأوسط، قد بدأ، ولكنك مخطئ، فالموجود اليوم هو الوحش، ولذلك فليس للجديد أي فرصة للولادة حتى يتم ذبح هذه الوحوش الموجودة!

يقول أحد الضباط: “الخطة لا تتوافق مع أي معيار من معايير القانون الدولي، فقد جلس الناس وكتبوا خطة منهجية تحتوي على رسوم بيانية وخط عملياتي، وفي النهاية سوف يتم إطلاق النار على كل من لا يرغب في المغادرة”. 

من جانب آخر، يقال أن حزب الليكود بزعامة نتنياهو بدأ يستعد لمرحلة ما بعد الإبادة الجماعية في غزة، حيث دعا الحزب إلى حضور فعالية  بعنوان “الاستعداد لتسوية غزة”، قبل أيام.

إن العقل المدبر وراء خطة الجنرالات هو جيورا إيلاند، وهو جنرال احتياط وشخصية سياسية معروفة في إسرائيل لدى أي شخص درس تطور العقيدة العسكرية الإسرائيلية على مدى العقدين الماضيين، وقد كان إيلاند من أنصار منع كل المساعدات وتجويع السكان المدنيين منذ بداية الحرب بدعوى تشجيعهم على الانتفاضة ضد حماس، كما كان حريصاً على السماح للأوبئة بالانتشار عبر القطاع.

يذكر أنه في عام 2014، وخلال إحدى جولات إراقة الدماء الإسرائيلية السابقة، اقترح إيلاند سياسة أسماها “التجويع أو الاستسلام” ضد سكان غزة من خلال قطع كل الطعام والماء، وفي عام 2008، وبعد فشل إسرائيل في حرب 2006 في لبنان، قام إيلاند بالترويج لخطة مجنونة، اقترح فيها جعل الدولة اللبنانية وجيشها والسكان المدنيين الأهداف الرئيسية لغضب إسرائيل، وليس حزب الله فقط. 

يبدو أن نظرة إيلاند للعالم هي ما تشكل الآن النهج الذي تريد إسرائيل اتباعه شمال حدودها تماماً كما فعلت في غزة.

زمن الوحوش

تحاول واشنطن البقاء في الظل بشكل عام، ولكنها تغامر أحياناً بالخروج إلى النور في الوقت الذي ترسل فيه المزيد من الأسلحة والمساعدات إلى إسرائيل.

كلنا ندرك أن أياً مما يحدث لم يكن ليحدث لو كانت الولايات المتحدة معارضة للحرب حقاً، فإسرائيل الصغيرة لا تملك الاقتصاد ولا الترسانة اللازمة لمواصلة حرب ضد الشعب الفلسطيني ولبنان وإيران، إلا أن تفجير أسلحة تعادل قوتها عدداً من القنابل الذرية يصبح أمراً ممكناً طالما أرادت الإدارة الأمريكية ذلك.

نحن لسنا فقط على شفا عصر من المذابح المرتبطة بسوق التصنيع العسكري الغربي فحسب، بل وأيضاً على شفا أزمة جيوسياسية تهز الأرض.

في عام 1929، الفترة الفوضوية التي كانت بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، كتب الفيلسوف الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي عبارته الشهيرة: “إن العالم القديم يحتضر والعالم الجديد يناضل من أجل أن يولد، وقد بدأ الآن زمن الوحوش”.

واليوم يموت العالم القديم مرة أخرى، وقد تظن أن معالم ميلاد جديد يتضمن إعادة تشكيل الشرق الأوسط، قد بدأ، ولكنك مخطئ، فالموجود اليوم هو الوحش، ولذلك فليس للجديد أي فرصة للولادة حتى يتم ذبح هذه الوحوش الموجودة!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة