بقلم طيب علي
ترجمة وتحرير مريم الحمد
أن تتحدث عن الفضيلة في الوقت الذي لا تحترم فيه المحاربين البريطانيين القدامى وتدافع عن العنف، هذا يذكرنا بأحدث خطب وزيرة الداخلية البريطانية التي تمت إقالتها مؤخراً، سويلا بريفرمان، فليس بمستغرب منها الخوض في الخطاب العام ومحاولة إيجاد طرق جديدة لإحداث انقسامات بين الآخرين من أجل توحيد قاعدتها.
لا ينبغي أن تكون الدعوة إلى وقف إطلاق النار وإنهاء التواطؤ البريطاني في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية مثاراً للجدل
في المثال الأخير على سلوكها، فقد ساوت بين المظاهرات السلمية لدعم الفلسطينيين وما يسمى “مسيرات الكراهية”، معتبرة أن مسيرة الاحتجاج لفلسطين سوف “تدنس” يوم الهدنة، وفي ذلك إهانة للعديد من قدامى المحاربين في فوج فلسطين، الذي تم تشكيله داخل الجيش البريطاني عام 1942، للعمل في شمال إفريقيا، ويبدو أن بريفرمان قد نسيت أن عدداً من أحفاد هؤلاء المحاربين القدامى قد يكون بين المتضامنين مع فلسطين.
علاوة على ذلك، فإن تصريحاتها تلك هي طعنة في جوهر القيم البريطانية التقليدية، حيث أن حرية التعبير والتجمع السلمي والحريات المدنية متجذرة بعمق في شخصية الإنسان البريطاني، وللمفارقة، فإن بريفرمان نفسها كانت قد صرحت العام الماضي، بأنه يتوجب على حزبها إعادة شعاره القديم “شعلة الحرية” لكن يبدو أنها نسيت إشعالها بطبيعة الحال!
يعد وصف بريفرمان للاحتجاجات السلمية بأنها “مسيرات الكراهية”، لا يمثل إهانة للتقاليد البريطانية فحسب، بل أيضًا تشويهً متعمداً لجوهر تلك الاحتجاجات.
تصريحات متهورة
لا ينبغي أن تكون الدعوة إلى وقف إطلاق النار وإنهاء التواطؤ البريطاني في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية مثاراً للجدل، وهذا ما أشار إليه المركز الدولي للعدالة من أجل الفلسطينيين (ICJP)، وذلك في رسالة بعث بها إلى رئيس الوزراء، ريشي سوناك، وزعيم المعارضة، كير ستارمر، لإبلاغهما بنية المركز مقاضاة السياسيين البريطانيين المتواطئين في هذه الجرائم.
يرددون عبارة مثل “لئلا ننسى”، والتي تشير إلى فضيلة بشكل ما، في حين يصرون على حق إسرائيل الذي لا لبس فيه في الدفاع عن نفسها حتى لو كان قتل أكثر من 11 ألف فلسطيني نتيجة لذلك!
ما من شك في أن تصريحات بريفرمان المتهورة تلحق الضرر بالوسط السياسي البريطاني سواء في الداخل أو في الخارج، فعلى الصعيد الداخلي، تهدد بتعميق الانقسامات وتعزيز بيئة انعدام الثقة في الحوار، أما على المستوى الدولي، فتظهر بريطانيا بشكل قابل للتردد فيما يتعلق بهذه المبادئ.
من أبرز مظاهر تلك التشوهات، قيام السياسيين بما في ذلك بريفرمان ورئيس الوزراء سوناك، بالضغط على الشرطة من أجل حظر الاحتجاج، لكن المفوض قاوم الضغوط وحافظ على استقلال الشرطة، ولذلك قامت الاحتجاجات.
ذكرى وقف إطلاق النار
حديث بريفرمان حول اعتبار الاحتجاجات بمثابة إهانة ليوم الهدنة، بدا وكأن الدعوة إلى وقف إطلاق النار، بطريقة أو بأخرى، كانت مهينة ليوم ذكرى وقف إطلاق النار، أوكأن الحداد على الخسائر الفادحة في الأرواح في غزة كان دعوة مثيرة للجدل في يوم خصص لذلك بالأصل !!
يرددون عبارة مثل “لئلا ننسى”، والتي تشير إلى فضيلة بشكل ما، في حين يصرون على حق إسرائيل الذي لا لبس فيه في الدفاع عن نفسها حتى لو كان قتل أكثر من 11 ألف فلسطيني نتيجة لذلك!
في هذه اللحظات، يقع العبء على كاهل السياسيين البريطانيين، ففي أيديهم القدرة على جسر الانقسامات أو تعميقها، وفي الوقت الذي قد يرغب فيه بعض الساسة باستمالة الناخبين بأساليب الفرقة والكراهية، فإن كلماتهم وأفعالهم سوف تؤثر على الرأي العام، والحقيقة أن البريطانيون يريدون قادة يفضلون الوحدة على الانقسام، والتفاهم على التحيز.
خلال مسيرتي المهنية كمحامٍ، على مدى 20 عامًا، قمت بتمثيل العديد من الوكلاء، ابتداء من شخصيات بارزة تسعى إلى حماية سمعتها إلى دعاوى ضحايا جرائم الحرب الذين يسعون إلى تحقيق العدالة، وكان القاسم المشترك الذي يربطهم جميعاً هو إيمانهم بمبادئ العدالة وحقوق الإنسان وسيادة القانون، وهو إيمان علينا جميعاً التمسك به الآن أكثر من أي وقت مضى، وإلا فسوف نسقط جميعاً إذا انقسمنا.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)