بقلم أندرياس كريغ
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
تمثل الحرب في السودان نزاعا متعدد الأقطاب في عالم متعدد الأقطاب خلال القرن الحادي والعشرين، حيث أصبح العديد من أصحاب النفوذ في البلاد وعلى رأسهم الجنرالان المتحاربان عبد الفتاح البرهان الذي يقود الجيش السوداني ومحمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي قائد قوات الدعم السريع مجرد بيادق في منافسة أوسع لممارسة النفوذ في القرن الأفريقي ذي الأهمية الاستراتيجية.
ولا تمارس أي دولة هذه اللعبة بشكل أكثر احترافا من دولة الإمارات العربية المتحدة، التي قامت برعاية وتنظيم مجموعة متنوعة من الشبكات في جميع أنحاء المنطقة.
على الأرجح، ليس لدى أبو ظبي أي مصلحة في التصعيد الحالي الذي يزعزع استقرار السودان، لكن الإمارات باتت الآن عاجزة عن السيطرة على مجريات الأمور بعدما حاولت ممارسة تأثير يتجاوز بكثير وزنها الجغرافي الاستراتيجي.
ففي تحدٍ للقيود التقليدية لفن الحكم، قام فرع بني فاطمة من العائلة المالكة في أبو ظبي بتفويض هذا الفن بشكل مبتكر إلى بدائل مثل الأفراد والشركات والبنوك والتجار والميليشيات والمرتزقة.
وعلى الرغم من حضور الإمارات الرسمي في السودان من خلال وزاراتها المسؤولة عن السياسة الخارجية والأمنية، فإن الشبكات الغامضة التي تتصل جميعها على ما يبدو بالصدفة في أبو ظبي ودبي تزود بني فاطمة بمقابض السلطة الحقيقية على الأرض.
تسمح هذه الشبكات لأبو ظبي بربط الشركاء والمنافسين والجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية والقوى الصغيرة والكبيرة بالإمارات مما يرفع الدولة الخليجية إلى مركز لا غنى عنه يربط بين لاعبين إقليميين وعالميين غير متوقعين.
شبكة الاتصالات
وتكشف العلاقة مع أمير الحرب في السودان حميدتي على وجه التحديد عن شبكة من الروابط والأنشطة المتصلة بعضها ببعض وبأبو ظبي بشكل مباشر أو غير مباشر.
فالشبكة التي تغذي حميدتي هي مجموعة معقدة من رؤوس الأموال والأسلحة والذهب والمرتزقة أسستها أبو ظبي في أعقاب الربيع العربي.
تؤمن البنوك والشركات التي تتخذ من الإمارات مقراً لها التدفق النقدي لقوات الدعم السريع، لتحتم على من يريد إنهاء القتال في السودان الاتصال بالإمارات.
أصبح حميدتي عقدة مهمة في شبكات الإمارات في المنطقة منذ أن وفر آلاف المقاتلين للحرب التي تقودها السعودية والإمارات في اليمن، وتلقى أسلحة ورواتب لمرتزقته.
ويشير ظهور القنابل الحرارية، التي اشترتها الإمارات، في أيدي قوات الدعم السريع إلى أن أبو ظبي عززت بشكل مباشر قوة حميدتي القتالية على الأرض.
ما يجب رؤيته هو ما إذا كانت هذه الأسلحة قد تم تسليمها إلى حميدتي مباشرة من الإمارات، أو على الأرجح من خلال شبكة وكلائها في ليبيا.
إذ يبدو أن ما يعرف بشبكة “أبو ظبي إكسبرس” التي غذت الحرب الأهلية في ليبيا منذ عام 2019 عبر خليفة حفتر ومجموعة فاغنر المرتزقة الروسية توسع الآن انتشارها إلى السودان.
ارتبط حفتر وفاغنر بالإمارات، الحليف الاستراتيجي الأهم لروسيا في المنطقة، ووفقًا للمخابرات الأمريكية، فقد ساعد التمويل الإماراتي في تسهيل إنشاء مجموعة فاغنر لرأس جسر في شمال إفريقيا.
مسار دائري
فبمجرد أن بدأت فاغنر في التوسع جنوبا، دخلت مجموعة المرتزقة إلى الصناعات الاستخراجية، وأثرت نفسها بامتيازات الذهب المربحة في السودان.
وبرز حميدتي كمستفيد رئيسي من تجارة الذهب الغامضة التي تطلبت مركزًا لجلب الذهب إلى السوق والسماح لمجموعة فاغنر بالدفع مقابل عملياتها في القارة الأفريقية.
قدمت دبي، باعتبارها واحدة من مراكز تداول الذهب الرائدة في العالم، السبل اللازمة لتبادل هذا الذهب مقابل النقود.
ومرة أخرى، برزت الإمارات كمركز رئيسي يربط الجهات الفاعلة المحلية بالقوى العالمية، ويضمن حصول الحرب في أوكرانيا على الضخ النقدي اللازم.
علاوة على ذلك، سمحت الإمارات للشركات المرتبطة بفاغنر بإنشاء متاجر فيها، حيث فرضت وزارة الخزانة الأمريكية مؤخرًا عقوبات على شركة دعم لوجستي تنقل الأفراد والأسلحة والذهب عبر إفريقيا، لكن أبو ظبي ظلت تتمسك بالإنكار.
تنشط الشبكات التي قامت الإمارات العربية المتحدة برعايتها في المنطقة الآن بطريقة عضوية إلى حد ما، حيث يتعين على أبو ظبي فقط تسهيل تدفقات رأس المال ودعم البنية التحتية.
وتبدو دوامة العمل هذه جيدة التجهيز، حيث تحتفظ العقد في الشبكة بالاستقلالية لتعزيز أجنداتها الخاصة.
فبينما أرسل حميدتي 1000 مقاتل من قوات الدعم السريع إلى ليبيا عام 2019، يرسل حفتر الآن مساعدة رمزية لرفيقه المعارض للثورة في السودان.
بالعين المجردة، يبدو التسلسل الهيكلي في هذه الشبكات فوضويا إلى حد ما، ولا يتحكم فيه أي لاعب، بينما تتخذ الإمارات دور المحور الذي يفتح ويغلق بعض الصمامات الرئيسية، مما يجعلها جهة فاعلة لا غنى عنها يمكنها ممارسة النفوذ.
وبعد التسامح الضمني معها لسنوات، يوجه الدبلوماسيون الغربيون اليوم أصابع الاتهام إلى الإمارات لتنفيذ حكمها المتمحور حول الشبكة لمساعدة أمراء الحرب ومحاباة روسيا والترويج للارتزاق.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)