بقلم ماركو كارنيلوس
ترجمة وتحرير مريم الحمد
بعد مرور 10 أشهر على اندلاع الحرب على غزة، أطلق الزعماء الأوروبيون سيلاً مرعباً من التصريحات المتلاحقة التي تعكس تنافراً مزعجاً وتحيزاً فاضحاً، فباتوا مثل أسطوانة مكسورة، يكررون باستمرار شعار “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها”، خاصة عندما يضطرون إلى انتقاد تجاوزات إسرائيل التي تسببت حتى الآن في مقتل أكثر من 40 ألف شخص في قطاع غزة!
حتى في بياناتهم التي تشير إلى سقوط ضحايا من المدنيين الفلسطينيين، تأتي الجملة الأولى المعتادة على النحو الآتي: “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها”، وفي ذلك رسالة واضحة لا لبس فيها، وهي أن حق إسرائيل يأتي أولاً وكل شيء آخر ثانوي.
من الصعب التصديق بأنه وعلى مدى 10 أشهر، لم يطلع صناع القرار في أوروبا على الحقائق القانونية لما حدث في غزة والضفة الغربية قبل وبعد 7 أكتوبر، فلو تلقوا إحاطة حقيقية لعلموا أنه لا يوجد حق لإسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد عنف نشأ كردة فعل لوجودها كقوة احتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة.
قامت الحكومة الإسرائيلية مراراً وتكراراً بتخريب أي مقترحات للتوصل إلى وقف لإطلاق النار وتأمين إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، حيث فعلت ذلك من خلال القصف الممنهج للمدارس والمستشفيات ومنشآت الأمم المتحدة، ومن خلال قتل الرئيس السياسي للكيان الذي من المفترض أن تتفاوض معه على الأراضي الإيرانية
لقد بدأ هذا الوضع في 6 يونيو عام 1967 ولم يتوقف منذ ذلك الحين، ولا حتى عندما انسحبت إسرائيل من غزة في عام 2005، فلا تزال إسرائيل تسيطر على جميع المداخل الجوية والبرية والبحرية للقطاع، إلى جانب إمدادات المياه والكهرباء والغذاء.
إذا أردنا النظر للأمر من ناحية القانون والحقوق، فإن حرمان الفلسطينيين من حقهم في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي يعادل، من الناحية التاريخية، حرمان الثوار الفرنسيين من حق مقاومة الغزاة الألمان خلال الحرب العالمية الثانية.
أما إذا أردنا إجراء مقارنة معاصرة، فسوف يكون الأمر بمثابة حرمان القوات الأوكرانية من حق مقاومة الغزو الروسي بمهاجمة الأراضي الروسية كما يحدث حالياً في منطقة كورسك، حيث يؤيد الزعماء الأوروبيون على حق أوكرانيا في مقاومة الاحتلال الروسي من خلال نقل الحرب إلى روسيا، إلا أن هذا في أذهانهم لا يشمل حق فلسطين وسكانها!
ورطة كبيرة
بطبيعة الحال، فإن مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ينبغي أن تنطوي على المواثيق الدولية المتعلقة بالصراع المسلح، ولهذا السبب بالتحديد، واجه زعيم حماس في غزة يحيى السنوار، ورئيس كتائب القسام محمد الضيف، ورئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية، لائحة اتهام من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
ليس من المستغرب أن تكون “العدالة” الإسرائيلية أسرع حسماً من عدالة المحكمة الجنائية الدولية، وذلك مع مقتل هنية في غارة إسرائيلية على طهران في 31 يوليو، وادعاء إسرائيل قتل الضيف في غارة جوية في جنوب قطاع غزة يوم 13 يوليو.
إذا كان هذا هو مفهوم النظام العالمي القائم على القواعد الذي يعتز به الزعماء الأوروبيون، فإنهم هم ونحن جميعاً في ورطة عميقة، ويمكن أن نتمثل ذلك في مثال البيان المشترك الصادر عن المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا في 12 أغسطس حول الوضع في الشرق الأوسط.
جاء في البيان: “ندعو إيران وحلفائها إلى الامتناع عن الهجمات التي من شأنها أن تزيد من تصعيد التوترات الإقليمية وتعريض فرصة الاتفاق على وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن للخطر، وبذلك سوف يتحملون المسؤولية عن الأعمال التي تهدد هذه الفرصة للسلام والاستقرار، كما لن تستفيد أي دولة من أي تصعيد إضافي في الشرق الأوسط”.
لك أن تتخيل أنه في بيان من 10 جمل مخصص لضرورة تجنب التصعيد في الشرق الأوسط، لم يذكروا إسرائيل ولا مرة واحدة!
في الوقت نفسه، قامت الحكومة الإسرائيلية مراراً وتكراراً بتخريب أي مقترحات للتوصل إلى وقف لإطلاق النار وتأمين إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، حيث فعلت ذلك من خلال القصف الممنهج للمدارس والمستشفيات ومنشآت الأمم المتحدة، ومن خلال قتل الرئيس السياسي للكيان الذي من المفترض أن تتفاوض معه على الأراضي الإيرانية.
هل تصور الزعماء الأوروبيون حقاً أنهم قادرون على إقناع إيران وحلفائها، حماس وحزب الله، بتجنب القيام بأي عمل انتقامي من خلال تصريحاتهم المتحيزة الكاذبة والمنفصلة عن الواقع؟ ومن خلال فشلهم في ترسيخ الحد الأدنى من العدالة بالاعتراف بأن تصعيد الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو للصراع هو شكل ممنهج على مدى 10 أشهر، تسبب في إهدار فرصة ذهبية تلو الأخرى لوقف إطلاق النار؟!
“كتاب كفاحي لكن بالمعكوس”
من المهم بمكان برأيي أن يحاول مساعدو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتز ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، لفت نظر قادتهم إلى المقابلة التي نشرت مؤخراً مع وزير الدفاع الإسرائيلي السابق موشيه يعالون.
هؤلاء هم صناع القرار الإسرائيليون الذين يقال أنهم يبتزون نتنياهو، وهم ذات الأشخاص الذين يتجاهلهم أو يتسامح معهم ماكرون وشولتز وستارمر، وبالطبع رئيس الولايات المتحدة جو بايدن!
لا يمكن اعتبار يعالون حمامة في المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، ففي الواقع، كان يُنظر إليه في بعض الأحيان على أنه من الصقور، ومع ذلك، فقد وجه تحذيراً حول الانجراف الإسرائيلي المرعب نحو مفهوم التفوق اليهودي، والذي وصفه بأنه كتاب “كفاحي ولكن بالمعكوس”.
في المقابلة، قال يعلون: “عندما تتحدث عن الوزيرين الإسرائيليين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، فإن لديهما حاخاماً اسمه دوف ليئور، وهو حاخام الحركة السرية اليهودية الذي كان ينوي تفجير قبة الصخرة وقبل ذلك الحافلات في القدس، لماذا؟ من أجل تسريع ’الحرب الأخيرة”.
وأضاف: “هل تسمعهم يتحدثون عن الحرب الأخيرة أو عن مفهوم سموتريتش عن الاستعباد؟ اقرأ المقال الذي نشره فيشيلوه عام 2017. أولاً وقبل كل شيء، هذا المفهوم يعتمد على التفوق اليهودي وكأنه كتاب كفاحي ولكن بالمعكوس، يمكنني القول أن بدني يقشعر عندما أقول ذلك، فقد تعلمت وترعرعت في منزل ناجين من المحرقة ولن يحدث ذلك مرة أخرى أبداً، فالقصة اليوم هي كتاب كفاحي ولكن بالمعكوس، فهي رواية التفوق اليهود”.
وعن العقلية التي تحكم هؤلاء المتطرفين، قال يعلون: ” يقول سموترتش زوجتي لن تدخل غرفة مع عربي، وذلك لأنه متأصل في الأيديولوجيا، وما يطمح إليه في الواقع هو خوض حرب كبيرة، أقرب لحرب يأجوج ومأجوج، وكيف من الممكن أن تبدأ النيران؟ بمذبحة مثل مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994؟ فباروخ غولدشتاين هو تلميذ لهذا الحاخام وبن غفير علق صورة غولدشتاين في منزله، وهذا ما يؤثر في عملية صنع القرار داخل الحكومة الإسرائيلية”.
هؤلاء هم صناع القرار الإسرائيليون الذين يقال أنهم يبتزون نتنياهو، وهم ذات الأشخاص الذين يتجاهلهم أو يتسامح معهم ماكرون وشولتز وستارمر، وبالطبع رئيس الولايات المتحدة جو بايدن!
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)