السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك وسط تصاعد المخاوف الخليجية

وقعت السعودية، يوم الأربعاء، اتفاقية دفاع مشترك مع باكستان النووية، في خطوة وُصفت بأنها تحمل رسائل إستراتيجية، وسط تنامي المخاوف في الخليج من تراجع التزام الولايات المتحدة بكبح جماح إسرائيل.

وقالت باكستان إن الاتفاقية “تعكس التزام البلدين المشترك بتعزيز أمنهما وبناء السلام والاستقرار في المنطقة”، موضحة أن “أي اعتداء على أي من الطرفين سيُعتبر اعتداءً على كليهما”.

وعندما سُئل مسؤول سعودي رفيع من قبل وكالة رويترز عمّا إذا كان الاتفاق يضع المملكة تحت المظلة النووية لباكستان، أجاب بالقول: “الاتفاقية دفاعية شاملة وتشمل جميع الوسائل العسكرية”.

علاقات عسكرية ممتدة

تربط الرياض وإسلام آباد علاقات عسكرية وثيقة منذ عقود. ونقلت صحيفة فايننشال تايمز عن مسؤول سعودي قوله إن الاتفاقية كانت قيد النقاش منذ عامين أو ثلاثة أعوام، إلا أن توقيعها الآن يأتي بعد صدمة الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق على قطر الأسبوع الماضي، والذي كشف موقع ميدل إيست آي أنه تم بموافقة مسبقة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهو ما أكدته لاحقًا تقارير من موقع أكسيوس.

تستضيف قطر والسعودية والإمارات قواعد عسكرية أميركية، أبرزها قاعدة العديد في الدوحة، وهي الأكبر للولايات المتحدة في المنطقة. ولطالما اعتمدت دول الخليج على الضمانات الأمنية الأميركية، لكنها تابعت بقلق تساهل واشنطن مع الضربات الإسرائيلية المتكررة في سوريا ولبنان وإيران. غير أن قلة من المسؤولين توقعوا أن يمتد العدوان ليطال قطر، الحليف غير العضو في “الناتو” والذي يقوم بدور الوسيط بين حماس وإسرائيل.

وقال تيد سينغر، الرئيس السابق لعمليات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في الشرق الأوسط، لموقع ميدل إيست آي: “هذا التطور قد تكون له تداعيات عميقة على كيفية نظر الدول الإقليمية إلى الضمانات الأمنية الأميركية”.

توقيع في الرياض

جرت مراسم التوقيع في الرياض بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، كما حضر رئيس أركان الجيش الباكستاني المارشال عاصم منير، الذي يتمتع الجيش تحت قيادته بنفوذ واسع في البلاد.

ويرى محللون أن الاتفاقية قد تُحدث تحولات إقليمية عميقة، إذ ترتبط باكستان بعلاقات عسكرية واقتصادية وثيقة مع الصين، لكنها في الوقت ذاته تسعى للحفاظ على قنوات اتصال مع إدارة ترامب، وهو ما عكسته زيارة منير إلى البيت الأبيض في وقت سابق من هذا العام.

أبعاد إستراتيجية

شهدت العلاقات بين واشنطن وإسلام آباد فتورًا بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان وصعود نفوذ بكين، في حين تربط الرياض علاقات متنامية بالهند، الخصم التقليدي لباكستان. وقد شهدت نيودلهي وإسلام آباد مواجهة جوية دامية في مايو/أيار الماضي كادت أن تجرّ البلدين إلى حافة صراع نووي.

وسيُنظر في واشنطن بعين الاهتمام إلى تقارب السعودية مع باكستان. فقد أدانت إسلام آباد بشدة “الإبادة الجماعية” الإسرائيلية في غزة، ونددت كذلك بالهجوم الإسرائيلي على إيران في يونيو/حزيران. ويرى محللون أن باكستان انزعجت من الضربات الأميركية والإسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية، وما قد تمثله من تهديد مباشر لحدودها الغربية.

وتبقى باكستان الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك سلاحًا نوويًا، وتعتبره وسيلة دفاعية بحتة، لكنها لا تتبنى مبدأ “عدم الاستخدام الأول”، فيما يُعتقد على نطاق واسع أن إسرائيل تمتلك ترسانة نووية ضخمة.

ضغوط أميركية ورفض سعودي

تأتي هذه الخطوة بعد رفض الرياض لمقترح أميركي بربط أي اتفاقية دفاعية معها بصفقة لبيع التكنولوجيا النووية المدنية مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وبحسب ميدل إيست آي، فقد واجهت السعودية الضغوط الأميركية بقوة قبل زيارة ترامب للمنطقة في مايو/أيار الماضي.

وكان ولي العهد السعودي قد وصف حرب إسرائيل على غزة بأنها “إبادة جماعية”. ورغم العلاقات الأمنية الوثيقة مع واشنطن وصلاته القوية بالرئيس ترامب، فإن الرياض أظهرت استعدادًا للتصدي للابتزاز السياسي.

وفي مايو/أيار، نسب ترامب الفضل إلى الأمير محمد بن سلمان في إقناعه برفع العقوبات عن سوريا، كما نجحت الرياض في الضغط على واشنطن لوقف هجماتها على الحوثيين في اليمن. وخلال الزيارة نفسها، تعهدت المملكة باستثمارات تتجاوز 600 مليار دولار في الولايات المتحدة.

مقالات ذات صلة