بقلم سامي العريان
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
خلال الأسابيع التي سبقت هجوم المقاومة الفلسطينية في السابع أكتوبر، كان الفلسطينيون حول العالم يحيون الذكرى الثلاثين لاتفاقيات أوسلو الفاشلة ويحللون دور السلطة الفلسطينية في الحفاظ على “إطار السلام” الزائف هذا.
كان الدعم للسلطة الفلسطينية آخذ في التضاؤل منذ فترة طويلة، لكنه انخفض بشكل كبير عقب السابع من تشرين الأول / أكتوبر، حيث دعا 92% من الفلسطينيين في الضفة الغربية، وفقاً لاستطلاع للرأي أجري مؤخراً، إلى استقالة عباس الذي يترأس إدارة يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها فاسدة واستبدادية وغير فعالة”.
لقد فقدت السلطة الفلسطينية مكانتها في مجتمع أصبح ينتقد بشكل متزايد دورها في قمع الفلسطينيين.
و في ظل هوس الإدارة الأمريكية بتدمير جميع حركات المقاومة الفلسطينية، فإن الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، إلى جانب الاتحاد الأوروبي، جلهم يحاولون إنعاش السلطة الفلسطينية وإعادتها للحياة، على الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفض الفكرة، في محاولته اليائسة والوحشية لخلق نكبة جديدة من خلال حرب الإبادة الجماعية التي يشنها على غزة.
“تسوية تاريخية عميقة”
بعد توقيع اتفاقيات أوسلو في أيلول/ سبتمبر 1993 بين رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحق رابين وياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، تم استبدال منظمة التحرير الفلسطينية فعليًا بالسلطة الفلسطينية باعتبارها الهيئة السياسية التي تفاوض على مستقبل فلسطين والقضية الفلسطينية.
ومنذ إنشائها عام 1948، تجاهلت إسرائيل محنة الفلسطينيين وتعاملت معهم ببساطة باعتبارهم سبباً للمشاكل الأمنية أو الديموغرافية بدلاً من البحث عن تسوية سياسية مستدامة.
ولعقود من الزمن، رفضت إسرائيل الاعتراف بأي حقوق سياسية أو قانونية للفلسطينيين، وتجاهلت العشرات من القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والجمعية العامة حول حقوقهم.
وحتى عندما اعترف عرفات عام 1993 بدولة إسرائيل المقامة على 78% من أراضي فلسطين التاريخية، فإن كل ما قدمته الأخيرة في المقابل هو الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطيني دون أي إشارة إلى حقوق الفلسطينيين.
لقد استندت عملية أوسلو إلى التسوية التاريخية العميقة، والمعروفة باسم “حل الدولتين” أي دولة إسرائيلية واحدة على 78% من الأراضي المحتلة عام 1948، ودولة فلسطينية مجزأة في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية التي احتلت عام 1967.
لكن ما يفتقده هذا الإطار هو الالتزام الحقيقي من جانب إسرائيل بتحقيق هذا الهدف، وحتى قبل اغتيال رابين عام 1995 على يد متطرف إسرائيلي، لم تتنازل إسرائيل قط عن أي أساس فيما يتعلق بالقضايا الرئيسية التي تفصل بين الطرفين.
وبمجرد تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994، منحت عملية أوسلو الطرفين خمس سنوات كحد أقصى للتفاوض على قضايا “الوضع النهائي”، التي تشمل بالعموم الحدود والمستوطنات الإسرائيلية وعودة اللاجئين الفلسطينيين ووضع القدس والسيادة أو إعلان دولة فلسطينية مستقلة.
وعندما وصل بنيامين نتنياهو، الذي كان معارضاً تماماً لأوسلو، إلى رئاسة الوزراء في ولايته الأولى عام 1996، بذل كل ما في وسعه للتعتيم على هذه العملية، وبحلول عام 1999، وعلى الرغم من التزام إسرائيل باتفاق مؤقت، إلا أنها أخرت أو ألغت اتفاقياتها، مثل المزيد من الانسحابات من الأراضي الفلسطينية أو إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين.
وأصبح من الواضح أيضًا أنه كان من المقرر إلقاء اللوم على عرفات بالفشل في التوصل إلى تسوية سياسية عندما انضم إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك والرئيس الأمريكي بيل كلينتون في صيف عام 2000 في كامب ديفيد، حيث تواطأ الرئيس الأمريكي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي حول تحميله المسؤولية.
وعلى مدار ثلاثة عقود، لم تكن أي من الإدارات الأمريكية جادة في دفع الإسرائيليين إلى الرد بالمثل على عرض التسوية التاريخية الذي قدمته منظمة التحرير الفلسطينية أو تحقيق الهدف النهائي المتمثل في أوسلو، ومع مرور كل عام، أصبح احتمال حل الدولتين مجرد وهم أكثر من كونه حلاً.
ومنذ توقيع اتفاق أوسلو، زاد عدد المستوطنين الإسرائيليين أكثر من ستة أضعاف، من 116 ألف مستوطن عام 1993 إلى نحو 750 ألف مستوطن اليوم، بحسب الأمم المتحدة.
أما بالنسبة لقضايا الوضع النهائي الأخرى، فقد أعلنت إسرائيل، خاصة منذ عام 2009 عندما عاد نتنياهو إلى السلطة، معارضتها للانسحاب من غور الأردن أو من أي من المستوطنات التي تحيط بمعظم المدن الفلسطينية، كما رفضت التنازل عن أي سيادة في القدس أو السماح بعودة عدد كبير من اللاجئين إلى فلسطين أو حتى السماح بنشوء دولة فلسطينية ذات سيادة.
كما رفضت إسرائيل إطلاق سراح أي من الأسرى الفلسطينيين وفقاً لما نصت اتفاقيات أوسلو، بل قامت بدلاً من ذلك باحتجاز آلاف آخرين بشكل تعسفي، بموجب إجراءات إدارية دون توجيه أي اتهامات لهم على الإطلاق، أما بالنسبة للقدس، فقد أصبحت اقتحامات المستوطنين الإسرائيليين للأماكن المقدسة الإسلامية في الآونة الأخيرة طقوساً شبه يومية.
“تراجع الدعم”
وبعدما توفي عرفات أثناء الحصار في أواخر عام 2004، عملت إسرائيل على تسهيل انتخاب محمود عباس ليصبح رئيساً جديداً للسلطة الفلسطينية في عام 2005، ولم تسمح بإجراء أي انتخابات منذ ذلك الحين، حيث كان متعاوناً للغاية مع سياستها في إدارة احتلالها العسكري.
وبالفعل، منذ أن أصبح رئيساً للسلطة الفلسطينية، بدأ عباس تحت ضغط الولايات المتحدة برنامجاً للتنسيق الأمني مع إسرائيل.
ولم يكن ذلك شرطاً لضمان بقائه فحسب، بل كان أيضاً وسيلة أكيدة لكسب ود الولايات المتحدة التي قامت منذ ذلك الحين بتمويل قواته الأمنية.
ويبلغ عديد هذه القوات الآن نحو 70 ألف عنصر في الضفة الغربية المحتلة، تتمثل مهمتهم الأساسية في حماية إسرائيل من أي شكل من أشكال المقاومة وضمان الاستقرار وإحكام السيطرة على الفلسطينيين في البؤر السكانية الرئيسية التي تشكل حوالي 18% من إجمالي مساحة الضفة الغربية.
ومع تراجع الدعم للسلطة الفلسطينية وسط حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على غزة، لم يتمكن حسين الشيخ الأمين العام لمنظمة التحرير الفلسطينية من الإشارة إلا إلى نتيجة إيجابية واحدة لعملية أوسلو الفاشلة، حيث قال في 17 كانون الأول/ ديسمبر إن الفائدة الرئيسية من اتفاق أوسلو هي أنه “أدى إلى إعادة مليوني لاجئ إلى الضفة الغربية وقطاع غزة من البلدان التي فروا إليها خلال حربي 1948 و1967 مع إسرائيل”.
بصفته وزيراً للشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية ومسؤول الاتصال الرئيسي بين السلطة الفلسطينية والإدارة العسكرية الإسرائيلية، وهي قوة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، يعتبر العديد من الخبراء الشيخ خليفة عباس المُعيّن، بينما يعتبره العديد من الفلسطينيين أيضًا المتعاون الرئيسي مع الاحتلال.
وفي عام 2018، أجريت حواراً ساخنًا حول عملية السلام مع محمد اشتية، رئيس وزراء السلطة الفلسطينية منذ عام 2019، الذي قال أيضاً إن اتفاقات أوسلو والسلطة الفلسطينية نجحتا في إعادة مليوني فلسطيني من المنفى إلى الضفة الغربية وغزة المحتلتين.
كما يواصل عباس، رئيس السلطة الفلسطينية الحالي الذي انتهت فترة ولايته في عام 2010، تكرار ذات الرقم في اللقاءات الجماهيرية، وقد تم استخدام هذه الحجة المغلوطة أيضًا من قبل مسؤولي السلطة الفلسطينية ومؤيديها على وسائل التواصل الاجتماعي.
والسؤال هو: ما مدى صحة هذا الرقم، وهل يروج مسؤولو السلطة الفلسطينية الأكاذيب؟
مطالبات احتيالية
إن هذا الرقم في الواقع هو رقم وهمي، وقد ظل مسؤولو السلطة الفلسطينية يروجون لهذه الكذبة لتبرير سياساتهم الفاشلة وإثبات صوابية قبضتهم الضعيفة على السلطة.
ففي عام 1994، بلغ عدد الفلسطينيين في غزة نحو 731 ألفاً، وفي الضفة الغربية نحو 1,444,000، ووفقاً للمكتب المرجعي للسكان، بلغ معدل الزيادة الطبيعية للسكان (مع الأخذ في الاعتبار المواليد والوفيات السنوية) 3.9% في غزة و3.2% في الضفة الغربية.
منذ أوسلو، انخفض عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية بمقدار نصف مليون تقريبًا، ولم يرتفع بمقدار مليوني شخص كما روج له مسؤولو السلطة الفلسطينية
وبمعدل 3.9%، فإن حاسبة النمو السكاني تقدر عدد سكان غزة اليوم بنحو 2.3 مليون نسمة، وهو ما عليه الحال بالفعل الآن في عام 2023.
وفي الضفة الغربية، وبمعدل نمو قدره 3.2%، ستقدر الآلة الحاسبة عدد نمو السكان بنحو 3.7 مليون نسمة في عام 2023، على عكس عدد السكان الفعلي للضفة الغربية اليوم، وهو 3.2 مليون نسمة.
وبعبارة أخرى، منذ أوسلو، انخفض عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية بنحو نصف مليون (لم يرتفع بمقدار مليوني شخص كما روج له مسؤولو السلطة الفلسطينية)، وربما يعود ذلك إلى الصعوبات التي يواجهها العديد من الفلسطينيين في الضفة الغربية، والسياسات الإسرائيلية العنصرية التي تطبقها هناك، خاصة بعد وصول نتنياهو وحكوماته المتطرفة المتعاقبة إلى السلطة عام 2009.
ومع ذلك، يبقى السؤال حول عدد الذين عادوا بالفعل إلى غزة والضفة الغربية منذ إنشاء السلطة الفلسطينية في عام 1994.
ديانا بوتو، مؤلفة كتاب “حياة متصدعة: القيود المفروضة على حقوق الإقامة ولم شمل الأسرة في فلسطين المحتلة”، الذي نشره المجلس النرويجي للاجئين في عام 2015، وثقت جميع القيود المفروضة على عودة الفلسطينيين، ففي البداية، في عام 1994، سمحت إسرائيل لحصة قدرها 1500 شخص فقط بالعودة إلى غزة والضفة الغربية سنويًا بموجب برنامج لم شمل العائلات المقيد للغاية.
وبعد العديد من الشكاوى من قبل السلطة الفلسطينية والضغوط من قبل الإدارة الأمريكية، تمت زيادة الحصة إلى 2400 سنوياً في عام 1999، ولكن خلال الانتفاضة الثانية في عام 2001، تم تعليق البرنامج إلى أجل غير مسمى، وفي عام 2007، عندما فر نحو 1200 من أنصار فتح إلى الضفة الغربية المحتلة بعد استيلاء حماس على السلطة في غزة، حصلوا على تصاريح إقامة مؤقتة، وليست دائمة، علاوة على ذلك، عندما أعيد انتخاب نتنياهو في عام 2009، تم تجميد لم شمل الأسر إلى أجل غير مسمى.
في بحثها، أجرت بوتو مقابلة مع حسين الشيخ في عام 2012، وأخبرها أنه بحلول ذلك الوقت، لم تسمح إسرائيل إلا لـ 31.830 فلسطينيًا منفيًا بالعودة إلى غزة والضفة الغربية، وذكر أيضًا أن هناك عشرات الآلاف من الطلبات التي لم تتم الموافقة عليها أو حتى الفصل فيها مطلقًا بينما كان التجميد لا يزال ساريًا.
انتهى التجميد لفترة وجيزة في أكتوبر 2021 عندما كان نتنياهو خارج السلطة وتمت الموافقة على عودة 442 شخصًا فقط، لكن تم استئناف التجميد بعد ثمانية أشهر مع قدوم حكومة نتنياهو الجديدة و إيتمار بن غفير و بتسلئيل سموتريش.
ولذلك، وبحسب الشيخ نفسه وجميع المعطيات المتوفرة، فقد تمت الموافقة على عودة أقل من 33 ألف شخص إلى الأراضي المحتلة من قبل السلطة العسكرية الإسرائيلية على مدى ثلاثة عقود، وهذا الرقم أكده أيضاً تقرير هيومن رايتس ووتش الصادر عام 2012، والذي ذكر أن عدد الطلبات التي تمت الموافقة عليها حتى عام 2009 لم يتجاوز 33 ألف طلب، ولم تتم الموافقة بعد ذلك على أي طلب.
وهذا أقل من 1.7% من الرقم الذي قدمه الشيخ واشتية وعباس ومسؤولون آخرون في السلطة الفلسطينية، وهذا ليس مجرد خطأ، بل هو توصيف خاطئ متعمد للحقائق، وحتى عند احتساب نصف مليون شخص فقدتهم الضفة الغربية على مدى 30 عاماً، فقد انخفض عدد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة بنسبة 10% منذ أوسلو.
إذا كان الانجاز الوحيد الذي استطاع أن يشيد به مسؤولو السلطة الفلسطينية فيما يتعلق بعملية أوسلو الكارثية قد تبين أنه احتيال، فمن من الفلسطينيين سيقبل بهم لقيادة نضالهم بعد ثلاثة عقود من الفشل والفساد؟
إن هذا كثير جداً ،الادعاء بعودة مليوني فلسطيني، وهو ليس بأكثر من دعاية وهمية، وكثير جداً بالنسبة لوهم الغرب المتمثل في فرض قادة غير شرعيين على الشعب الفلسطيني المقدام.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)