قبل بضعة أسابيع فقط، كانت العربات التي تجرها الحمير والخيول مشهدا نادرا في قطاع غزة، وكان بائعو المنتجات المختلفة يتجولون في الشوارع، التي تعج عادة بالسيارات، بحثًا عن العملاء.
لكن وبعد أن نشر الجيش الإسرائيلي الدمار في جميع أنحاء غزة وشدد الحصار على المنطقة المحاصرة بالفعل، فإن النقص الحاد في الوقود جعل من المستحيل على الناس التنقل في أنحاء القطاع بسياراتهم، حيث وجد الناس أنفسهم فجأة مجبرين على الاعتماد على العربات التي تقودها الحيوانات كوسيلة نقل رئيسية.
قفي أحد شوارع دير البلح الأكثر ازدحاماً عادة، في وسط قطاع غزة، أصبح من النادر رؤية السيارات، حيث تظهر عشرات العربات التي تحمل السكان والنازحين بالمقابل.
منذ بداية حربها الموسعة على غزة، قامت إسرائيل بقطع إمدادات الوقود والغاز عن القطاع، مما جعل الغالبية العظمى من السيارات غير صالحة للاستخدام في الأسبوع السابع من الهجوم.
ويقول أبو محمد العزايزة، وهو صاحب عربة وحصان، “يوماً بعد يوم، ينفد الوقود لدى المزيد من أصحاب السيارات ولا يجدون أي وسيلة نقل أخرى، فهذه العربات أصبحت وسيلة مهمة لنا للتغلب على الوضع الحالي حيث تجرها الحيوانات، فهي لا تحتاج إلى وقود ولا غاز”.
وأضاف: “قبل الحرب، كنا نستخدم العربات فقط للتجول في الحي وبيع الخضار والفواكه وبعض المنتجات، أما اليوم، يحتاجها الناس كوسيلة للتنقل لأننا وصلنا إلى مرحلة لا تتوفر فيها سيارات الأجرة، ولا يستطيع أصحاب السيارات العثور على الوقود.”
يقول العزايزة وهو مواطن من وسط قطاع غزة يبلغ من العمر 34 عامًا، إنه حقق خلال الأسبوعين الماضيين أرباحًا أكبر من أرباح السنوات الأربع الماضية.
لكنه استدرك بالقول: “لست سعيداً بالربح، وإذا أتيح لي خيار التخلي عن كل الأموال التي جمعتها لوقف الحرب فسوف أختار التخلي عنها”.
وأشار العزايزة إلى أزمات الوقود السابقة الناجمة عن الحروب الإسرائيلية، خاصة في عامي 2009 و2014، وإغلاق الحدود، لكنه يقول إن الوضع نادراً ما وصل إلى ذلك الحد الذي غابت فيه السيارات تقريباً من الشوارع.
وقال: “أعتقد أن هذه المرة هي الأصعب لأنه مضى أكثر من 40 يوماً ولا أحد يعرف إلى متى سيستمر الوضع، ولا حتى قوات الاحتلال تعرف”.
عربات الأجرة
قبل الهجوم، كانت تعتبر العربات وسيلة نقل محلية لا يستخدمها إلا الفقراء والمهمشون، واليوم، أصبحت كافة شرائح المجتمع تعتمد عليها بشكل أساسي.
وقال العزايزة: “أخذت طبيباً إلى المستشفى على عربتي منذ أسبوعين، أخبرني أنه كان لديه سيارة وكان يستخدمها خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من الحرب، قبل أن ينفد الوقود تماماً ولم يعد متوفراً في أي مكان”.
وتابع: “لقد كان الطبيب يحتاج إلى التنقل بين المستشفى ومنزله كل يومين، لذلك لم يجد أي وسيلة أخرى سوى العربات”.
في حين أن سكان شمال قطاع غزة ومدينة غزة لا يستطيعون مغادرة منازلهم حيث تحاصر الدبابات الإسرائيلية الطرق الرئيسية والأكثر حيوية في المنطقة، فإن سكان وسط وجنوب قطاع غزة لا يزالون قادرين على التنقل بين المنطقتين، لكن تحت خطر كبير من أن يتم استهدافهم بالطائرات العسكرية أو الزوارق الحربية.
ويشهد السوق في دير البلح اكتظاظاً خلال النهار، خاصة من قبل النازحين الذين فروا من منازلهم في مدينة غزة دون ان يتمكنوا من إحضار ملابسهم أو بطانياتهم أو الطعام الذي قاموا بتخزينه في بداية العدوان.
و من أجل شراء الضروريات من السوق، يأتي الناس من مختلف مناطق وسط قطاع غزة بواسطة “عربات التاكسي”.
وقالت منى عكلوك، وهي نازحة من مدينة غزة، “لم أركب عربة في حياتي من قبل، لقد كانت فكرة التنقل بعربة يجرها حمار مضحكة في البداية، أما الآن فقد ركبت عربة التاكسي هذه عدة مرات منذ وصولنا إلى دير البلح”.
وتابعت: “لو لم نفعل ذلك لكان علينا أن نسير مسافات طويلة جداً لشراء الضروريات اليومية. منذ حوالي أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، لم يكن من الشائع أن نرى هذا العدد من العربات تجوب الشوارع كوسيلة للنقل، لذلك كنت قد اعتدت أن أسير حوالي خمس كيلومترات يومياً للوصول إلى سوق الخضار”.
“الوقود كسلاح حرب”
منذ الأسبوع الأول للعدوان الإسرائيلي، أغلقت جميع محطات الوقود في أنحاء قطاع غزة أبوابها، بعد أن حظرت إسرائيل دخول الوقود من مصر، وهددت باستهداف أي شاحنات وقود أو مساعدات تدخل القطاع عبر معبر رفح الحدودي دون موافقتها المسبقة.
وبالإضافة إلى التسبب في أزمة مواصلات وإعاقة عمل وكالات الإغاثة في القطاع المدمر، أدى حظر الوقود في النهاية إلى أزمة طالت جميع جوانب الحياة اليومية للسكان.
وبعد نفاد غاز الطهي، يعتمد غالبية السكان الآن على الفحم و الحطب لإشعال النار لأغراض الطهي.
وأضافت العكلوك، “لقد تغير كل شيء في حياتنا اليومية، فقد تركنا منازلنا وتركنا معها كل شيء طبيعي، يتوفر غاز الطبخ في منزلي في مدينة غزة، لكن من يستطيع العودة وإحضاره الآن؟ فالدبابات تطوق حيّنا.”
“لقد نسينا كم كانت حياتنا سهلة مقارنة بما نعيشه الآن، فبينما يعتبر العالم السيارات أمراً لا بد منه، لا نجد أي وسيلة نقل سوى العربات، وبدلاً من غاز الطهي، أصبحنا نطبخ الآن على الحطب والفحم”.
وكانت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (أونروا) قد أعلنت يوم الأربعاء، إنها تلقت 23027 لتراً من الوقود من مصر في ظل قيود مشددة فرضتها السلطات الإسرائيلية.
وقالت الأونروا إن الكمية ستستخدم فقط لنقل المساعدات من رفح إلى مناطق أخرى في غزة.
وأضافت الوكالة الأممية أن الكمية تمثل حوالي تسعة بالمئة فقط من احتياجاتها اليومية لمواصلة أنشطتها المنقذة للحياة في قطاع غزة، مشددة أن “استخدام الوقود كسلاح حرب يجب أن يتوقف فوراً”.