بقلم يحيى حامد
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
منذ فترة طويلة، حاولت الولايات المتحدة وشركاؤها الأيديولوجيون في الغرب إقناع سكان الجنوب العالمي والعرب والمسلمين منهم على وجه الخصوص، بأنهم يشتركون في مقاربة قائمة على القيم الأيديولوجية مقارنة بالقوى العالمية الطموحة الأخرى.
ومن المؤكد أن هذا هو الحال مع الشيوعية التي أعيد تشكيلها منذ انهيار الاتحاد السوفييتي في مواجهة روسيا الصاعدة والصين الناشئة.
وتتمحور حجة القيم عادة على الاستبداد مقابل الديمقراطية، مع تركيز الولايات المتحدة على قضايا مثل دعم روسيا لصربيا ضد البوسنة والحروب الشيشانية ومؤخراً دعم موسكو لنظام الأسد في سوريا.
في مواجهة الصين، تستعرض الولايات المتحدة طريقة معاملة الأويغور واضطهاد الصين الشيوعية للأديان بشكل عام والإسلام بشكل خاص.
أين ينبغي لتحالفاتنا أن تقف؟ ولماذا؟ لطالما كانت هذه التساؤلات مواضيع للنقاش الساخن.
خلقت الأيام المئة التي انقضت منذ أن شنت إسرائيل حرب الإبادة الجماعية على غزة منظوراً جديداً لهذه المسألة، الأمر الذي يدفعنا إلى إعادة تقييم تلك التحالفات من منظور واقعي.
وعلى الرغم من أن الكثير قد كُتب عن العدوان الوحشي على غزة والفلسطينيين، إلا أن تداعيات هذا العدوان الكاملة لم تخضع بعد لتقدير حقيقي، فنحن نعيش في عالم متصل، ولكن هذا الاتصال المتزايد لم يجعل الناس أقرب إلى بعضهم البعض.
بل إننا ندرك بشكل متزايد أن اهتمامات الناس تتباين تبعاً لاختلاف أماكن تواجدهم حول العالم، ورغم صدق البعض بتلك الاهتمامات ومنها أن يكون الانسان “مهتما بشعبه” إلا أن هناك آخرين أقل صدقاً من ذلك بكثير، أو ربما يكونون موهومين حقاً.
ويندرج في المعسكر الأخير أغلب دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة، التي تعلن التزامها بحقوق الإنسان والديمقراطية، في حين تعمل على تقويضهما في كل مكان خارج الحدود، بل وحتى في الداخل عندما يتعلق الأمر بالعرب والمسلمين والفلسطينيين.
انكشف هذا النفاق ملياً أمام العالم أجمع أثناء العدوان الإسرائيلي الهمجي على غزة، حيث شهد العرب والمسلمون، بل وقسم كبير من بلدان الجنوب العالمي ازدواجية هذا المعيار حيث بدأ كثيرون منهم العمل على إعادة ضبط رؤيتهم للنظام الدولي.
الدعاية الغربية
ومن الخطأ الاعتقاد بأن هذا النفاق يشكل حالة استثنائية تقتصر فقط على محنة الفلسطينيين، بل إن الشاذ واقعياً هو الدعم الغربي لحقوق الإنسان والديمقراطية في جميع أنحاء الجنوب العالمي، لكن الكثير منا كانوا مستهلكين متعطشين للدعاية الغربية لدرجة أننا نفاجأ بالتقاعس الغربي عن التحرك تجاه القتل الجماعي للعرب والمسلمين.
إذ يصعب تحديد الوقت الذي لم يكن فيه هذا الموقف الغربي سائداً، وهو الموقف المتمثل بالرغبة القاسية في رؤية دماء العرب والمسلمين تراق فيما يوضع من بقي على قيد الحياة منهم تحت نير الطغيان القمعي.
ويمكن للمرء أن يعود عقداً من الزمن إلى الوراء، إلى الدعم الضمني ثم الصريح من جانب الحكومات الأميركية والأوروبية للانقلاب العسكري ضد حكومة محمد مرسي المنتخبة ديمقراطياً في مصر، فبعد أن قتل الجيش المصري مئات المصريين بدم بارد، كافأ الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما الجنرال الذي أصدر أوامر القتل ببسط السجادة الحمراء له كما فعل العديد من القادة الغربيين الآخرين.
لكن هذا لم يكن المثال الأول من نوعه، فخلال العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، وصفت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس الهجوم بأنه ” آلام ولادة شرق أوسط جديد”، وبطبيعة الحال، كان هذا الشرق الأوسط الجديد غارقاً في الدم العربي.
وذات يوم من عام 1996، عندما سئلت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة الأخرى حول ما إذا كانت الوفيات المبلغ عنها لنصف مليون طفل عراقي ثمناً مقبولاً لتطبيق السياسة الأميركية في البلاد، أجابت: “المردود يستحق العناء”.
إن هذه الأصوات محفورة الآن في وعينا الجماعي، ولن ننسى أبدا أولئك المسؤولين عن البؤس
تمثل أولبرايت ورايس ووزير الخارجية الحالي أنتوني بلينكن نهجًا واحدًا مستمرًا وثابتًا تجاه الشرق الأوسط، والقيم الحقيقية للسياسة الخارجية الأمريكية تتمثل في أنه يجب أن يموت العرب أو أن يرزحوا تحت سيطرة الأنظمة التي تنفذ أوامر الولايات المتحدة.
واليوم، توفر الولايات المتحدة الأسلحة والتمويل والغطاء الدبلوماسي للعدوان الإسرائيلي على المدنيين الذين نزحوا تحت وقع الصدمة، وعلى الرغم من أن العالم الذي نعيش فيه متصلٌ فعلياً، فمن غير المرجح أن يشعر المواطن الأمريكي العادي بنفس عمق المشاعر التي يحس بها المواطن العربي العادي تجاه محنة الفلسطينيين.
فبينما يراقب الأميركيون الحوارات التي تجري في الكونغرس حول مزاعم مشكوك فيها عن معاداة السامية، يستمع العرب إلى أصوات الفلسطينيين دون مؤثرات، وبينما قد تختفي غزة بسرعة من ذاكرة الأميركيين، فسوف يمر وقت طويل قبل أن ينسى العرب الأم التي تبحث عن طفلها البالغ من العمر سبع سنوات، أو الطفلة التي تعرفت على والدتها القتيلة من شعرها، أو الأب الذي يبحث عن أطفاله الثلاثة، وهذه الأصوات محفورة الآن في وعينا الجماعي، ولن ننسى أبدا أولئك المسؤولين عن بؤسهم.
مضى الوقت الذي كانت فيه الجماهير العربية غير متأكدة بشأن من يمثل الوجه الحقيقي للسياسة الأمريكية، لكن هناك مقولة مفادها أنه عندما يصر أحدهم على محاولة إخبارك من هو، فينبغي لك أن تصدقه.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)