قامت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بتسريب تقرير قامت حكومة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بإخفائه قبل 9 تسع سنوات، يكشف تورط السلطات المصرية في القتل الجماعي لمئات المتظاهرين في 14 أغسطس عام 2013.
ويتهم التقرير قوات الأمن المصرية بـ “الاستخدام العشوائي وغير المتناسب للذخيرة الحية بعد استبعاد الحكومة للبدائل الأقل عنفاً لتفريق الاعتصام”، كما جاء في التقرير أن “أكبر عدد من ضحايا رابعة هم من المدنيين الأبرياء، أما الذين حملوا السلاح وروعوا المواطنين فقد تمكنوا من الفرار من ميدان رابعة”.
بالمختصر | أوراق رابعة.. لا بد لهذا الجرح أن يندمل pic.twitter.com/qMi36PtS0a
— شبكة رصد (@RassdNewsN) August 16, 2023
في 13 من أغسطس من عام 2013، تجمع عشرات الآلاف في ميدان رابعة العدوية في القاهرة، من أجل المطالبة بعودة الرئيس السابق محمد مرسي، الذي عزله وزير دفاعه والرئيس الحالي السيسي، من خلال انقلاب سبق الاعتصام بحوالي شهر ونصف.
لم تنشر اللجنة سوى ملخص من 57 صفحة تضمنت 7 صفحات عن فض اعتصام رابعة فقط، وفي منشور لاحق عام 2020، كتب رياض قبل وفاته أن التقرير “لا يزال مخفياً!
وفي المجزرة، قتل الجنود والضباط المصريون ما لا يقل عن 900 شخص أثناء تفريقهم بالقوة من مخيم الاحتجاج في الميدان في نهار 14 أغسطس عام 2013، وعلى الرغم من توثيق عمليات القتل بالكاميرات من خلال النشطاء والصحفيين والجماعات الحقوقية، إلا أن السلطات المصرية لم تحاسب أي شخص مسؤول عن قتل الضحايا حتى اليوم.
يذكر أن التقرير المسرب قد أوصى بإجراء تحقيق رسمي يتضمن شهادات الضحايا والمسؤولين بالإشارة إلى أنه “يجب إعادة فتح الملف من قبل لجنة مكونة من قضاة تحقيق يأمرون باستدعاء الشهود الذين شهدوا هذه الأحداث والمسؤولين، وذلك لتمكين الجمهور من معرفة الحقيقة والحفاظ على الوحدة الوطنية ومنع الانقسام السياسي من التحول إلى شقاق مجتمعي يهدد وحدة الدولة، كما أن الجروح التي عانى منها جميع الضحايا بحاجة إلى التئام “، وفقاً لما نقلته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
“استهزاء بالعدالة”
كان على رأس اللجنة القاضي الراحل فؤاد عبد المنعم رياض، الأكاديمي والقاضي الدولي السابق بمحكمة الجنايات الدولية، كما ضمت اللجنة القاضي اسكندر غطاس، مساعد وزير العدل السابق، والقاضي عمر مروان الذي يشغل حالياً منصب وزير العدل في مصر.
يذكر أن التقرير المسرب قد تم إعداده من قبل لجنة مكونة من كبار القضاة المصريين بعد أن كلفتهم الحكومة بإجراء تحقيق في الأحداث، ومع ذلك، لم يستمع القضاة للضحايا ولا لشهود العيان ولا للمسؤولين، فلم يشمل تفويض اللجنة، بموجب مرسوم أصدره الرئيس المؤقت عدلي منصور في ديسمبر 2013، استدعاء مسؤولين أو توجيه اتهامات أو إحالة الوقائع إلى المحاكمة!
بدلاً من ذلك، اعتمدت اللجنة على الأدلة المتاحة من مصادر ثانوية بالإضافة إلى المقابلات والتحليلات، ومع ذلك، يظل هو التقرير الرسمي الوحيد المتعلق بما حصل يوم فض الاعتصام في ميدان رابعة، الذي وصفته هيومن رايتس ووتش بأنه “أكبر عملية قتل جماعي في تاريخ مصر الحديث”.
يؤكد التقرير المسرب خلاصة ما توصل له القضاة رغم الادعاءات الحكومية، من أن إطلاق الذخيرة الحية كان عشوائياً وغير متناسب مع الحدث، حيث تساءل التقرير “هل حافظت قوة التشتيت على التناسب في إطلاق النار من حيث نوع السلاح ، وشدة النيران، ونتائج تفريق التجمع ، بما في ذلك القتلى والجرحى، وتدمير الممتلكات العامة والخاصة؟”
قضت لجنة تقصي الحقائق عاماً كاملاً في توثيق أعمال العنف التي وقعت منذ احتجاجات 30 يونيو ضد مرسي، وانقلاب 3 يوليو الذي قاده السيسي، وزير الدفاع آنذاك، والقمع العنيف للاحتجاجات المناهضة للسيسي بعد الإطاحة بمرسي.
يذكر أن رياض وأعضاء لجنته التقوا بالسيسي في 23 نوفمبر عام 2014، من أجل تقديم النسخة النهائية للتقرير، ولكن لم يتم نشره رسمياً، وبعد 3 أيام من ذلك اللقاء، عقدت اللجنة مؤتمراً صحفياً للإعلان عن نتائج التقرير، الذي احتوى على 766 صفحة، بالإضافة إلى 11 ألف صفحة من الملاحق والمرفقات والمستندات، كما تم إرفاقه بصور وفيديوهات وأدلة على أقراص مدمجة.
رغم ذلك، لم تنشر اللجنة سوى ملخص من 57 صفحة تضمنت 7 صفحات عن فض اعتصام رابعة فقط، وفي منشور لاحق عام 2020، كتب رياض قبل وفاته أن التقرير “لا يزال مخفياً!
المفارقة، أن الملخص، على عكس التقرير الكامل، يطابق النسخة الرسمية من رواية الحكومة للأحداث، بل واستخدمت كأساس لملاحقة 739 متظاهراً بحجج جنائية، وهو أمر وصفته منظمة العفو الدولية بـ “المشين” وبأنه “استهزاء بالعدالة”!
فض اعتصام دموي
وصفت الرواية الرسمية الاعتصام بأنه “تجمع مسلح” وزعمت أن قوات الأمن منحت المتظاهرين وقتاً للمغادرة طواعية عبر ممر آمن مخصص لذلك، كما ادعى التقرير الحكومي أن المشاركين في الاعتصام أطلقوا الرصاص الحي على القوات، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، فـ”اضطرت” القوات الأمنية إلى الرد “بالشكل المناسب” أي الذخيرة الحية، كما أن قوات الأمن كانت قد عثرت على 51 قطعة سلاح ناري وكمية من الذخيرة في الاعتصام!
وتضمن التقرير المسرب أيضاً خطة فض رابعة الرسمية التي لم تُنشر من قبل، فقد تضمنت الخطة، التي قدمتها وزارة الداخلية، 10 سيناريوهات متوقعة، بما في ذلك احتمال إطلاق ذخيرة حية ضد قوات الأمن أو استخدام النساء والأطفال والمتظاهرين السلميين “كدروع بشرية”، ولكن في الرواية المعلنة، زعمت قوات الأمن أنها فوجئت باستخدام الذخيرة الحية ضدهم!
ويؤكد التقرير المسرب خلاصة ما توصل له القضاة رغم الادعاءات الحكومية، من أن إطلاق الذخيرة الحية كان عشوائياً وغير متناسب مع الحدث، حيث تساءل التقرير “هل حافظت قوة التشتيت على التناسب في إطلاق النار من حيث نوع السلاح ، وشدة النيران، ونتائج تفريق التجمع ، بما في ذلك القتلى والجرحى، وتدمير الممتلكات العامة والخاصة؟”.
أشار التقرير المسرب أيضاً إلى أنه يتعين فحص عدد من المعايير الفنية من أجل تقييم ما إذا كانت القوات الأمنية قد استخدمت القوة المفرطة، بما يتناسب مع عدد الضحايا وعدد المسلحين وعدد القوات الأمنية ونوعية أسلحتها والتوقيت والاكتظاظ ومدة الإنذار وغيرها من العوامل.
في نهاية التحليل، خلص التقرير إلى أنه “حتى لو كان هناك سبب مشروع لتفريق الاعتصام، فإنه يتوجب على وكالات إنفاذ القانون استخدام الأسلحة النارية بشكل متناسب مع المعايير الفنية للحدث، ولكنها فشلت في تقدير عدد الضحايا عن الرد على نيران العناصر المسلحة”، وأضافت ” ما من شك في أنه كان من الممكن إنهاء مسيرة رابعة دون إراقة كل هذه الدماء”.
يذكر أن هيومن رايتس ووتش وصفت ما حصل من قتل في ميدان رابعة والنهضة بأنه “جرائم محتملة ضد الإنسانية”، وبموجب القانون الدولي، يمكن أن يواجه مرتكبو هذه الجرائم المحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية إذا أخفق النظام المحلي في تقديمهم للعدالة، إلا أن مصر ليست طرفاً في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ولم تقدم إعلاناً خاصاً بالموافقة على ممارسة المحكمة للولاية القضائية في هذه القضية.
في هذه الحالة، يمكن إحالة المشتبه بهم إلى المحكمة الدولية من خلال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أو يمكن أن يتعرضوا للمحاكمة في بلدان أخرى باستخدام الولاية القضائية العالمية، ومع ذلك لم ينجح المحامون بعد في محاولاتهم لملاحقة كبار أعضاء حكومة ما بعد الانقلاب على المستوى الدولي.