بقلم فيصل دروس
ترجمة وتحرير مريم الحمد
خلال عقد من الزمن، كان عبد الاحد كلما سمع أذان صلاة العشاء يتجه مباشرة إلى الصف الأمامي في مسجد الحي، فهو يرى أن الصلاة في الصف الأول عمل عظيم الأجر في الإسلام، كما أن أداء صلاة الجماعة في مثل هذا المكان خلال شهر رمضان المبارك أعظم عند الله.
أما هذا العام، فيقول الشاب، البالغ من العمر 27 عامًا، أن روتين صلاته قد تغير بشكل جذري، ولكن ليس بسبب تراجع إيمانه، وإنما بسبب الحرب في غزة، حيث يشعر عبد الأحد، مثل العديد من الشباب المغاربة، بالغضب الشديد بسبب إحجام بلاده عن إدانة الهجوم الإسرائيلي على غزة.
“الصمت المطبق حول الحرب وما نتج عنها من مداهمات للمسجد الأقصى، أدى إلى ابتعاد الكثيرين عن أماكن العبادة خلال الشهر الكريم، إنه أمر لا يمكن تحمله، كيف يمكنني أن أصلي خلف شخص ليس لديه أدنى درجات الإنسانية ليدين الإبادة الجماعية؟! أنا أفضل أن أصلي في المنزل” – عبد الأحد- شاب مغربي
يرى عبد الأحد أن الغضب تزايد أيضًا ضد المؤسسة الدينية بسبب رفضها التعبير عن الدعم لأولئك الذين يعانون في غزة والمشاركة في أحد أسهل أشكال التضامن وهو الصلاة والدعاء، فعلى حد قوله “إننا نشهد خيانة مروعة من قبل أئمتنا، من المفترض أن يقفوا ضد الطغاة وقمعهم وليس معهم”.
على مدى الأشهر الستة الماضية، تم تجنب الحديث عن الحرب على غزة، في حين ركز البعض على الوحدة بين الأديان والقواسم المشتركة مع الطائفة اليهودية، التي كانت ذات يوم لعنة على الجهاز الديني في المملكة المغربية!
تصاعد الغضب بشكل مطرد أيضاً بسبب استخدام الأئمة منابرهم لتمجيد وتقديس والدفاع عن الملك محمد السادس وحكومته، في حين أصبحت الاحتجاجات حدثاً شبه يومي بسبب اتفاق التطبيع المغربي مع إسرائيل.
لعقود من الزمن، كانت الخطب في مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء غير سياسية وتتمحور حول التقوى والأخلاق، ودائماً ما تُختتم بالصلاة من أجل الملك والتحذير من عدم طاعة الحكام.
أما بالنسبة لعبد الأحد، فهو يرى أنه كان هناك وقت كانت يتم الحديث فيه عن بعض محن المسلمين، خاصة الاحتلال المستمر للأراضي الفلسطينية، يقول: “الصمت المطبق حول الحرب وما نتج عنها من مداهمات للمسجد الأقصى، أدى إلى ابتعاد الكثيرين عن أماكن العبادة خلال الشهر الكريم، إنه أمر لا يمكن تحمله، كيف يمكنني أن أصلي خلف شخص ليس لديه أدنى درجات الإنسانية ليدين الإبادة الجماعية؟! أنا أفضل أن أصلي في المنزل”.
“أمير المؤمنين”
يحكم الملك محمد السادس المغرب منذ عام 1999، وهو المسيطر بشكل كامل على القوات المسلحة والسياسة الخارجية والقضاء والمسائل المتعلقة بالدين، رغم أن البلاد تعتبر رسمياً ملكية دستورية، إلا أن الحكومة في الواقع لا تعمل إلا كوصي للملك.
يلقب محمد السادس بأمير المؤمنين، وهو وصف تاريخي لا يستخدم في أي مكان آخر اليوم، ويستند ادعاء محمد السادس إلى أن السلالة العلوية في المغرب من نسل النبي محمد مباشرة، تاريخياً، تدين المجتمعات العربية والأمازيغية في المغرب بالولاء لعشيرة النبي محمد وهم الهاشميون.
كان دعمهم ضروريًا لبقاء السلالة العلوية، لكن العديد من الشباب المغاربة، يرون أن سلوك الملك الخاطئ والغياب الملحوظ عن البلاد، واتفاقية التطبيع لعام 2020 مع إسرائيل جعلتهم يشعرون بأنهم مهمشون وساخطون.
يقول عز الدين، وهو بائع يبلغ من العمر 23 عامًا، أنه “لم يتحدث الملك معنا ولو مرة واحدة عن المسار الذي سيتخذه المغرب في الحرب وما إذا كان سيتراجع عن اتفاق التطبيع مع إسرائيل أم لا”، وأضاف: “وفي المساجد، يبدو الأمر كما لو أن كل شيء يسير على ما يرام في العالم، وليس للمغرب دور يلعبه في إنهاء الإبادة الجماعية في غزة!”.
يرى منتقدون أن المخزن، وهو مصطلح يستخدمه المغاربة للإشارة إلى الملك وحاشيته القوية والأجهزة الأمنية، تعمد الصمت والتجاهل في كيفية معالجة الغضب حول اتفاق التطبيع الذي أبرمته الرباط مع إسرائيل.
“الحقيقة أنه إذا لم يُسأل الشعب المغربي عما إذا كان موافقًا على إقامة علاقات مع إسرائيل، فلماذا تهتم الدولة بالاستماع إلى رأينا بشأن هذه المسألة الآن؟” – عبد العالي- مواطن مغربي
في حديثه لموقع ميدل إيست آي، يرى الباحث المشارك في مركز جاك بيرك في الرباط، عزيز شاهير، أنه بسبب الاستياء الشعبي من الحرب، كانت الحكومة المغربية تتلاعب بالواقع السياسي المتشابك للأزمة بين غزة وإسرائيل، مع الحفاظ في الوقت نفسه على تطبيعها الثمين”، مشيراً إلى “تشابك الرقابة والقمع والدعاية والروايات الرسمية في رقصة سياسية دائمة التغير”.
موقف سياسي “محرج”
أصبح المغرب رابع دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في عام 2020، عندما وقعت على اتفاقيات أبراهام.
ومنذ دخوله الاتفاق، كثف المغرب مشترياته من الطائرات بدون طيار وغيرها من المعدات العسكرية من إسرائيل، في سباق تسلح مع منافسته الجزائر، التي تدعم القضية الفلسطينية وكذلك جبهة البوليساريو، وهي الحركة التي تقاتل منذ عقود من أجل دولة مستقلة في منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها.
وفي الوقت الذي حصل فيه المغرب على اعتراف أمريكي كان في أمس الحاجة إليه فيما يتعلق بالصحراء الغربية من خلال اتفاق التطبيع، فقد أظهرت استطلاعات الرأي أن المغاربة يعارضون بأغلبية ساحقة الاتفاق ويعتبرونه خيانة لإخوانهم الفلسطينيين.
يرى المغاربة أن موقف الحكومة غير واضح، فمن وجهة نظر عبد العالي وهو صاحب متجر مغربي، فإن “موقف المغرب تجاه الفلسطينيين كان محرجاً، لماذا تتحلى دولة مسيحية مثل البرازيل بالشجاعة الكافية لوصف تصرفات إسرائيل في غزة بأنها “إبادة جماعية” فيما لا تفعل ذلك دولة شقيقة مثل المغرب؟”.
يقول عبد العالي: ” الحقيقة أنه إذا لم يُسأل الشعب المغربي عما إذا كان موافقًا على إقامة علاقات مع إسرائيل، فلماذا تهتم الدولة بالاستماع إلى رأينا بشأن هذه المسألة الآن؟”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)