تواجه شرطة العاصمة البريطانية (متروبوليتان) وشرطة مانشستر الكبرى موجة انتقادات حادة، وسط اتهامات بالتمييز المعادي للفلسطينيين والتضييق على حرية التعبير.
جاء ذلك عقب إعلان شرطة لندن ومانشستر العزم على اعتقال من يرددون هتاف “عولمة الانتفاضة” أو من يقومون برفعه على لافتات خلال الاحتجاجات.
وقالت القوتان الشرطيتان، في بيان مشترك صدر الأربعاء، إن على المتظاهرين أن “يتوقعوا اتخاذ إجراءات” بحق كل من يستخدم العبارة.
وأضاف البيان: “وقعت أعمال عنف، وتغيّر السياق، فالكلمات لها معنى وتبعات، و سنتحرك بحزم وسنجري اعتقالات”.
وعلى خلفية ذلك، اعتُقل أربعة أشخاص، الأربعاء، خلال وقفة احتجاجية أمام وزارة العدل البريطانية، بتهمة “الإخلال بالنظام العام بدافع عنصري”، بسبب استخدامهم كلمة “انتفاضة”.
ويأتي هذا التطور في أعقاب حادث إطلاق نار وقع الأحد في شاطئ بونداي بمدينة سيدني الأسترالية، حيث استهدف مسلحان فعالية لعيد “الحانوكاه”، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 15 شخصاً.
وقد سعى عدد من الشخصيات العامة إلى ربط الهجوم بالنشاط المؤيد لفلسطين، وبشكل خاص بالهتاف المذكور، من بينهم كبير حاخامات بريطانيا إفرايم ميرفيس، الذي وصف العبارة بأنها “غير قانونية”، وقال إن “الأستراليين اكتشفوا ما تعنيه هذه الكلمات” بعد الهجوم.
في المقابل، رفض ناشطون مؤيدون لفلسطين ومنظمات مجتمع مدني هذا التوصيف، معتبرين أن تصوير الهتاف على أنه دعوة معاداة للسامية أو تحريض على العنف ضد اليهود “مضلل”.
واستشهد الناشطون بالسياق التاريخي لكلمة انتفاضة واستخدامها الواسع، وبالدور الذي لعبته شخصيات يهودية بريطانية بارزة داخل حركة التضامن مع فلسطين.
وشدد المدافعون عن حرية التعبير على أنه لا توجد أي تقارير رسمية تربط هجوم بونداي بالنشاط المؤيد لفلسطين.
وعلى منصات التواصل الاجتماعي، سارع مستخدمون إلى شرح أصل كلمة “انتفاضة” ومعناها، وطرحوا تساؤلات عمّا إذا كان المقابل الإنجليزي للكلمة سيُجرَّم هو الآخر.
وكتب أحد المستخدمين على منصة X: “المشكلة تبدأ عندما يُعاد تصنيف الخطاب السياسي على أنه عداء عرقي دون النظر إلى النية والسياق، خصوصاً في ظل تجريم متزايد للتعبير الفلسطيني”.
ووصف الصحفي آسا وينستانلي السياسة الجديدة بأنها “عنصرية معادية للفلسطينيين بشكل كامل”، موضحاً أن “الانتفاضة ليست سوى التعبير العربي عن معنى التمرد أو الانتفاض”.
وأضاف: “الفلسطينيون هم الشعب الوحيد في العالم الذي تقول له الدولة البريطانية إنه غير مسموح له أن يثور على الاحتلال”.
وأعرب مستخدمون آخرون عن قلقهم من تداعيات القرار على مستقبل حرية التعبير في بريطانيا، محذرين من مخاطر التوسع في تقييد الحقوق الديمقراطية.
ووصفت محللة السياسات الخارجية ياسمين الجمل القرار بأنه “منعطف مظلم للغاية”، قائلة: “المسألة هنا ليست ما إذا كانت عبارة عولمة الانتفاضة تُشعر بعض الناس بعدم الارتياح أو الخوف، أنا أفهم ذلك، لكن السؤال الجوهري: هل استخدام هذا التعبير جريمة؟”.
وكتب ناشط آخر: “لنكن واضحين، من دون أي قرار ديمقراطي أو أداة قانونية، بات مسموحاً لشرطة العاصمة أن تتدخل سياسياً في القانون، وأن تراقب الخطاب وتفرضه بالقوة وبأثر فوري”.
وتعود كلمة “انتفاضة” في العربية إلى الجذر “نَفَضَ”، أي نفض الشيء وتخلص منه، وتُستخدم للدلالة على انتفاضة شعبية، كما تحمل معنى أعمق يتمثل في الوعي بشيء ما والتخلص منه، وقد استُخدمت الكلمة في أنحاء متعددة من العالم العربي لوصف حركات احتجاجية مختلفة.
واكتسب المصطلح شهرة عالمية عقب الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، التي اندلعت بعد أن صدمت شاحنة تابعة لجيش الاحتلال أربعة فلسطينيين في مخيم جباليا للاجئين شمالي قطاع غزة.
وقد اتسمت بعض الانتفاضات في التاريخ العربي بالسلمية، فيما جمعت الانتفاضات الفلسطينية بين العصيان المدني وأشكال من المقاومة المسلحة في مواجهة دولة الاحتلال.







