الشعب الفلسطيني لن يتخلى عن خيار المقاومة المسلّحة طالما هناك احتلال

بقلم طارق كيني الشوا

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

في 7 تشرين الأول / أكتوبر، تمكنت كتائب القسام التابعة لحركة حماس من اختراق الحاجز العسكري ذي التقنية العالية الذي استخدمته إسرائيل على مدار أكثر من 16 عاماً لعزل الفلسطينيين في غزة.

نجحت كتائب القسام في اختراق الدفاعات الإسرائيلية ومحاصرة قواعد عسكرية والسيطرة المؤقتة على عدة مستوطنات في عملية أسفرت عن مقتل نحو 1200 إسرائيلي، بينهم جنود ومدنيون، واحتجاز أكثر من 200 رهينة في غزة.

وخلال الساعات والأيام التالية، بادر حلفاء إسرائيل الغربيون والمؤسسات الإعلامية الرائدة إلى وصف الهجوم بأنه “غير مبرر”، وذلك بهدف تبرير الرد الإسرائيلي اللاحق الذي أدى إلى مقتل أكثر من 15 ألف فلسطيني في غزة والضفة الغربية المحتلة.

كان هجوم السابع من أكتوبر غير مسبوق بالفعل، لكن وصفه بـ “غير المبرر” يعكس مسعى متعمداً لإخفاء حقيقة أن إسرائيل هي التي خلقت أجواء العنف التي جعلت الرد العنيف أمرًا لا مفر منه.

وبعد انقضاء قرابة شهرين على المذبحة في غزة، فإن القوات الإسرائيلية تقوم بقتل وتشويه جيل جديد من الفلسطينيين، وإثارة دوامة العنف مجدداً.

لم يبدأ تاريخ العنف في 7 تشرين الأول / أكتوبر، بل إن ما حدث في ذلك اليوم جاء بعد أكثر من 75 عامًا من الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، وكان سببه بالتالي الظروف التي لا تطاق في غزة وسط الحصار الإسرائيلي الذي دام 16 عامًا وسجن أكثر من مليوني شخص في القطاع.

أغلب سكان غزة هم من نسل اللاجئين الذين أجبروا على هجران منازلهم أمام هيجان العصابات الصهيونية في جميع أرجاء فلسطين عام 1948، وقد ظلت غزة تحت السيطرة المصرية حتى عام 1967، عندما غزت إسرائيل القطاع واستولت عليه.

وعاماً بعد عام، أخذت قبضة الاحتلال الإسرائيلي تشتد على القطاع، حتى وصلت إلى حد عزل سكان غزة عن بقية فلسطين وعن العالم، لكن إسرائيل انسحبت من غزة تحت ضربات المقاومة الفلسطينية الشرسة عام 2005، وواصلت منذ ذلك الحين فرض حصار خانق عليها.

تحول الاحتلال

الحقيقة هي أن الاحتلال الإسرائيلي لغزة لم ينته أبدًا، فقط طرأ عليه تحول في الشكل، واليوم، كثيراً ما توصف غزة بأنها أكبر سجن مفتوح في العالم، لكن حتى هذا الوصف لا يكفي للتعبير عن مدى وحشية إسرائيل.

إن ما تفعله إسرائيل في غزة أسوأ بكثير من ذلك، فقد جعلت من القطاع مشروعاً للعقاب الجماعي لشعب بأكمله تجرأ على المقاومة.

ومع وجود أكثر من 2.3 مليون إنسان يعيشون في منطقة تبلغ مساحتها حوالي 365 كيلومترًا مربعًا يطوقهم جدار إلكتروني شديد الحراسة وجدار خرساني، تعد غزة واحدة من أكثر الأماكن كثافة سكانية على وجه الأرض.

يطغى الحصار الإسرائيلي على كل جانب من جوانب حياة الفلسطينيين في غزة، حيث تتحكم إسرائيل في من يدخل إلى القطاع ومن يخرج منه عبر نظام تصاريح قديم، يستخدم بشكل روتيني كوسيلة ضغط على جميع السكان.

ما حدث في السابع من أكتوبر لم يكن تفجراً عشوائياً للعنف، بل كان رد فعل الشعب الذي تعرض للوحشية وبذات اللغة التي علمه إياها المحتلون.

لقد حرم أغلب الفلسطينيين المحاطين بإسرائيل ومصر في غزة من مغادرة القطاع الذي تسيطر إسرائيل حتى على مجاله الجوي ومياهه الإقليمية.

دمر الحصار اقتصاد غزة وأدى إلى ما أسمته الأمم المتحدة “تراجع التنمية”، ما ترك نحو نصف السكان عاطلين عن العمل، وبنسبة تجاوزت 70% في أوساط الشباب.

وبالنسبة للعديد من الفلسطينيين في غزة، فقد تحولت الحياة إلى صراع من أجل البقاء، فبين عامي 2007 و2010، كانت السلطات الإسرائيلية تعمل على حساب السعرات الحرارية للاحتياجات الغذائية للفلسطينيين لضمان حصولهم على الحد الأدنى من الطعام وبما يجنبهم المجاعة فقط.

وفي الأشهر الستة الأولى فقط من عام 2023، حُرم ما يقرب من 400 طفل في غزة من الحصول على تصاريح للتوجه إلى الضفة الغربية المحتلة للحصول على الرعاية الصحية العاجلة.

الهجمات العسكرية

وكأن الحصار وحده لم يكن كافيًا، إذ شنت إسرائيل اعتداءاتٍ عسكرية طويلة الأمد على غزة في الأعوام 2008-2009 و2012 و2014 و2021، مما أسفر عن مقتل آلاف السكان وتفاقم الظروف المعيشية القاسية من الأساس سيما مع شلّ البنية التحتية للقطاع.

دمرت إسرائيل المنازل والمدارس والمستشفيات، وتعطلت مساعي إعادة البناء بسبب رفضها السماح بدخول مواد البناء، مثل الفولاذ والأسمنت، إلى غزة، وفي عام 2014، استهدفت إسرائيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع، مما أدى إلى تفاقم أزمة الطاقة التي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، حيث يصل متوسط وقت توفر الكهرباء إلى 13 ساعة يوميا فقط.

وفيما انصب الاهتمام على ضحايا المذبحة الإسرائيلية الوحشية منح قدر أقل بكثير من الاهتمام بالخسائر البشرية والدمار النفسي الذي لحق بجيل كامل، فعلى سبيل المثال، يعيش الشاب الذي يبلغ الآن من العمر 18 عامًا فقط خامس هجوم إسرائيلي كبير عليه، لقد رأى مع أبناء جيله أصدقاءهم وعائلاتهم يُذبحون بالصواريخ الإسرائيلية وقذائف المدفعية ورصاص القناصة.

وفي ذات الوقت، يعاني 9 من كل 10 أطفال في غزة من صدمات نفسية عميقة مرتبطة بالصراع، وبما أن الأطفال يشكلون حوالي نصف سكان غزة، فإن المستقبل بالنسبة للكثيرين قاتم.

غير أن التعذيب في غزة ليس سوى جزء من القصة، إذ يقف تدهور الأوضاع في الضفة الغربية المحتلة وراء تصاعد المقاومة الفلسطينية، حيث ظل المستوطنون الإسرائيليون المتعصبون لسنوات يكثفون جهودهم لتطهير الفلسطينيين عرقياً من منازل أجدادهم.

وتحت الحماية المباشرة من قبل الجيش الإسرائيلي، وبتشجيع صريح من قادة اليمين المتطرف في إسرائيل، ارتكب المستوطنون مجازر دموية في بلدات فلسطينية مثل حوارة، وفي الأشهر الأخيرة، تم إخلاء مجتمعات بأكملها بين رام الله وأريحا بسبب عنف المستوطنين.

وحتى قبل 7 تشرين الأول / أكتوبر، كان عام 2023 يوصف بأنه العام الأكثر دموية بالنسبة للفلسطينيين منذ عام 2006 وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة، وفي جميع أنحاء فلسطين التاريخية، شددت إسرائيل احتلالها وتنعمت بميزة الإفلات من العقاب.

مستقبل ميؤوس منه

والآن، وبينما تعمل إسرائيل على تحويل غزة إلى مكان غير قابل للعيش فيه، فإن المجتمع الدولي ومن خلال التزامه الصمت يحكم على الفلسطينيين بمستقبل ميؤوس منه، أما أولئك الذين حالفهم الحظ بالنجاة من العدوان الإسرائيلي غير المسبوق فليس لديهم مكان يذهبون إليه.

لقد قام الجيش الإسرائيلي بتدمير جزء كبير من شمال غزة، حيث دمر نصف المباني وطمس أحياء بأكملها ودمر البنية التحتية الحيوية المثقلة من الأساس في غزة، وبعد إجبار مئات الآلاف من المدنيين على الفرار من شمال القطاع تتهيأ إسرائيل الآن لتحويل انتباهها إلى الجنوب.

ومن خلال السماح لإسرائيل بالإفلات من العقاب على ارتكابها الإبادة الجماعية، فإن المجتمع الدولي يكون قد تواطأ في خلق أزمة جديدة من شأنها أن تجعل الوضع الذي كان سائداً قبل 7 تشرين الأول / أكتوبر باهتاً بالمقارنة مع ما هو عليه الآن.

إن وصف يوم السابع من أكتوبر بأنه “غير مبرر” يتجاهل التاريخ وحقيقة أن الفلسطينيين الذين لم يعرفوا شيئًا سوى عنف التطهير العرقي والإبادة الجماعية والحكم الاستعماري الاستيطاني طوال حياتهم سيصلون في نهاية المطاف إلى نقطة الانهيار، قد تكون النتائج بشعة، مثل كل أشكال العنف، لكنها لن تضاهي أبدًا حجم العنف القمعي البنيوي الذي أدى إلى نشوء هذه الدوامة في المقام الأول.

ما حدث في 7 تشرين الأول / أكتوبر لم يكن تفجراً عشوائياً للعنف، لقد كان رد فعل الشعب الذي تعرض للوحشية بنفس اللغة التي علمه إياها المستوطنون.

وهذه ليست حجة مع أو ضد المقاومة المسلحة، ذلك أن تاريخ إسرائيل الطويل في سحق جميع أشكال المقاومة الفلسطينية، سواء كانت سلمية أو مسلحة، هو دليل على أن القضية لم تكن أبدًا تتمثل في الطريقة، بل كانت تتجلى في حقيقة أن الفلسطينيين تجرأوا على النضال ومقاومة القهر أصلاً.

ولسنوات عديدة، تبنى المجتمع الدولي مغالطة مفادها أنه من الممكن تجاهل المحنة الفلسطينية وطمسها.

وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة، توقعت الولايات المتحدة وجزء كبير من المجتمع الدولي أن يستسلم الفلسطينيون في نهاية المطاف لعملية المحو التدريجي الممارسة بحقهم، لقد كانت عملية السابع من أكتوبر إدانة للمجتمع الدولي برمته، حيث شن الفلسطينيون هجوماً غير مسبوق على إسرائيل من أجل إعادة فلسطين إلى الأجندة العالمية.

كشف لنا ما حدث يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر أن أسئلة القضية الفلسطينية تحتاج إلى إجابات، لقد أظهر لنا أن إسرائيل لابد وأن تتحمل المسؤولية عن خلق الظروف التي أدت إلى هذه النقطة، ليس فقط لأنه من واجبنا أن نتمسك بالقيم التي يفترض أنها تدعم نظامنا الدولي وبوصلتنا الأخلاقية، بل لأن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار.

والحقيقة تستحق التكرار، فالعديد من الفلسطينيين يدركون أن النظام الإسرائيلي لا يستجيب إلا إلى لغة العنف والقوة، وما دام الفلسطينيون يعيشون في ظل حالة مستمرة من القمع والاستفزاز، فإن المقاومة المسلحة سوف تظل أمراً لا مفر منه.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة