عرض فرع الصندوق القومي اليهودي في المملكة المتحدة، والذي يدرج رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير كراع فخري له، على موقعه الإلكتروني خريطة لدولة الاحتلال تتضمن مرتفعات الجولان المحتلة والضفة الغربية وقطاع غزة.
وسبق للصندوق الذي يعرف نفسه كمؤسسة خيرية بريطانية أن واجه انتقادات حادة بسبب أنشطته، والتي تضمنت التبرع بمليون جنيه إسترليني لـ “أكبر ميليشيا في إسرائيل”، لكنه يخاطر الآن بالتورط في فضيحة جديدة بسبب خريطة المنشورة على موقعه الإلكتروني الرسمي.
وجاء عرض الخريطة ضمن حملة تبرعات أطلقها الصندوق اعتبارًا من الساعة 3 مساءً يوم الجمعة لدعم أنشطته في المملكة المتحدة وفي صحراء النقب جنوب دولة الاحتلال.
وأشار الموقع الإلكتروني: “مركز إسرائيل مزدهر، ولكنه مزدحم، أما أطرافها ففيها مساحة كافية لملايين المنازل الجديدة، لكن البنية التحتية مفقودة، نحن نعمل على جلب حياة جديدة واستثمارات إلى ضواحيها، وتطوير مستويات المعيشة في جميع أنحاء المنطقة”.
وبجوار هذا النص وضعت خريطة، تصور إسرائيل وللمرة الأولى معها الأراضي التي تحتلها بما فيها الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة وهي مناطق فلسطينية بالإضافة إلى مرتفعات الجولان المحتلة، التي تقع في جنوب غرب سوريا.
ويبدو أن الخريطة تصور هذه المناطق كجزء من دولة الاحتلال، ولا تميزها عن المناطق الموجودة على الخريطة والتي تقع بالفعل داخلها.
ويتناقض هذا العرض مع وضع الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة بموجب القانون الدولي، كما يتناقض مع موقف الحكومة البريطانية، التي تعترف بالضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة ومرتفعات الجولان تحت الاحتلال الإسرائيلي.
وتبرز خطورة هذا العرض للخريطة بالنظر إلى أن الصندوق القومي اليهودي في المملكة المتحدة مول المستوطنات غير القانونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث أحجم معهد توني بلير للتغيير العالمي (TBI)حتى الآن عن الرد على استفسارات لموقع ميدل إيست آي حول ما إذا كان المعهد أو بلير نفسه يرغبان في التعليق، وما إذا كان بلير سيستقيل من دوره كراع فخري للصندوق بسبب الخريطة التي نشرها.
من بين الرعاة الفخريين الآخرين للصندوق إلى جانب بلير الحاخام الأكبر البريطاني إفرايم مارفيس ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو.
“انتهاك صريح لسياسة الحكومة البريطانية”
كما تضم قائمة الرعاة الفخريين للصندوق رؤساء وزراء بريطانيين آخرين من بينهم جوردون براون وديفيد كاميرون، الذي استقال بمجرد دخوله داونينغ ستريت في عام 2011، بعد ضغوط سياسية.
وقالت ميرا ناصر، المسؤولة القانونية في المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين أن “هذه المحاولات لتأكيد السيادة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة تتعارض بشكل مباشر مع سياسة الحكومة البريطانية، ناهيك عن التصريحات المتعاقبة من قبل محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”.
وتعد الخريطة أحدث حلقة في سلسلة من التناقضات مع القانون الدولي في عروض الصندوق، وهو الذراع البريطانية للمجموعة الإسرائيلية كيرين كايميث لإسرائيل – الصندوق القومي اليهودي، التي تأسست عام 1901 لشراء الأراضي في فلسطين في العهد العثماني، وشاركت في تهجير الفلسطينيين وتدمير البيئة الطبيعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وبصفتها مؤسسة خيرية مسجلة، فإن فرع المنظمة في المملكة المتحدة يتلقى إعفاءً ضريبيًا على التبرعات التي تدعم المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية بموجب القانون الدولي رغم أن التشريع البريطاني يحظر على الجمعيات الخيرية الانخراط في النشاط السياسي.
وتظهر حسابات الصندوق أنه دفع بين عامي 2015 و2018 أكثر من مليون جنيه إسترليني إلى HaShomer HaChadash (HH)، وهي منظمة وصفتها صحيفة هآرتس الإسرائيلية بأنها تحولت من كونها “منظمة يمينية متطرفة” إلى “أكبر ميليشيا في إسرائيل”.
وأفادت صحيفة هآرتس أن هذه الميليشيا لعبت دورًا مهمًا في الدفاع عن البؤر الاستيطانية غير القانونية في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك من خلال تسيير دوريات الأراضي المحيطة بها.
هيئة الجمعيات الخيرية لا تحقق
وفي عام 2022، فتحت هيئة الجمعيات الخيرية، وهي الجهة التنظيمية للجمعيات الخيرية في بريطانيا، تحقيقًا بشأن رئيس فرع الصندوق في بريطانيا صمويل هايك الذي ادعى أنه “لا يوجد في الإسلام مصطلح عن السلام”.
لكن الهيئة أغلقت القضية في يوليو/تموز 2023، مؤكدة أنها لا تحقق حاليًا مع الصندوق اليهودي.
“ليس من المستغرب أن يتباهى فرع الصندوق القومي اليهودي في المملكة المتحدة بشكل صارخ في موقعه على الإنترنت بتجاهله للقانون الدولي” – ميرا ناصر، المسؤولة القانونية في المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين.
وفي أغسطس/آب، كتب المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين إلى ريتشارد هيرمر كيه سي، المدعي العام في المملكة المتحدة، يحثه على إلغاء الوضع الخيري لفرع الصندوق القومي اليهودي في المملكة المتحدة.
وأوضحت ميرا ناصر لميدل إيست آي أن: “أنشطة الصندوق القومي اليهودي في المملكة المتحدة وتمويله المستمر منذ عقود للمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، ومساهماته في الطرد القسري للفلسطينيين، ودعمه للمنظمات الاستيطانية العنيفة تشكل انتهاكات للقانون الدولي وأهدافه الخيرية المسجلة”.
وأضافت: “لقد تم إخطار الحكومة البريطانية جيدًا بالأفعال غير القانونية للصندوق القومي اليهودي في المملكة المتحدة، لكن الحكومة رفضت التصرف”.
ويأتي هذا بعد أن أصدرت محكمة العدل الدولية رأيًا استشاريًا في يوليو/تموز وجدت فيه أن احتلال إسرائيل لعقود من الزمان للأراضي الفلسطينية كان “غير قانوني”، وأن “فصلها شبه الكامل” عن الناس في الضفة الغربية المحتلة ينتهك القوانين الدولية المتعلقة بـ “الفصل العنصري”.
كما وجدت المحكمة أن الدول لا يجب أن تساعد بأي شكل من الأشكال الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، خسر الفرع الكندي للصندوق القومي اليهودي استئنافًا لمنع إدارة الضرائب الكندية من إلغاء وضعه الخيري، بعد تدقيق دام سنوات كشف أن المنظمة استخدمت التبرعات للمساعدة في تمويل البنية التحتية للجيش الإسرائيلي، وهو جيش أجنبي، الأمر الذي يتعارض مع قانون الضرائب الكندي.
ومنذ عام 2007، يمتلك الصندوق القومي اليهودي حوالي 13% من قيمة أصول دولة الاحتلال الحالية والأراضي الفلسطينية المحتلة.
كما زعم الصندوق القومي اليهودي أن أكثر من 70 % من سكان إسرائيل يعيشون على أرض مملوكة له، وتمنع سياساته بيع أو تأجير الأراضي لغير اليهود، وهو ما يتعارض مع القانون الدولي.