الصندوق القومي اليهودي يسلب أراضي الفلسطينيين ويطالبهم بالتعويض

ماذا تعرف عن الصندوق القومي اليهودي ؟

بقلم جوزيف مسعد

ترجمة: موقع بالعربية

يقود الصندوق القومي اليهودي، دعوى قضائية ضد مجموعات التضامن مع فلسطين في الولايات المتحدة ردا على دورها الجريء في مواجهة السلب الاستعماري الذي يمارس ضد الشعب الفلسطيني.

ويعرف الصندوق بأنه الذراع المالي والاستيطاني الرئيسي للحركة الصهيونية، وهو الذي يموّل منذ وقت طويل جهود الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وطرد الفلسطينيين.

ففي العام 2019، رفع الصندوق، إلى جانب أمريكيين إسرائيليين، دعوى قضائية ضد الحملة الأمريكية لحقوق الفلسطينيين مطالبا بتعويضات مالية بسبب دعم الحملة لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات.

وزعم المدعون أن الهيئة التنسيقية للحملة، وهي اللجنة الوطنية الفلسطينية للمقاطعة، هي “جبهة للجماعات الإرهابية”.

وفي العام 2021، رفض قاضٍ فيدرالي أمريكي سماع الدعوى لعدم كفاية الأدلة، لكن الصندوق القومي اليهودي استأنف على القرار الشهر الماضي.

ويهدف الصندوق من خلال هذه الدعوى إلى تحصيل تعويضات من الحملة مقابل دعمها لحملة “أوقفوا الصندوق القومي اليهودي” التي أطلقتها احتجاجًا على أنشطته التي تتسم على نطاق واسع بالعنصرية والطابع الاستعماري.

ويسعى الصندوق القومي اليهودي في قضيته إلى الاستفادة من قانون مكافحة الإرهاب وعقوبة الإعدام في الولايات المتحدة لعام 1996 والذي يمنح ضحايا الإرهاب الحق بالعمل على الحصول على تعويضات مالية بموجب قانون التعويضات في المحكمة المدنية فيدرالية.

دعم مادي

تأسس الصندوق القومي اليهودي عام 1901 كذراع مالية للحركة الصهيونية التي تأسست قبله بأربع سنوات، بهدف التخطيط لاحتلال اليهود لفلسطين.

وفي عام 1899، أنشأت المنظمة صندوق الاستيطان اليهودي، الذي أنشأ فرعًا له في فلسطين عام 1902 تحت اسم بنك أنجلو- فلسطين.

ثم تم إنشاء الصندوق القومي اليهودي فرعه الخاص عام 1908 تحت اسم “شركة تطوير الأراضي الفلسطينية” التي بدأت طرد الفلاحين الفلسطينيين من أراضيهم.

وتمثلت المهمة الرئيسية للصندوق القومي اليهودي في جمع التبرعات من المجتمعات اليهودية لتمويل الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين، وهي إحدى المهام الأساسية المتواصلة حتى اليوم.

وفي سنة 1907 كتب الألماني اليهودي آرثر روبين الذي تولى وقتها قيادة جهود الاستيلاء على الأراضي أثناء جولة له في بعثة استيطانية في فلسطين إلى الصندوق القومي اليهودي أن ” الصندوق يشتري الأرض متى عُرضت من قبل غير اليهود ثم يعيد بيعها إما جزئيا أو كليا لليهود”.

وفي ذات العام، افتتح مكتب الصندوق القومي اليهودي في فلسطين برئاسة روبين، الذي كان يتبنى وجهات نظر معادية للسامية، ويرى في الاستعمار الاستيطاني الصهيوني الطريق لليهود لتجنب ازدراء العالم لهم.

ووفقًا لخطط عام 1908 التي وضعها روبين للاستيطان الصهيوني، فقد سعى إلى إقامة أغلبية يهودية في أجزاء معينة من فلسطين على مدار العشرين سنة التالية من خلال هجرة مستمرة لحوالي 10 آلاف يهودي سنويًا، وأنشأ في ذات العام شركة تطوير أراضي فلسطين.

“النقاء العرقي”

ومنذ مطلع عشرينيات القرن الماضي، بدأ الصندوق القومي اليهودي تحركا لشراء أراضٍ فلسطينية من بيروت وملاك أراضي غائبين مقيمين في القاهرة، مما أدى إلى تهجير آلاف الفلاحين الذين انضموا بشكل متزايد إلى الانتفاضات والثورات ضد المستعمرين ورعاتهم البريطانيين.

تحول الصراع على ملكية الأرض في قرية العفولة الواقعة في مرج ابن عامر – والتي تضم 22 قرية كان من المقرر إخلاؤها، إلى جانب تهجير البدو الفلسطينيين من منطقة وادي الحوارث إلى نقطة انطلاق رئيسية في تشرين الأول/ أكتوبر 1924.

تأخّر تهجير هؤلاء السكان بسبب مقاومتهم ورفضهم مغادرة أراضيهم وبسبب تعليق الأحكام من قبل محاكم الانتداب البريطاني، لكن البريطانيين طردوهم في آخر المطاف عام 1933.

وفي سنة 1931، رأى روبين أن الأساليب السلمية غير مجدية لتأسيس مستعمرة الاستيطان اليهودي وأن هزيمة السكان الأصليين الفلسطينيين هي السبيل الوحيد لذلك.

وبعد وقت قصير من وصول النازيين إلى الحكم عام 1933، التقى روبين مع هانز غونتر، أحد المروّجين الرئيسيين للنظرية العرقية النازية، وأعجب به كثيرًا وتواصل معه بهدف تسهيل المفاوضات بين الحركة الصهيونية والنظام النازي.

أسفر هذا التواصل عن توقيع اتفاقية الترحيل الصهيونية النازية سيئة السمعة.

وباعتباره خبير أعراق، لم تتأثر آراء روبين عن أعراق اليهود بأفكار المسيحيين الألمان المعادية للسامية، وإنما وفقًا لإيتان بلوم، كان لروبين نفسه تأثير على نظريات العرق الألمانية النازية حول اليهود.

أصرّ روبين على نظرية “النقاء العرقي” اليهودي من أجل نجاح المشروع الصهيوني وكان يعتقد أن اليهود السفارديم (الشرقيين) أقل شأنا من الآخرين.

وفي عام 1934، رفض روبين اقتراح مسؤول صهيوني آخر تجنيد يهود إثيوبيين للجهود الاستعمارية الصهيونية، وأصر على أن الإثيوبيين زنوج “اعتنقوا اليهودية بحدّ السيف في القرن السادس قبل الميلاد و”ليس لهم صلة دم تجمعهم باليهود”.

ويعتقد روبين أن معظم اليهود الأوروبيين (الأشكناز)، وليس جميعهم، ينتمون إلى “الأجناس الهندية الجرمانية البيضاء”.

الاستعمار المستمر

وبوفاته عام 1943 انتهى دور روبين كأكثر مسؤول صهيوني نفوذا في فلسطين، لكن الصندوق القومي اليهودي واصل عمله الاستعماري بنفس العدائية.

فقد سعى الصندوق إلى مسح الجغرافيا الفلسطينية والوجود الفلسطيني ليس فقط من خلال استعمار الأراضي وإنما أيضًا من خلال إعادة تسمية المدن والقرى الفلسطينية، وهو ما حاول الصندوق تنفيذه فعلا قبل عام 1948 من خلال “لجنة أسماء الأماكن” التابعة للصندوق.

وبعد عام 1948، تغيّر اسم اللجنة إلى “لجنة أسماء الأماكن في إسرائيل”، وقد تمت الموافقة على مقترحاتها حول جميع الأسماء الجديدة التي أُطلقت على الشوارع والبلدات والمدن المقامة على أنقاض الوطن الفلسطيني المدمر.

بعد إنشاء المستعمرة الاستيطانية، سنّت الحكومة الإسرائيلية في تشرين الثاني/ نوفمبر 1952 قانونا حدّد المنظمة الصهيونية والوكالة اليهودية هي كجهات مسؤولة عن “مشاريع الاستيطان في الدولة”.

كما تم تفويضها لتنسيق أنشطة المؤسسات والمنظمات اليهودية العاملة لتنمية الاستيطان في إسرائيل.

أصبحت كل من الوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية والصندوق القومي اليهودي، التي تلزمها لوائحها الداخلية بالاستعمار اليهودي، شربكة في سياسات إسرائيل العنصرية لصالح “الأشخاص ذوي الدين أو العرق أو الأصل اليهودي”.

وبعد عام، صدر قانون يسمح بإنشاء شركة الصندوق القومي اليهودي في إسرائيل، حيث يعدما تأسس الصندوق القومي اليهودي الأقدم في بريطانيا سنة 1907.

سمح القانون الجديد بنقل جميع ممتلكات وأصول الصندوق القومي اليهودي المملوكة داخل حدود دولة إسرائيل الجديدة إلى الشركة الإسرائيلية، بينما ستستمر الشركة التي يقع مقرها في بريطانيا في الاحتفاظ بجميع الممتلكات في المناطق “العربية”، خارج حدود إسرائيل، أي في بقيّة فلسطين والأردن.

تم تمرير ثلاثة قوانين أخرى في سنة 1960، “القانون الأساسي: أراضي إسرائيل”، و”قانون أراضي إسرائيل”، و”قانون إدارة أراضي إسرائيل”، التي ضمنت أن إدارة الأراضي الإسرائيلية ستدير جميع أراضي الدولة وأراضي الصندوق القومي اليهودي بما يتماشى مع الشروط التقييدية للصندوق القومي اليهودي.

وفقًا للقوانين الجديدة، فإن جميع الأراضي التي تمت مصادرتها من ممتلكات الشعب الفلسطيني المطهر عرقيا من خلال قانون أملاك الغائبين (1950) وقانون أملاك الدولة (1951)، والتي تمثل “أكثر من 90 بالمئة من إجمالي مساحة الدولة”، أصبحت محفوظة قانونًا لليهود فقط.

ويعني ذلك أن هذه الأراضي أصبحت لليهود في أي مكان من العالم، وليست لمواطني الدولة اليهود فقط، “إلى الأبد”.

تم تخصيص 92.6 بالمئة من المساحة الإجمالية لدولة “إسرائيل” حصرا لليهود، سواء لتأجيرها أو العيش أو العمل فيها.

وتنطبق هذه الشروط العنصرية أيضًا على الأراضي اليهودية المملوكة ملكية خاصة داخل الدولة.

ويواصل الصندوق القومي اليهودي جهوده اليوم مدعوماً بهذه القوانين العنصرية الإسرائيلية، بما في ذلك المساعي الأخيرة لطرد الفلسطينيين من منازلهم في القدس الشرقية المحتلة واستبدالهم بالمستوطنين اليهود.

وتكمن المفارقة في أن هذه المنظمة، التي تسببت (ولا تزال تسبب) الكثير من الألم والمعاناة للشعب الفلسطيني على مدى 120 سنة الماضية، تطالب بتعويضات مالية من ضحاياها وأنصارهم بسبب مقاومتهم لسرقتها لأراضيهم وطردهم من منازلهم.

لذلك لا يمكن وصف قادة هذه المنظمة سوى بالساديين المعتلين اجتماعيًا الذين لا يشعرون بأي ندم، كما أن أقل ما يمكن أن يُقال عما يحصل أنه وقاحة استعمارية عنصرية.

للإطلاع على المادة الأصلية باللغة الإنجليزية:

https://www.middleeasteye.net/opinion/colonial-chutzpah-jewish-national-fund

مقالات ذات صلة