بقلم عوني المشني
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
ما يجري في الضفة الغربية المحتلة هو حرب على فكرة الدولة الفلسطينية ذاتها، إنها حرب تهويد وتوسيع المستوطنات، حرب على المقاومة، وعلى السلطة الفلسطينية، وعلى الأرض، وعلى الشعب، ولكن هناك هدف آخر قد يفوق كل هذه الأهداف أهمية: إنها حرب على نتائج القتال في غزة.
تريد جولة الاحتلال خلق واقع مختلف في الضفة الغربية المحتلة، واقع يمحو السابع من أكتوبر 2023 والحرب التي تلته من طليعة الوعي الفلسطيني، إنها تحاول تهجير السكان الفلسطينيين بالقوة، وهو هدف مركزي في العقيدة الصهيونية للتوسع الاستيطاني الاستعماري، ولكن هذا الهدف لم يتحقق في غزة بعد.
تشن دولة الاحتلال حربًا على نفس المقاومة التي قوضت عقيدة أمن الدولة وأيقظت مخاوفها الوجودية، حيث تمكنت مجموعة صغيرة ومسلحة بشكل متواضع من مقاتلي حماس من سحق دفاعات الاحتلال بسرعة في السابع من أكتوبر.
لقد فشلت دولة الاحتلال في حربها على غزة، وهي الآن تريد في الضفة الغربية المحتلة تفكيك الرابطة العميقة بين الشعب الفلسطيني وأرضه، وهذه الرابطة هي التي تجعل الفلسطينيين يتمسكون بأنقاض منازلهم، حتى بعد مذبحة دامت خمسة عشر شهراً.
إن صور مئات الآلاف من الناس وهم يعودون إلى شمال غزة متجاوزين طريقهم الخاص من المعاناة لا تقل أهمية عن صور السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بل وربما تكون أكثر تهديداً للأيديولوجية الاستيطانية الاستعمارية الصهيونية.
مضمنة في التاريخ
إن حرب الاحتلال على الضفة الغربية المحتلة هي محاولة يائسة لمحو الوجود الفلسطيني في الجامعات، وفي الشوارع، وعلى المنصات العامة، وعبر أشكال مختلفة من وسائل الإعلام، وهي محاولة لإعادة صياغة القضية الفلسطينية باعتبارها قضية إسرائيلية داخلية، وبالتالي التقليل من العواقب الأوسع لوجود إسرائيل كقوة احتلال.
غير أن الحرب على غزة ستظل راسخة في التاريخ، وتشكل مسار المستقبل، وستبقى قائمة كذكرى للإبادة الجماعية، وكرمز للصمود الأسطوري، ودليل على فشل خطط التهجير القسري، وكفاح شعب يناضل من أجل التحرر من الاحتلال.
لقد رسمت الحرب خطاً فاصلاً واضحاً بين ما حدث قبل وبعد السابع من أكتوبر، لقد أحيت نتيجة حرب غزة حلم فلسطين ووعدها، تماماً كما كانت النكبة في عام 1948 بمثابة نقطة تحول لا رجعة فيها.
ولا يقلل هذا كله من العواقب الكارثية للحرب في الأرواح البشرية والدمار الهائل للأرض، لكن الفولاذ يُصنع بالنار، لقد تصلب الشعب الفلسطيني بهذا المستوى من حرب الإبادة.
أخطأت دولة الاحتلال في قراءتها لليوم السابع من أكتوبر، فالصدمة التي أحدثها الهجوم الذي شنته حماس، والتي تم تصنيفها كمنظمة إرهابية في المملكة المتحدة ودول أخرى، منعت الدولة من استيعاب حجم ما حدث.
وقد جاء رد الفعل من قبل دولة الاحتلال مدفوعاً بالكراهية والعنصرية وغريزة القتل وعقدة التفوق السائدة، ومن خلال هذه العدسة، شنت الحرب.
دفعت نفس العقلية دولة الاحتلال إلى تحويل حربها إلى الضفة الغربية المحتلة، هرباً من الواقع الذي خلقته أحداث السابع من أكتوبر، ولكن لا مفر من الحقيقة: ففي نهاية المطاف، سوف تضطر إسرائيل أيضاً إلى التخلي عن حربها على الضفة الغربية عندما تتصالح مع قيود أحلامها الوهمية.
فدولة الاحتلال تواجه شعباً قد يكون ضعيفاً، لكنه لا يهزم أبداً، وشعباً لطيفاً، لكنه يقاتل بكل ما أوتي من قوة عندما تكون كرامته على المحك، وشعباً يتسامح، لكنه لن يغفر أبداً لقتلة أطفاله، وشعباً منفتحاً ثقافياً، لكنه عازم على الحفاظ على هويته وتراثه الفريدين، وشعباً مستعداً للتعايش، ولكن فقط على أساس الاحترام المتبادل والمساواة والحقوق.
وسيدرك المحتلون هذه الحقيقة في نهاية المطاف، وحتى ذلك الحين، سوف تستمر الحرب في الضفة الغربية المحتلة كحرب على نتائج الصراع في غزة.
وكما قال صن تزو في كتابه فن الحرب: “المحاربون المنتصرون ينتصرون أولاً ثم يذهبون إلى الحرب، في حين يذهب المحاربون المهزومون إلى الحرب أولاً ثم يسعون إلى الفوز”، لقد خسرت إسرائيل الحرب في الضفة الغربية قبل أن تبدأ.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)