الضفة الغربية تعاني حصاراً خانقاً بصمت… بينما يستمر النفاق الغربي لصالح إسرائيل!

بقلم فريد طعم الله

ترجمة وتحرير مريم الحمد

في الوقت الذي يبدو فيه العالم منشغلاً بما يحصل في غزة، تدور حرب من نواحٍ أخرى بالضفة الغربية المحتلة غائبة عن التغطية الإعلامية، وهو أمر مفهوم وطبيعي نظراً لحجم الدمار والقتل الكبير في قطاع غزة.

نحن الفلسطينيون المقيمون في الضفة نتابع الأحداث في غزة بألم وغضب، وقد ترددنا كثيراً قبل الحديث عن الممارسات الإسرائيلية القمعية في الضفة قبل وبعد 7 أكتوبر، وذلك احتراماً لمعاناة الفلسطينيين في القطاع المحاصر، لكن هذا الصمت لا يعني أن الأمور هادئة في الضفة التي يعيش فيها أكثر من 3 مليون فلسطيني تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي.

كثيراً ما نعاني من حرق المستوطنين للأشجار وسرقة المحاصيل والاعتداء على المزارعين والاستيلاء على الأراضي، وبدلاً من المساءلة أو العقاب، يتمتعون بحماية جيش الاحتلال!

احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، ووفقاً للأمم المتحدة والمجتمع الدولي، فقد كان من المفترض أن تكون المنطقتان أساس الدولة الفلسطينية كجزء مما يسمى حل الدولتين، لكن الواقع أخذ مساراً مغايراً.

غزة، المنفصلة بشكل كامل عن الضفة منذ عام 2005، عانت من حصار إسرائيلي شامل و5 حروب قُتل خلالها آلاف الفلسطينيين،

فيما تعاني الضفة، حيث أعيش أنا وعائلتي، من التوسع الاستيطاني غير القانوني الذي يلتهم أراضينا الخاصة، كما يعيش نحو 700 ألف مستوطن في حوالي 150 مستوطنة و128 بؤرة استيطانية، والعدد مرشح للزيادة المستمرة.

لقد أصبح هؤلاء المستوطنون، الذين سلمتهم الحكومة أسلحة مؤخراً، فعلياً جنوداً بملابس مدنية، حتى قام البعض بتشكيل ميليشيات مسلحة لقتل الفلسطينيين بحجة الحفاظ على الأمن!

مناطق عازلة

في السنوات الأخيرة، تفاقمت معاناتنا من الاحتلال في الضفة بشكل كبير، ومع 7 أكتوبر، زادت تفاقماً وما زالت!

في قرية قصرة مثلاً، قتل المستوطنون 4 فلسطينيين، كما قتل مستوطنون مزارعاً في قرية الساوية أثناء قيامه بقطف الزيتون من أرضه أمام زوجته وأطفاله، وفي قرية دير استيا، هاجم المستوطنون جامعي الزيتون الفلسطينيين ووزعوا منشورات تحذرهم بضرورة المغادرة إلى الأردن، وإلا سيواجهون خطر الإبادة في نكبة ثانية.

الحقيقة أن المستوطنين يهاجمون المزارعين الفلسطينيين خلال موسم قطف الزيتون كل عام، فهو الموسم الزراعي الأكثر أهمية بالنسبة للفلسطينيين، نحن نعتمد عليه بشكل كبير في معيشتنا، ولكن كثيراً ما نعاني من حرق المستوطنين للأشجار وسرقة المحاصيل والاعتداء على المزارعين والاستيلاء على الأراضي، وبدلاً من المساءلة أو العقاب، يتمتعون بحماية جيش الاحتلال!

هذا العام، شهد ذروة هذه الهجمات وذلك طبعاً بحجة الانتقام من هجوم 7 أكتوبر، وعليه فقد مُنع الفلسطينيون في المناطق القريبة من المستوطنات والشوارع الرئيسية من قطف زيتونهم.

منذ 7 أكتوبر، أي خلال شهر واحد فقط، تم اعتقال أكثر من 2000 فلسطيني آخرين في جميع أنحاء الضفة الغربية

علاوة على ذلك، فقد دعا وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، الحكومة إلى إنشاء مناطق عازلة خالية من الفلسطينيين حول المستوطنات ومنع الفلسطينيين من قطف الزيتون في تلك المناطق، كما قامت السلطات الإسرائيلية بقطع المياه عن التجمعات السكنية الفلسطينية في وقت تتمتع فيه المستوطنات المجاورة بالمياه على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.

منذ بداية عام 2023 وحتى 7 أكتوبر، كانت القوات الإسرائيلية قد قتلت نحو 200 فلسطيني في الضفة واقتحمت مدن جنين وطولكرم ونابلس وأريحا ودمرت البنية التحتية بحجة البحث عن مطلوبين.

تقييد الحركة والتنقل

تفرض إسرائيل أيضًا قيودًا صارمة على حرية تنقل الفلسطينيين في الضفة، فهناك 700 حاجز ونقطة تفتيش في جميع أنحاء الضفة، وتغلق القوات الإسرائيلية الأحياء ببوابات حديدية فيما تمنح المستوطنين حرية الحركة الكاملة.

لا أبالغ إن قلت أن الخطاب الغربي المنافق بات يشعرنا بالاشمئزاز عند حديثه عن المدنيين وحقوق الإنسان

كفلسطينيين، لا يسمح لنا  بالدخول إلى المستوطنات المقامة على أراضينا المسروقة، فهي محاطة بأسوار وأسلاك شائكة وإجراءات أمنية مشددة، ورغم أننا نعيش في نفس المنطقة الجغرافية، إلا أن القوانين والإجراءات القانونية بين الفلسطينيين والمستوطنين مختلفة، فعلى المستوطنين يطبق القانون المدني والجنائي الإسرائيلي بينما يواجه الفلسطينيون نظام المحاكم العسكرية.

قبل 7 أكتوبر، كان هناك أكثر من 5000 أسير فلسطيني، بينهم أطفال ونساء ومئات من المعتقلين الإداريين، لكن منذ 7 أكتوبر، أي خلال شهر واحد فقط، تم اعتقال أكثر من 2000 فلسطيني آخرين في جميع أنحاء الضفة الغربية، حيث تتم الاعتقالات غالباً بعد مداهمات عنيفة، وقد نقل عدد من الأسرى الذين تم إطلاق سراحهم عن تعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة بشكل غير مسبوق.

تتخذ إسرائيل أيضًا إجراءات صارمة ضد أي منشور يُصنف على أنه مؤيد للفلسطينيين عبر الإنترنت، حيث يصلون إلى أصحاب المنشورات بالاستعانة بشركات التواصل الاجتماعي التي تقوم بتقييد وحظر المحتوى الداعم لفلسطين.

في نفس الوقت، لقد تابعنا جميعاً بذهول ما حصل من تواطؤ حكومات غربية غير مسبوق  مع إسرائيل في جرائمها ضدنا، الأمر الذي زاد من شعورنا بالإحباط بسبب المعايير الغربية المزدوجة فيما يتعلق بالقيم الإنسانية ومبادئ الحرية، الأمر الذي يظهر جلياً بين مواقفهم تجاه أوكرانيا وفلسطين.

لا أبالغ إن قلت أن الخطاب الغربي المنافق بات يشعرنا بالاشمئزاز عند حديثه عن المدنيين وحقوق الإنسان، حيث يدين المسؤولون الغربيون قتل الإسرائيليين بصوت عالٍ، ويعتبرون ذلك مبرراً لحق إسرائيل في “الدفاع عن نفسها”، فيما لا يظهرون أي مبالاة بأعداد الضحايا من الفلسطينيين في غزة وفي الضفة.

الحقيقة أن القتل والتشريد المستمر للفلسطينيين لن يجلب السلام إلى المنطقة، بل سوف يؤدي إلى مزيد من الاحتقان في الصراع، فمن الوهم الاعتقاد بأن السلام يمكن تحقيقه بدون عدالة، لا يمكن أن يوجد سبيل لحل الصراع إلا بحل سياسي ينهي الاحتلال ويحاسب مجرمي الحرب.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة