إنها القصة نفسها التي تكرر في كل قرية تقريبًا جنوب الخليل، حيث يستولي المستوطنون على الماشية ويدمرون المعدات الزراعية وبساتين الزيتون التي يعتمد عليها المزارعون الفلسطينيون في معيشتهم.
يأتي المستوطنون مسلحين ببنادق آلية من طراز M16 ويضربون القرويين بقبضاتهم أو عصيهم أو قضبانهم الحديدية أو بأعقاب بنادقهم، كما تتعرض المنازل للنهب بشكل متكرر فيتم الاستيلاء على كل ما يملكه الفلسطينيون من ممتلكات، ولا يسلم الأطفال ولا النساء ولا كبار السن من العنف.
لقد بدأت التلال والوديان الوعرة في الضفة الغربية المحتلة تفقد تواجد المزارعين والرعاة والقبائل البدوية التي عاشت هنا منذ قرون
في أحد التجمعات القروية في الضفة الغربية، ويدعى شعب البطم الزراعي، يعيش 300 فرد يتملكهم الخوف دائماً مما قد يحدث صغارًا وكبارًا، وهم يشاهدون ويقرأون ما يرد من غزة، التي قُتل فيها أكثر من 8000 فلسطيني نتيجة الغارات الجوية.
في الوقت نفسه، تزداد الهجمات عليهم يوماً بعد يوم أيضًا، فقد قتلت القوات الإسرائيلية ما لا يقل عن 100 فلسطيني في الأسابيع الثلاثة الماضية وحدها، كما ازدادت هجمات المستوطنين على القرويين الذين يعيشون في عقارات نائية شراسة، حتى اضطرت عائلة واحدة إلى الفرار إلى بلدة مجاورة بعد أن دمر المستوطنون مباني مزارعهم وهدموا منزلهم بالجرافات.
سكان القرى يعلمون أن الأمر لا يتوقف عند ذلك، فسوف يعود المستوطنون قريباً مرتدين الزي العسكري هذه المرة من أجل مهاجمة المزيد من الممتلكات وضرب السكان المحليين ونهب منازلهم المبنية من الطين.
يصف أحد القرويين الفلسطينيين المشهد بقوله “لقد صوبوا مسدسهم نحو زوجتي وضربوني وسرقوا هاتفي ووجهوا أسلحتهم نحو الأطفال، فقط أذكروا الجنود للأطفال، فسوف يقفون ساكنين يرتجفون”.
تحت قيادة سموتريتش وبن غفير
تصف العائلات الفلسطينية، النازحة أصلاً، من أنها تعيش جولة جديدة من التجريد القسري من ممتلكاتها، بعد تشكيل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لحكومته الائتلافية مع حزب القوة اليهودية بزعامة ايتمار بن غفير والحزب الصهيوني الديني بزعامة بتسلئيل سموتريش.
يذكر أن حزب القوة اليهودية اليميني المتطرف الذي يتزعمه بن غفير قد تأسس على يد مئير كاهانا، وهو حاخام يميني متطرف ونائب سابق كان يقود في السابق حزب كاخ، المنظمة المحظورة في إسرائيل، وفي الوقت نفسه، تم تعيين سموتريتش وزيرًا للمالية وتسليمه سلطة واسعة على القضايا المدنية في الضفة الغربية، مما مكنه من زيادة بناء المستوطنات وإحباط التنمية الفلسطينية.
وبذلك أصبح سموتريش مسؤولاً عن الشؤون المدنية في المنطقة (ج) بالضفة الغربية المحتلة، وهي أكبر جزء من الضفة حيث تضم نحو 60% من الأراضي الفلسطينية، وهو أيضًا المكان الذي يعيش فيه أكثر من 400 ألف مستوطن بشكل غير شرعي، وبالطبع تتمتع فيه إسرائيل بسيطرة أمنية ومدنية كاملة.
المزارع الفلسطيني، جبريل، عند تلقيه تهديدات واضحة حول أطفاله باحتمال استهدافهم أو حتى قتلهم، اضطر هو أيضاً إلى مغادرة منزل أجداده
منذ هجوم 7 أكتوبر، حاول كل من بن غفير وسموتريتش إثارة المزيد من التوترات مع الفلسطينيين في المنطقة (ج)، وأجزاء أخرى من الضفة الغربية والسكان الفلسطينيين داخل إسرائيل، وفي الوقت الذي أخذ فيه بن غفير يوزع الأسلحة بحرية على المستوطنين في المدن الحدودية مثل سديروت، تعهد سموتريتش، بصفته وزير المالية، بتجميد التمويل للسلطة الفلسطينية بسبب دعمها المزعوم لحماس.
“الانتقام قادم”
مع تصاعد الخطاب ضد الفلسطينيين في الأسابيع الأخيرة، تصاعدت الهجمات أيضًا، حيث عمل المستوطنين على توزيع منشورات تهديدية وترك دمى ملطخة بالدماء في المدارس، وتحذير الفلسطينيين إما بالمغادرة أو القتل، فقد ورد في إحداها مثلاً “إذا أردتم الحرب… انتظروا النكبة الكبرى”، في إشارة إلى نكبة عام 1948، وفي رسالة أخرى، تم إرسال صورة فيها مستوطنين ملثمين يحملون عبوات بنزين وأسلحة مع عبارة “إلى كل الجرذان في مجاري قرية قصرة، ننتظركم، الانتقام قادم”.
وفي قرية أم الخير، المحاطة بالمستوطنين من جميع الجهات، طُلب من الفلسطينيين رفع الأعلام الإسرائيلية خارج منازلهم بحلول الساعة 7 مساءً بالتوقيت المحلي أو مواجهة العواقب، وبعد إحراق منزل أحد المزارعين، قال السكان المحليون أنهم اتصلوا بالشرطة الإسرائيلية طلباً للمساعدة، وبدلاً من ذلك، اتهمت الشرطة الضحايا بأنهم “كاذبون” وهددتهم بالسجن.
لقد بدأت التلال والوديان الوعرة في الضفة الغربية المحتلة تفقد تواجد المزارعين والرعاة والقبائل البدوية التي عاشت هنا منذ قرون، فقبل أيام، قرر جميع سكان خربة زنوتا الفرار من منازلهم بسبب تصاعد عنف المستوطنين، حيث توجه العديد منهم إلى مناطق يسكنها فلسطينيون، وفي قرية تواني المجاورة، تحدث السكان عن مضايقات مستمرة، حيث صرح بطريرك القرية، حافظ الحسيني، بأنه رغم استسلام العديد من القرويين لضغوط المستوطنين، إلا أنهم لا يحتملون فكرة التهجير مرة أخرى، مؤكداً بقوله “لا شيء سيجعلني أغادر منزلي”.
المزارع الفلسطيني، جبريل، كان يفكر بنفس الطريقة، ولكن عند تلقيه تهديدات واضحة حول أطفاله باحتمال استهدافهم أو حتى قتلهم، اضطر هو أيضاً إلى مغادرة منزل أجداده.
للاطلاع على النص الأصلي: هنا