العدوان على الدوحة يثبت أن الاعتراف بإسرائيل لا يصنع سلامًا

بقلم ديفيد هيرست

ترجمة وتحرير موقع بالعربية

في كل مرة يحاول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اغتيال زعيم حركة حماس خالد مشعل، تنتهي العملية بالخزي والعار لـ إسرائيل.

كانت المرة الأولى عام 1997، عندما تسلل عملاء الموساد إلى الأردن متنكرين في هيئة سياح كنديين بأوامر من نتنياهو، ونصب اثنان منهم كمينًا أمام مكتب مشعل في عمان. وعندما اقترب مشعل من المبنى، صوب أحد العملاء جهازًا نحو أذنه اليسرى أطلق مادة سامة شديدة الفتك.

لاحق حارس مشعل العميلين بينما فرّ آخرون إلى السفارة الإسرائيلية التي كانت قد افتُتحت حديثًا. في البداية بدا أن الهجوم فشل، إذ وصف مشعل إحساسه بأنه “ضجيج صاخب في أذني” و”كصعقة كهربائية”، لكن السم بدأ يسري في جسده سريعًا وانهارت حالته الصحية.

كان مشعل حينها مواطنًا أردنيًا، وأثارت محاولة الاغتيال غضب الملك حسين، فطالب إسرائيل بتسليم الترياق المضاد للسم وهدد بمحاكمة عميلي الموساد وبالانسحاب من اتفاقية اتفاق وادي عربة الموقعة قبل ثلاث سنوات.

تدخل بيل كلينتون وأجبر نتنياهو على الرضوخ، فأرسل رئيس الموساد آنذاك داني ياتوم الترياق إلى عمان فأنقذ حياة مشعل الذي كان في غيبوبة.

لم يفرج الملك حسين عن عميلي الموساد اللذين قبض عليهما إلا بعد أن أطلقت إسرائيل سراح أحمد ياسين مؤسس حركة حماس وعدد كبير من الأسرى الفلسطينيين. شكلت العملية صفعة مهينة لإسرائيل، إذ تعززت مكانة مشعل الذي كان يشغل منصبًا ثانويًا، وبرزت حماس كحركة قادرة على تحدي القوى المتنمرة.

واليوم، يبدو أن السيناريو يتكرر: محاولة اغتيال أخرى باءت بالخزي والعار لإسرائيل.

فشل جديد ورسالة تهديد للمنطقة

ما أنقذ مشعل وبقية فريق التفاوض من حماس في الدوحة هو التزامهم بإجراء أمني اعتيادي: تغيير الموقع بعد انتهاء الاجتماع، وترك هواتفهم المحمولة بعيدًا.

كان المبنى الذي استهدفته الطائرات الإسرائيلية قريبًا جدًا من مكان اجتماعهم، وكان التوقيت دقيقًا، لكنهم قصفوا المبنى الخطأ، وفق مصادر عليا في حماس.

في البداية، عمت النشوة القيادة الإسرائيلية معتقدة أنها قضت على قيادة حماس، كما فعلت سابقًا بإشعال صراعات داخل حزب الله والحرس الثوري الإيراني، لكن الحقيقة سرعان ما تكشفت، وتحول الابتهاج إلى صدمة.

سارع يائير لابيد، زعيم المعارضة، إلى تهنئة سلاح الجو والشاباك على “العملية الاستثنائية”، لكنه حذف تغريدته واستبدلها بأخرى دعا فيها الحكومة إلى شرح كيفية ضمان عدم مقتل الرهائن خلال العملية، مشددًا على ضرورة إنهاء الحرب وإعادتهم فورًا.

العملية التي سميت إسرائيليًا “قمة من النار” كانت تستهدف قتل قيادة حماس خلال اجتماعهم لمناقشة مقترح وقف إطلاق النار الذي قدمه دونالد ترامب.

كانت رسالة واضحة من دولة ترى نفسها متفوقة عرقيًا: بإمكانها فعل ما تشاء، في أي مكان وزمان، دون اكتراث بالسيادة أو المجال الجوي. حتى أن نتنياهو هدد علنًا بقصف أعضاء حماس في تركيا. كان القصف على الدوحة رسالة مباشرة لأنقرة بأنها قد تكون التالية.

قصف المفاوضات لا قادة حماس

يقول الخبير السياسي مناحيم كلاين إن إسرائيل تحولت إلى “مجتمع يمارس الإبادة الجماعية” تخلى عن الدبلوماسية ويؤمن فقط بالقوة، ولا يستهدف فلسطين وحدها بل إيران وسوريا أيضًا، وهدد بضرب حماس في تركيا.

وأضاف أن الاحتلال لم يبدِ أي اعتبار حتى لمصر أو اليمن، ويمارس هندسة قسرية للمنطقة قائمة على “التفوق العرقي اليهودي” بالقوة، داخل فلسطين وخارجها.

وحذّر من أن حملة نتنياهو لإعادة هندسة المنطقة ستترك تداعيات ضخمة على كل الدول، من مجلس التعاون الخليجي إلى الموقّعين على اتفاقيات أبراهام.

وعلى المدى القصير، كان قصف حماس يعني قصف المفاوضات نفسها، فلو نجحت الضربة لقُضي على كل من يمكن التفاوض معه لإطلاق الرهائن، ولانتهت أي فرصة لاستعادتهم أحياء.

الوساطة مصرية انتهت، والوساطة القطرية باتت شبه مستحيلة، وحتى مع نجاة الفريق التفاوضي، يبدو أن المفاوضات تجمدت بالكامل. فقد أحبط نتنياهو سبع محاولات سابقة للتوصل إلى صفقة، حتى تلك التي وقع عليها فريقه.

تداعيات مقلقة على أمريكا والمنطقة

لم يعد أمام مبعوث ترامب ستيف ويتكوف سوى التفاوض مباشرة مع حماس، متجاوزًا إسرائيل، لكن ذلك يتطلب من ترامب إجبارها على وقف عمليتها البرية في مدينة غزة، وهو أمر متردد فيه.

وإذا كان ترامب علم مسبقًا بالضربة ومنحها ضوءًا أخضر ضمنيًا، فلا قيمة لأي ضمانات قد يقدمها لاحقًا لحماس بوقف الحرب مقابل إطلاق الرهائن.

هذه هي المرة الثانية خلال شهور تستخدم فيها إسرائيل مفاوضات حية كغطاء لهجوم مفاجئ؛ سبق أن فعلت ذلك في إيران خلال محادثات كانت مقررة في سلطنة عمان حول ملفها النووي.

لكن هذه المرة، كانت اللجنة التفاوضية تناقش مقترحًا صاغه ترامب نفسه، ما يجعل من الواضح أن ضماناته بلا قيمة.

وعلى المدى البعيد، تبدو التداعيات أخطر على الزعماء العرب، خاصة في السعودية والإمارات والبحرين، الذين يكرهون حماس والإخوان المسلمون وحزب الله، لكن الضربة تتحدى سيادتهم شخصيًا، كأنظمة يُفترض أنها تتحكم في مجالاتها الجوية.

بل إن مراسل Ynet العسكري قال إن الهجوم تم “بالتنسيق مع دول أخرى”، ما يضع هذه الدول تحت ضغط شعبي هائل.

خيارات صعبة أمام دول الخليج

قد تضطر هذه الدول لإغلاق مجالاتها الجوية أمام الطيران الإسرائيلي، أو أن تنسحب الإمارات والبحرين من اتفاقيات أبراهام، خاصة أنهما اعتبرتا ضم الضفة الغربية “خطًا أحمر”.

فشل نتنياهو في القضاء على قادة حماس يوم الثلاثاء، وربما أنهى بذلك كل محاولات التفاوض لإنهاء حرب العامين. بينما تزداد حماس شعبية ومكانة.

أما ترامب، فأعلن أنه “غير مسرور” بالعملية الفاشلة وحاول التنصل منها، رغم أن البيت الأبيض أكد علمه المسبق بها.

إن لم تدفع هذه الضربة ترامب إلى إدراك أن التبعية العمياء لدولة مارقة يقودها متطرفون دينيون ستضر بمكانته كزعيم عالمي، فلن يفلح معه شيء.

انهيار المصداقية الأمريكية ودرس قاسٍ للمنطقة

الرسالة الأوضح من الضربة هي أن “مظلة الحماية الأمريكية” التي دفعت المنطقة مقابلها أموالًا طائلة، لا وجود لها فعليًا. واتفاقيات أبراهام مجرد وهم، إذ لا يمكن إحلال السلام عبر الاعتراف بإسرائيل.

فقط عبر تحالف أمني إقليمي قوي لاحتواء إسرائيل، وإجبارها على دفع ثمن عزلتها الدبلوماسية والاقتصادية، يمكن كبح طموحات الهيمنة لدى نتنياهو.

فالحياد أو الوساطة لا يوفران الحماية، ولا يمكن لأي دولة بعد اليوم أن تفترض أن واشنطن قادرة على ردع تل أبيب.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة