العرض الاماراتي لشراء “التلغراف” يشكل خطراً على حرية الصحافة

ترجمة وتحرير موقع بالعربية

بقلم بيتر أوبورن 

الديلي تلغراف هي الصحيفة الصادرة عن حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا، فكل رؤساء الوزراء من الحزب كانوا فعلياً من كتابها، وقد عمل ضمن طاقمها ونستون تشرشل كمراسل حربي، ومؤخراً بوريس جونسون.

غالبًا ما يشار إلي الصحيفة باسم ديلي توريغراف، نسبة لحزب المحافظين المعروف بحزب توري “Tory”، كما أن الصحيفة ذات حضور وازن في وايتهول وويستمنستر وفي داونينج ستريت.

وبنفس القدر من الأهمية، فقد أصبحت الصحيفة منذ فترة طويلة الصوت المفضل للمؤسسة العسكرية والاستخباراتية في بريطانيا، لكنها عُرضت للبيع بعد أن صادر بنك لويدز ملكيتها من عائلة باركلي المثقلة بالديون.

وظهرت تقارير تفيد بأن مستثمرين من دولة الإمارات العربية المتحدة قد شاركوا في هذا المشروع، حيث ذكرت صحيفة التايمز أن رئيس حزب المحافظين السابق نديم الزهاوي يلعب دور الوسيط ومن المحتمل أن يصبح رئيسًا للمجموعة الجديدة.

لا بد وأن يُنظر الآن إلى هؤلاء المستثمرين الإماراتيين المجهولين على أنهم المتسابقون الأوائل للعب دور في شراء صحيفة الديلي تلغراف، خاصة وأنهم أبدوا استعدادهم لضخ 600 مليون جنيه إسترليني (أكثر من 760 مليون دولار) من أجل الحصول على ملكية الصحيفة.

زواج مقدس

في الأشهر الأخيرة، نشرت الصحيفة سلسلة مقالات تحث بريطانيا على تبني سياسات من شأنها أن تترك المملكة المتحدة عالقة إلى جانب بيلاروسيا وروسيا باعتبارهما الدول الأوروبية الوحيدة خارج المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

فمن عدة نواحٍ، تعتبر العلاقة التي تجمع الإمارات العربية المتحدة بصحيفة الديلي تلغراف بمثابة زواج مقدس، فالجهتان لديهما الكثير من القواسم المشتركة، أولا وقبل كل شيء الارتياب المشترك حول حقوق الإنسان.

تميل التلغراف إلى القول بأن المحكمة الأوروبية تشكل تهديدًا للديمقراطية، وهو ما لا يزعج دولة الإمارات الاستبدادية، التي ترتكب انتهاكات متكررة لحقوق الإنسان.

ففي تموز/ يوليو من العام الماضي، أعربت لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة، في تقرير نشرته عن دولة الإمارات، عن “قلق خاص إزاء التقارير الواردة التي تتضمن تفاصيل عن نمط التعذيب وسوء المعاملة ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والمتهمين بارتكاب جرائم ضد أمن الدولة”.

ربما تنظر حكومتنا الحالية بإعجاب إلى قانون الجرائم والعقوبات الإماراتي، الذي يجرم حرية التعبير والتجمع، بل وحتى قوانين الهجرة الجديدة التي ترفض الاعتراف بحق اللاجئين في طلب اللجوء.

كما يعد تغير المناخ مجالًا مشتركاً آخر حيث تجد صحيفة الديلي تلغراف نفسها على نفس الدرجة من سعادة دولة الإمارات التي استهزأت مؤخرًا بمطالب الأمم المتحدة بضرورة أن تبدأ الدول في خفض إنتاج الوقود الأحفوري للوفاء بالتزاماتها كدول موقعة على اتفاقية باريس.

وبحسب بيانات البنك الدولي، فإن الإمارات تتمتع بواحد من أعلى خمسة مستويات في العالم من حيث نصيب الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فلم تشعر الدولة النفطية بالاستياء جراء الطلب الذي وجهه زعيم صحيفة الديلي تلغراف الشهر الماضي لرئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بالتخلي عن “الجدول الزمني للصافي الصفري السخيف”.

كما أن الصحيفة والإمارات لديهما موقف مشترك تجاه الإسلام، قد يبدو هذا أمر غريب للوهلة الأولى، نظراً لأن النقاد يتهمون الصحيفة بالتحيز ضد المسلمين في حين أن دولة الإمارات هي دولة مسلمة.

لكن ما لا شك فيه هو أن الإمارات خصصت الوقت والنفوذ وقدرًا كبيرًا من المال لتشويه سمعة الحركات السياسية الإسلامية التي تعتبرها تهديدًا للدولة، فقد صورت الإمارات “الإسلاميين” على أنهم يشكلون تهديدًا وجودياً للغرب، وغالبًا ما صنفتهم على أنهم إرهابيون، وبالتالي ربطت حلفاءهم الغربيين بشكل أوثق من خلال عدو مشترك.

وفي وقت سابق من هذا العام، كشف تحقيق مميز أجراه ديفيد كيركباتريك في مجلة نيويوركر الدور الذي لعبته دولة الإمارات في تأجيج الإسلاموفوبيا في أوروبا والولايات المتحدة، وكان من بين المؤسسات التي استهدفتها الإمارات هو جمعية الإغاثة الإسلامية الخيرية، والتي خضعت أيضًا للتدقيق في صحيفة الديلي تلغراف.

كما أظهرت مبادرة “الجسر” في واشنطن كيف أن المستبدين العرب، بمن فيهم حكام الإمارات العربية المتحدة، يعتبرون “جميع أشكال الممارسة والتفسيرات الدينية أو السياسية خارج سيطرة الدولة كأشكال من” التطرف”، حيث يسعى هؤلاء المستبدون إلى قمع أي شخص أو حركة تتحدى الوضع الراهن تحت ذريعة الحفاظ على “الاعتدال” و”الاستقرار”.

تحليل مشترك

في حين أن صحيفة التلغراف لديها سجل حافل في نشر قصص غير دقيقة تصور المسلمين من زاوية التعصب، إلا أنها تشترك ايضاً مع أبو ظبي في تحليل مماثل بشكل لافت للنظر، كما يجسد هذا التعايش بينهما أسطورة فليت ستريت، كون كوغلين.

يقوم كوغلين بلعب ثلاثة أدوار، فهو محرر الشؤون الدفاعية والخارجية في صحيفة التلغراف، وهو زميل بارز في غاتستون، وهي مؤسسة بحثية أمريكية تشتهر بنشر نظريات المؤامرة المعادية للإسلام في مقالات مثل “محمد هو مستقبل أوروبا”، و”ألمانيا: هل ينبغي للمهاجرين أن يندمجوا؟ “، كما أنه كان كاتبًا، حتى العام الماضي، في صحيفة The National، الصحيفة الناطقة باللغة الإنجليزية والتي يملكها الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، عضو العائلة المالكة في أبو ظبي ونائب رئيس وزراء الإمارات العربية المتحدة.

في هذه المنتديات الثلاثة، وضع كوغلين تحليلًا للسياسة الخارجية يتناسب تمامًا مع العديد من أهداف وغايات رئيس الإمارات الطموح، محمد بن زايد آل نهيان.

فقد كان كوغلين معارضاً للربيع العربي، وكان في مرحلة ما يلوم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لعدم تمسكه بالرئيس المصري حسني مبارك الذي كان محكوماً عليه بالفشل آنذاك، ولطالما كان مؤيدًا لنظام الاستبداد العميل الذي ترعاه الولايات المتحدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، والذي لعبت فيه الإمارات العربية المتحدة دورًا مركزيًا.

كما كان يدافع، منذ فترة طويلة، عن دولة إسرائيل الحليف الإقليمي الأساسي لدولة الإمارات ودائما ما كان ينتقد إيران، المنافس المحلي للإمارات، وبالتالي فمن الطبيعي أن يكون كوغلين منتقدًا لفترة طويلة لجماعة الإخوان المسلمين، الهدف الرئيسي للإمارات.

العلاقة مع موسكو

تتوافق الغرائز السياسية لدولة الإمارات العربية المتحدة وصحيفة التلغراف إلى حد كبير لدرجة تدفع للتساؤل عن سبب اهتمام الدولة النفطية بالتورط في شراء صحيفة تعكس وجهات نظرها بوضوح تام.

 ربما تكمن الإجابة في القطيعة الأخيرة بين الإمارات العربية المتحدة والغرب بعد غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا، فقد أثار رفض الإمارات العربية المتحدة بشكل قاطع الانحياز إلى جانب روسيا والولايات المتحدة حفيظة المراقبين الغربيين وشكل إهانة بالنسبة لهم، حيث سافر حاكم الإمارات إلى موسكو مرتين خلال الاثني عشر شهر الماضية بينما تلوح في الأفق صفقات أسلحة مع الصين. 

وبالنظر إلى أن الإمارات تعد حليفًا مخلصًا للغرب، سُمح لها بالإفلات دون دفع أي ثمن مقابل تقصيرها فيما يتعلق بتغير المناخ وحقوق الإنسان.

وبينما تلوح في الأفق حرب باردة جديدة، فإن مغازلة موسكو وبكين أصبحت أكثر خطورة، وبات من المؤكد أن امتلاك الإمارات المحتمل لواحدة من أشهر الصحف في العالم، علاوة على صلتها الوثيقة جداً بالمؤسسات السياسية والعسكرية والاستخباراتية البريطانية، سوف يثير اعتراضات.

ربما يساعد هذا في تفسير العرض المالي الغريب الذي يبدو أنه قيد الدراسة، حيث تحاول عائلة باركلي، حسب ما ورد، “استعادة السيطرة على مجموعة التلغراف” بدعم مالي من مجموعة من المستثمرين الإماراتيين المجهولين.

من الناحية النظرية، يمكن لبنك باركليز أن يعود كمالك لصحيفة التلغراف، دون أن يثقل كاهله بأعباء التدقيق التنظيمي الذي لا بد وأن يواجهها أي مالك جديد، ليس فقط نتيجة لاعتبارات المنافسة التقليدية، ولكن أيضاً بسبب نظام الاستثمار الجديد في مجال الأمن القومي في بريطانيا.

التفاصيل ضئيلة في هذه المرحلة، لكن الأمر يشبه بيع نادي مانشستر سيتي لكرة القدم لمستثمرين إماراتيين قبل 15 عامًا، حيث كان المستثمرون الإماراتيون مرتبطين بالعائلة المالكة في أبو ظبي، فالشيخ منصور صاحب المجموعة الاستثمارية هو شقيق حاكم البلاد محمد بن زايد.

لقد حقق شراء مانشستر سيتي نجاحًا باهرًا، حيث انتشلت الإمارات نادياً ضعيفاً تغلب عليه جاره المحلي مانشستر يونايتد، وحولته إلى أعظم فريق كرة قدم في العالم.

الأسئلة العالقة

أحبُ الصحف البريطانية، وعملت لسنوات عديدة في صحيفة الديلي تلغراف بالإضافة إلى الصحيفة الشقيقة لها سبكتاتور، لكن في السنوات الأخيرة، في ظل عائلة باركلي، كنت أخشى، في بعض الأحيان، على هذا الاسم العظيم، الذي يمثل جزءًا قيمًا من معالم المدنية البريطانية.

ونظراً للاستثمارات المالية الضخمة، والتوظيف الذكي، والالتزام العميق بأفضل قيم الصحافة البريطانية، فمن السهل أن نتخيل الملاك الإماراتيين الجدد وهم يكررون نجاحهم التاريخي في مانشستر سيتي ويحولون صحيفة التلغراف مرة أخرى إلى الصحيفة العظيمة التي كانت عليها من قبل.

لكن هذا يتطلب اتباع سياسة تحريرية حرة دون تدخل من الجهات الرسمية.

لنتذكر أن التلغراف تتمتع بإرث رائع، حيث ظهرت الصحيفة لأول مرة في عام 1855 حين وضع محرر الصحيفة، العقيد آرثر سلي، في الطبعة الأولى المبادئ التي ستحكم صحيفته: “سوف نعمل بدرجة عالية من الاستقلالية”.

وتظل الأسئلة قائمة حول ما إذا كان يمكن للصحيفة أن تطمح إلى مثل هذه المستويات في ظل ملكية دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي الدولة التي تحتل المرتبة 119 في مؤشر حرية الصحافة العالمي.

لا يوجد في تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة الممتد على مدى 50 عاماً كدولة مستقلة الكثير ليدفع للتفاؤل بأن حرية الصحافة تأتي على رأس قائمة الأولويات الوطنية، ولكن حيثما توجد حياة يوجد أمل.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة