الفظائع الإسرائيلية ليست بجديدة… الجديد الوحيد هو حجم الجرائم وليس طبيعتها

بقلم جوزيف مسعد 

ترجمة وتحرير مريم الحمد

قد يرى الكثيرون أن العدوان الإسرائيلي المستمر والمتزامن في كل من غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا واليمن وإيران استثنائي وغير مسبوق، وكأن الهجمات الإسرائيلية على المطارات والمستشفيات والمدارس والملاجئ هي من صنع قيادة يمينية متطرفة يقودها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ولم ترتكبها إسرائيل قبل ذلك!

ما كشفه العام الأخير هو أن حجم التدمير الإسرائيلي، وليس نوعها، هو الأمر المتصاعد والمتزايد بسرعة، فإذا كان الصهاينة قد قتلوا 13 ألف فلسطيني في عام 1948، وإسرائيل قتلت 18 ألف فلسطيني ولبناني في عام 1982، فإن الإبادة الجماعية الحالية قد زاد فيها عدد الفلسطينيين واللبنانيين الذين تم إبادتهم 10 أضعاف!

وبالمثل، يُنظر إلى عنف المستوطنين في الضفة الغربية واقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى على أنها استفزازات وانتهاكات جديدة لم تكن الحكومات الإسرائيلية العقلانية السابقة لتسمح بها أبداً أو على الأقل كانت تسعى إلى الحد منها!

الحقيقة هي أن أياً من ذلك ليس صحيحاً، فعلى الرغم من أن حجم الإبادة الجماعية في غزة، والتي قد تكون أودت بحياة نحو 200 ألف إنسان وفقاً للتقديرات الأخيرة، لم يسبق له مثيل بالفعل، إلا أن مثل هذه الفظائع روتينية لدى كل الحكومات الإسرائيلية.

سوابق مروعة

لقد ارتكب قادة حزب العمل الإسرائيلي جرائم حرب وجرائم مماثلة ضد الإنسانية في سنوات حكمهم، بل الحقيقة هي أن الفظائع لم تتوقف منذ أن وقعت شعوب العالم العربي ضحية لإجرام الإسرائيليين منذ تأسيس المستعمرة الاستيطانية المفترسة ذات التفوق اليهودي.

هناك أمثلة عديدة على مثل هذه السوابق المروعة، فبعد حرب عام 1967، قامت إسرائيل بقمع الاحتجاجات ضد احتلالها في 3 دول عربية، حيث هاجم المحتلون الإسرائيليون الناس في غزة والضفة الغربية ومرتفعات الجولان وسيناء يومياً، وأطلقوا النار على المحتجين وقتلوهم وضربوهم واعتقلوهم ودمروا الآلاف من منازلهم.

قام الإسرائيليون أيضاً بهدم حي المغاربة القديم في القدس بالكامل في ذلك الوقت، ثم قاموا بتسوية قرى فلسطينية بأكملها بالأرض، بما في ذلك قرية الشيوخ في منطقة الخليل، والنصيرات والجفتلك من بين قرى أخرى في وادي الأردن، بالإضافة إلى قرى بانياس وجباتا وكفرحريب والنخيلة وغيرها في هضبة الجولان، حيث كانت قد دمرت جميعها في النصف الأخير من عام 1967 وحده!

أما في الضفة الغربية المحتلة، فقد استخدم المحتلون الإسرائيليون المواد الكيميائية عام 1972 في قرية عقربا قرب نابلس، حيث صادروا 100 ألف دونم من الأراضي، ولم يبق للفلاحين الفلسطينيين سوى 6000 دونم، ومع رفض الفلسطينيين بيع الأراضي المتبقية، قامت طائرة بايبر إسرائيلية برش حقولهم بالمواد الكيميائية، مما أدى إلى تدمير 200 هكتار من الأراضي المزروعة بالقمح “لتلقين هؤلاء القرويين درساً قاسياً”.

في عام 1972 أيضاً، طردت إسرائيل عشرة آلاف مصري من سيناء، التي كانت قد احتلت آنذاك، بعد مصادرة أراضيهم عام 1969، ومضى الإسرائيليون في تجريف وتدمير منازلهم ومحاصيلهم ومساجدهم ومدارسهم من أجل إنشاء 6 كيبوتسات و9 مستوطنات يهودية ريفية، ومستعمرة باسم ياميت.

قتل العرب

في نفس الوقت، كان الإسرائيليون منشغلين بقصف الدول العربية المجاورة وارتكاب المجازر، ففي نوفمبر عام 1967، قاموا بقصف مخيم اللاجئين الفلسطينيين في الكرامة داخل الأردن بما في ذلك مدرسة بنات وقتلوا 14 شخصاً من بينهم 3 تلميذات ومعلم، وفي فبراير عام 1968، قاموا بقصف المعسكر مرة أخرى، وأصابوا مدرسة البنين هذه المرة، مما أسفر عن مقتل 14 شخصاً آخرين.

لقد هاجمت الطائرات الإسرائيلية بقنابل النابالم أكثر من 15 قرية ومخيماً للاجئين الأردنيين على طول نهر الأردن، فقتلت 56 شخصاً فيما نزح أكثر من 70 ألف شخص إلى عمان كلاجئين.

في يونيو من عام 1968، أطلقت إسرائيل صواريخاً على مدينة إربد في الأردن فقتلت 30 شخصاً، كما قصفت مدينة السلط الأردنية بقنابل النابالم مما أسفر عن مقتل 28 آخرين، وفي الأشهر الخمسة الأخيرة من عام 1969، كانت إسرائيل قد قتلت ما يزيد عن 69 أردنياً في غارات جوية.

في فبراير من عام 1969، قامت إسرائيل بقصف سوريا أيضاً، مما أسفر عن مقتل 9 مدنيين، حيث استهدفت الغارات قرى مثل مجدل السلوم وميسلون وحاصبيا، وبلغت ذروتها بالقصف الإسرائيلي على 7 قرى سورية، مما أدى إلى مقتل 200 شخص في سبتمبر 1972 وحده.

طوال هذه الفترة، كانت إسرائيل مشغولة أيضاً بقصف مصر، ففي سبتمبر عام 1967، قتل جراء القصف الإسرائيلي 44 مصرياً في بور توفيق بالسويس، و 36 آخرون في الإسماعيلية.

جرائم الحرب هذه هي في الواقع استراتيجية أصيلة في النظام الاستعماري الاستيطاني الذي يحكم إسرائيل منذ تأسيسها، والأمر الجديد الوحيد هو حجم الجرائم وليس طبيعتها

وفي يوليو عام 1968، استهدفت المدفعية الإسرائيلية مدينة السويس مرة أخرى، مما أسفر عن مقتل 43 مصرياً، وفي الإسماعيلية وحدها، بين عامي 1967 ومارس 1970، قتلت إسرائيل 600 شخص ونزح ما يقرب من مليون شخص من مدن قناة السويس، ثم واصلت إسرائيل قصف مدينة المنصورة المصرية، مما أسفر عن مقتل 12 شخصاً في مارس عام 1970.

لم يكن هذا كل شيء، فقد ارتكب الإسرائيليون اثنتين من أسوأ المجازر في فبراير عام 1970، عندما قصفوا مصنعاً للخردة في أبو زعبل بقنابل النابالم، مما أسفر عن مقتل 70 عاملاً، وفي أبريل عام  1970، قتل 46 طفلاً في قصف مدرسة ابتدائية في منطقة بحر البقر.

من جانب آخر، فقد تزايدت الغارات الإسرائيلية على القرى اللبنانية في عام 1970، حيث شملت قرى مثل كفركلا وبنت جبيل، مما أسفر عن مقتل عشرات المدنيين، وتزايدت الغارات الجوية الإسرائيلية في عام 1972، خاصة في شهري فبراير وسبتمبر من ذلك العام، مما أسفر عن مقتل 58 مدنياً.

قبل ذلك كله، كان القصف الإسرائيلي قد وصل اليمن، ففي وقت سابق من الستينيات وخاصة بين عامي 1964 و 1966، كانت طائرات القوات الجوية الإسرائيلية مشغولة بالتحليق فوق اليمن وإسقاط الأسلحة والذخيرة للقوات الملكية المدعومة من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية ضد الثوار الجمهوريين في اليمن خلال الحرب الأهلية في اليمن.

أما في إيران، التي كان زعيمها الشاه حليفاً وثيقاً لإسرائيل، فكانت إسرائيل تساعده في قمع الشعب الإيراني بكل الطرق الممكنة، حيث تؤكد وثائق رسمية إسرائيلية أنه في أغسطس من عام 1967، كانت هناك “شراكة وثيقة وودية وعملية بين جيش الدفاع الإسرائيلي وأجهزة الأمن ونظرائهم الإيرانيين، مع تنفيذ مشترك للبرامج والمهام ذات الأهمية الوطنية، وزيارات متبادلة للقوات المسلحة وكبار مسؤولي الجانبين”.

إضافة إلى ذلك، فقد قام الإسرائيليون في وقت لاحق بتدريب الشرطة الإيرانية في إسرائيل، وكانت علاقتهم وثيقة بجهاز المخابرات السري التابع للشاه، السافاك، والذي كان مخصصاً لاضطهاد جميع المنشقين الإيرانيين.

الشراسة الإسرائيلية

لقد كانت المستشفيات دائماً هدفاً عسكرياً إسرائيلياً، فأثناء الغزو الوحشي الذي شنته إسرائيل على القدس الشرقية عام 1967، قامت بقصف مستشفى أوغستا فيكتوريا عمداً بقنابل النابالم، بزعم  استخدام الجيش الأردني للمستشفى، وفي عام 1982، قصفت إسرائيل مستشفى غزة في مخيم اللاجئين في بيروت.

أما بالنسبة للمطارات، فقد قصفت إسرائيل المطارات المدنية الرئيسية في دمشق وعمان خلال احتلالها عام 1967، كما قصفت مطار بيروت الدولي في ديسمبر عام 1968 ودمرت 13 طائرة ركاب مدنية تبلغ قيمتها حوالي 44 مليون دولار في ذلك الوقت، بالإضافة إلى حظائر الطائرات ومنشآت المطار الأخرى، كما قصفت ضواحي مطار القاهرة الدولي عام 1970، 

وفي عام 1973، أسقطت طائرة مدنية ليبية، مما أسفر عن مقتل 106 ركاب كانوا على متنها.

تؤكد الأمثلة الكثيرة في هذا المقال على الحقد والعنف الذي حملته وما زالت إسرائيل تجاه كل من الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين واليمنيين، ولهذا فإن ما حصل خلال العام الأخير لم يكن إلا استمراراً  لعدوان إسرائيلي طويل الأمد ضد الفلسطينيين والعرب بشكل عام.

لم تكن الفظائع السابقة المذكورة من أعمال حزب يميني متطرف، بل ارتكبها ما يسمى بحزب العمل “التقدمي” ورؤساء وزرائه ليفي أشكول ويجال ألون وجولدا مائير، كما أن التفاصيل المذكورة أعلاه ليست سوى بعض من الفظائع التي ارتكبتها إسرائيل خلال فترة تاريخية قصيرة، فالأعمال العدائية الإسرائيلية والفظائع التي ارتكبها المستعمرون الصهاينة تعود في الحقيقة إلى بداية الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في نهاية القرن 19.

بناء على ذلك، فإن ما كشفه العام الأخير هو أن حجم التدمير الإسرائيلي، وليس نوعها، هو الأمر المتصاعد والمتزايد بسرعة، فإذا كان الصهاينة قد قتلوا 13 ألف فلسطيني في عام 1948، وإسرائيل قتلت 18 ألف فلسطيني ولبناني في عام 1982، فإن الإبادة الجماعية الحالية قد زاد فيها عدد الفلسطينيين واللبنانيين الذين تم إبادتهم 10 أضعاف!

رغم العدد المخيف، إلا أن ذلك لم يغير من طبيعة عدوانية المستعمرة الاستيطانية أو وحشيتها أو استراتيجياتها، فالفرق الوحيد الملحوظ هو الفرق في الدرجة وليس النوع

أعتقد أن على أولئك الذين يريدون وضع هذه الجرائم على عتبة نتنياهو أو حتى حزب الليكود الذي يتزعمه، أن يراجعوا بعضاً من هذا التاريخ، فجرائم الحرب هذه هي في الواقع استراتيجية أصيلة في النظام الاستعماري الاستيطاني الذي يحكم إسرائيل منذ تأسيسها، والأمر الجديد الوحيد هو حجم الجرائم وليس طبيعتها.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة