الفلسطينيون الذين قتلوا في مجزرة النصيرات لا وجود لهم في إعلام الغرب العنصري الاستعماري!

بقلم لينا السعافين

ترجمة وتحرير مريم الحمد

إن تفاصيل العملية العسكرية الأمريكية الإسرائيلية المشتركة، والتي قتل وجرح فيها ما يقرب من 1000 فلسطيني في مخيم النصيرات للاجئين، لا تكاد تحمل لا معاني البطولة ولا الدقة التي وصفت بها في عناوين وسائل الإعلام الغربية على صفحاتها الأولى.

الحقيقة أنه عالم بائس، حيث أن القتل الموثق بالصورة فيه لما لا يقل عن 50.000 رجل وامرأة وطفل في غضون 8 أشهر، لا يكفي كسبب لتحريك الأوساط الحاكمة في الشمال العالمي، فالجريمة يتم غفرانها ببساطة في حال عالم اعتبر المهمة التي تدمر حياة مئات المدنيين لاستعادة أربعة أسرى سبباً للاحتفاء!

“عملية إنقاذ 4 إسرائيليين على حساب بضع مئات من الفلسطينيين هي عنصرية استعمارية خالصة، فلا يوجد سبب للابتهاج بحقيقة أنه كان لا بد من قتل 274 فلسطينياً بوحشية حتى يتمكن هؤلاء الأسرى الإسرائيليون الأربعة، الأصحاء على عكس الهياكل العظمية للفلسطينيين المفرج عنهم من السجون الإسرائيلية، من العودة إلى عائلاتهم” مايا مكداشي، محررة مجلة “جدلية”

الأسوأ من ذلك، هو حذف وجود 274 فلسطينياً قُتلوا و698 جريحاً في مذبحة مخيم النصيرات للاجئين عن عمد من التغطية الإخبارية، أو الاعتراف بهم إما كفكرة لاحقة في عنوان رئيسي أو بشكل غامض في عنوان فرعي على أحسن تقدير!

لو توقفنا عند غلاف صحيفة نيويورك تايمز، وهي الصحيفة التي دمرت ما تبقى من مصداقيتها لصالح الدعاية الإسرائيلية، فقد عرضت بفخر عنوانها الرئيسي “الجيش الإسرائيلي يحرر 4 رهائن في مهمة في غزة”، مصحوباً بصورة لأسير إسرائيلي يبتسم ومحاط بالجنود المنتصرين، في حين جرى ذكر الفلسطينيين في هامش الخبر.

على ذات النهج تسير بي بي سي ورويترز، حيث اختارت بي بي سي عنوان  “تحرير 4 رهائن إسرائيليين في غارة على وسط غزة” ورويترز عنوان “القوات الإسرائيلية تنقذ 4 رهائن أحياء من غزة”.

أما شبكة “سي إن إن”، فقد اختارت التركيز على الأمور اللوجستية بدلاً من الخسائر الجماعية، بعنوان “استغرقت العملية الإسرائيلية لإنقاذ 4 رهائن أسابيع من التحضير”، فيما كانت صحيفة واشنطن بوست أكثر صراحة في لهجتها، باختيار عنوان “يوم نادر من الفرح في ظل إراقة الدماء مع إنقاذ 4 رهائن أحياء”، وفي العنوان الرئيسي الثاني: “تم إنقاذ الرهائن الإسرائيليين 4 أحياء”، بينما تمت إضافة عدد الفلسطينيين الذين قتلوا في الحاشية!

لدينا أيضاً صحيفة “صنداي تايمز”، التي كتبت وكأنها كانت تصف حبكة لفيلم أكشن في هوليوود: “عملية جريئة تعيد غزة لتكون رهينة لدراجة نارية”، وفي الصفحة التالية: “ضربة جراحية ومعركة شرسة بالأسلحة النارية واحتفالات كسرت هدوء يوم السبت”، أما المذبحة التي خلفتها هذه “الضربة الجراحية”، وجثث الفلسطينيين المشوهة في شوارع السوق، فقد تم حذفها بالكامل!

تجريد قبيح من الإنسانية 

لم يعد هذا القبح مستغرباً في وسائل الإعلام الغربية، فقد بات من المتوقع من وسائل الإعلام تلك ذكر الفلسطينيين بصيغة المبني للمجهول.

وفي هذا الإطار، فقد تفوقت الغارديان على نفسها حين كتبت: “إسرائيل تنقذ 4 رهائن فيما تؤدي الهجمات القريبة إلى مقتل 93 فلسطينياً”، حيث يتركنا عنوان كهذا للتعجب من التفكك الصارخ والفجوة الواسعة في السردية، فعن أي هجمات نتحدث؟ ومن نفذها؟ وما معنى “قريب” في هذا السياق؟!

بطبيعة الحال، لم تكن هذه العناوين مفاجئة بل هي نتاج لعقود من لتجريد قبيح تفشى من الإنسانية، فلم يأتِ البيان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية حول العملية على أي ذكر للفلسطينيين الذين قتلوا، لأن الجثث الملونة لا تهم مصالحها الإمبريالية ببساطة.

تعليقاً على ذلك، تقول الأكاديمية ومحررة مجلة “جدلية”، مايا مكداشي، أن عملية إنقاذ 4 إسرائيليين على حساب بضع مئات من الفلسطينيين هي “عنصرية استعمارية خالصة، فلا يوجد سبب للابتهاج بحقيقة أنه كان لا بد من قتل 274 فلسطينياً بوحشية حتى يتمكن هؤلاء الأسرى الإسرائيليون الأربعة، الأصحاء على عكس الهياكل العظمية للفلسطينيين المفرج عنهم من السجون الإسرائيلية، من العودة إلى عائلاتهم”.

لم يكن من الضروري قتل أي شخص على أية حال، حيث أفادت التقارير أن حماس عرضت إطلاق سراح الأسرى المدنيين في أكتوبر مقابل عدم قيام الجيش الإسرائيلي بغزو بري لقطاع غزة.

لم يكن توقيت هذه العملية  من قبيل الصدفة، بل ظهر وكأنه غطرسة مطلقة للتسبب عمداً في أكبر عدد من الضحايا بين المدنيين الفلسطينيين، فقد قصفت الطائرات الحربية السوق المزدحمة خلال النهار لفتح الطريق أمام القوات الأمريكية الإسرائيلية بمجرد اكتشافها

بحسب المتحدث باسم الجناح العسكري لحركة حماس، أبو عبيدة، فإن العملية التي وصفها بأنها “جريمة حرب مركبة” أدت أيضاً إلى مقتل عدد قليل من الأسرى الإسرائيليين الآخرين، لكنه لم يحدد ظروفهم أو عددهم، وأضاف أن “العدو تمكن من استعادة بعض الأسرى من خلال ارتكاب مجزرة مروعة، لكنه قتل عدداً منهم في هذه العملية”.

ما من شك في أن استخدام القوة العسكرية الفتاكة ليس هو الطريق الأفضل لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، فقد تم إطلاق سراح غالبية الأسرى الإسرائيليين، 105 منهم من خلال هدنة مؤقتة شهدت أيضاً إطلاق سراح أسرى فلسطينيين في نوفمبر الماضي. 

أما الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، فقد أدت إلى مقتل عدد غير معروف من الأسرى الإسرائيليين، ومع ذلك، فإن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يفتخر بهذه الإبادة الجماعية، مع كوادر حكومته المتطرفة، فقد كانوا دائماً صريحين في التعبير عن نواياهم، حيث أن الأمر لا يتعلق مطلقاً بإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين ولا بأمن إسرائيل!

تدمير غزة

لطالما كان الأمر  يتعلق بتدمير قطاع غزة وتقليص عدد سكانه وتهجير من تبقى منهم قسراً، وذلك تماشياً مع رؤية مستعمرة استيطانية توسعية.

إن الناظر في تفاصيل الكيفية التي تم فيها تنفيذ مهمة الإنقاذ المزعومة هذه، بدعم ومشاركة كاملين من الولايات المتحدة، هي تفاصيل سخيفة جداً، فقد اختار الجنود التنكر داخل مركبتين، بما في ذلك شاحنة مساعدات إنسانية، وهي جريمة ضد حقوق الإنسان وعمل غدر صارخ اتهم الغرب حماس مراراً وتكراراً بالقيام بها دون تقديم أي دليل موثوق. 

يروي الفلسطيني عبد الله جودة، طالب الصيدلة الذي يبلغ من العمر 23 عاماً والذي نزح 4 مرات، كيف أنه بعد أن سمع جلبة في الشارع، فتح الباب فواجه الشاحنة وجهاً لوجه، حتى أن أحد أفراد القوات الخاصة رآه بعينه، حيث كتب عبد الله على موقع X: “كان الناس يخرجون من الشاحنة وهم يرتدون ملابس سوداء وعصابات القسام ملفوفة حول رؤوسهم، للحظة، شعرت وكأنني في فيلم أمريكي، بدا المشهد وكأن أهوال يوم القيامة قد بدأت”.

يروي عبد الله كيف احتمت العائلة في أحد جوانب المنزل، بينما كان الرصاص ينهمر حولهم دون توقف لمدة 30 دقيقة، في حين بقيت الشاحنة في مكانها قبل أن تستهدفها النيران المغطاة بصاروخ إف 16، ما أدى إلى تهشم زجاج نوافذ المنزل وإصابة الجميع، فقد كتب عبد الله: “ثم نزلنا إلى الشارع وعندما وصلنا إلى نهايته، دمروا المبنى بالكامل، لن أنسى أبداً تفاصيل هذا اليوم المهم”.

ليس هذا القتل المستمر والهمجية المبتكرة سوى واجهة جبانة لحماية ما هو واضح بشكل صارخ، وهو أن بايدن ونتنياهو يندفعان نحو الهاوية، فالآثار المترتبة على إطالة أمد هذه الإبادة الجماعية سوف يكون لها نتائج عكسية على مصالحهما عاجلاً غير آجل

لم يكن توقيت هذه العملية  من قبيل الصدفة، بل ظهر وكأنه غطرسة مطلقة للتسبب عمداً في أكبر عدد من الضحايا بين المدنيين الفلسطينيين، فقد قصفت الطائرات الحربية السوق المزدحمة خلال النهار لفتح الطريق أمام القوات الأمريكية الإسرائيلية بمجرد اكتشافها، كما أن شاحنة المساعدات انطلقت أيضاً مما يسمى برصيف المساعدات الأمريكي العائم، رمز الاحتلال غير المقنع والذي أثبت يوم السبت أخيراً أن المتشككين كانوا على حق عندما كشفوا عن أنها منشأة عسكرية إسرائيلية مشتركة!

ليس هذا مفاجئاً بأية حال، فهو يعزز حقيقة أنه رغم قيام إسرائيل بهذا العدوان الوحشي ضد الفلسطينيين، إلا أنهم مجرد جنود في إبادة تمولها الولايات المتحدة وتدفع ثمنها.

إطالة أمد الإبادة الجماعية 

يستطيع الرئيس الأمريكي جو بايدن، وهو صهيوني متحمس، أن ينهي هذا الكابوس الذي يعيشه 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة بمكالمة هاتفية بسيطة، ولكنه رفض خلال الأشهر الثمانية التي مضت فرض أي نتيجة على الحكومة الإسرائيلية.

بايدن مستمر في تشجيع استمرار الإبادة الجماعية على الأرض في حين يستخدم خطاباً مزدوجاً في الدعوة إلى وقف إطلاق النار، فوجود  إسرائيل ودورها كأحد الأصول الإمبراطورية أهم لديه من حياة أي فلسطيني. 

وفقاً للمسؤول السابق في وزارة الخارجية، آرون ديفيد ميلر، فإنه “ليس هناك شك في أن بايدن لا يحمل نفس العمق من المشاعر والتعاطف تجاه الفلسطينيين كما يحمله للإسرائيليين”.

لهذا السبب، فإن الصور المروعة لدماغ الصبي المكشوف في غزة لا تحرك ساكناً في أولئك الذين يقفون وراء الإبادة الجماعية في غزة، ولهذا السبب أيضاً، فإن الشهادات المروعة عن مذبحة النصيرات من الناجين الذين شهدوا اقتحام القوات الإسرائيلية الأمريكية منازلهم لإعدام أفراد عائلاتهم بدم بارد، بالكاد تسجل في النهج الأمريكي تجاه العنف. 

ليس هذا القتل المستمر والهمجية المبتكرة سوى واجهة جبانة لحماية ما هو واضح بشكل صارخ، وهو أن بايدن ونتنياهو يندفعان نحو الهاوية، فالآثار المترتبة على إطالة أمد هذه الإبادة الجماعية سوف يكون لها نتائج عكسية على مصالحهما عاجلاً غير آجل.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

 

مقالات ذات صلة