بقلم مها الحسيني
ترجمة وتحرير مريم الحمد
بالعناق والدموع، احتضنت إيمان أبو حصيرة عائلتها أخيراً، بعد رؤيتهم للمرة الأولى منذ ما يقرب من شهر، مع دخول الهدنة حيز التنفيذ في غزة، تقول إيمان “لم أكن أعتقد أنني سوف أراهم مرة أخرى”.
تعيش ايمان في حي النصر في مدينة غزة على بعد دقائق من منزل والديها في حي الشيخ رضوان، مسافة قصيرة تحولت إلى طويلة بسبب القصف الإسرائيلي وانقطاع الاتصالات من حين لآخر، وعندما دخلت الهدنة حيز التنفيذ، لم يكن في عقلها سوى وجهة واحدة.
تقول إيمان “أخذت أطفالي وذهبت للنوم في منزل عائلتي، كما ذهب زوجي لزيارة عائلته أيضًا للمرة الأولى منذ حوالي شهر، ونمت في منزل عائلتي لمدة يومين ثم انضممت إلى زوجي”.
وتعد إيمان من بين أكثر من 2 مليون فلسطيني في غزة، أدى الحصار والغزو البري والقصف إلى قلب حياتهم 2.1 رأساً على عقب، فقتل ما لا يقل عن 15 ألف وأصيب أكثر من 36 ألف آخرين وتشرد ما يقرب من 1.7 مليون شخص، وحظر دخول السلع التجارية والمساعدات، رافقها تقييد الحركة بين المناطق المختلفة بسبب تواجد القوات الإسرائيلية على الأرض في بعض المناطق، وزاد الأمر صعوبة بقطع الكهرباء والاتصالات.
في ظل هذه الظروف الخانقة، فقد الكثيرون الاتصال بأحبائهم، فما إن تم الاتفاق على هدنة، حتى تنفس الفلسطينيون الصعداء ولو لفترة قصيرة ليتجمعوا مع أحبابهم مرة أخرى، وبعد أن كانت الهدنة 4 أيام تم تمديدها إلى 6 أيام، لتدخل المزيد من المساعدات ويحظى الغزيون بوقت إضافي مع أحبابهم بهدوء وإن كان مؤقتاً.
“أكثر الساعات رعباً”
خلال الأيام الأولى من القصف، كانت إيمان لا تزال قادرة على زيارة عائلتها رغم المخاطر، وعن ذلك تقول إيمان “تركت أطفالي مع والدهم في المنزل لأنني كنت أعلم أنني يمكن أن أستشهد في أي لحظة في طريقي إلى هناك”، لكن بعد الأسبوع الرابع، زاد الخطر بشكل كبير، فقد كان “القصف جنونياً” على حد وصفها، وبدأت قوات الاحتلال بالتقدم نحو بعض الأحياء.
كانت إيمان تخاف على والدها خاصة أنه مريض بالسرطان يعتمد على مساعدتها، ومع بدء التوغل البري الإسرائيلي، زادت الأمور سوءاً، ولم تتمكن إيمان من الاتصال بأهلها أو إرسال رسالة نصية أو رؤية عائلتها لمدة 3 أيام حين انقطع التيار الكهربائي بالكامل.
كانت تلك “أكثر الساعات رعباً” على حد وصفها، تقول “لم أكن أعرف إذا كان والدي وإخوتي ما زالوا على قيد الحياة أم استشهدوا، لم أكن أرغب بمجرد تخيل ما قد يحدث لي إذا قُتلوا دون أن أكون بالقرب منهم”، وعند تذكر أن الهدنة مؤقتة وسوف تنتهي قريباً تقول ” لا أعرف متى سوف أراهم مرة أخرى”.
“لم أرَ أمي ولو لمرة واحدة”
بعد أيام القصف الأولى، أمر الجيش الإسرائيلي سكان مدينة غزة وشمال قطاع غزة بالتحرك قسراً نحو الجنوب، ومع ذلك فقد قام بقصف الأشخاص في تلك المناطق المصنفة على أنها “آمنة”!
غادرت هدى غلاييني منزلها في شمال القطاع في 13 أكتوبر مع زوجها وأطفالها، إلى منطقة الزويدة وسط القطاع، ظناً منها أن تلك المنطقة أكثر أماناً من منطقتها، فيما لجأ والداها وإخوتها إلى منزل أحد الأقارب في خان يونس جنوب قطاع غزة.
رغم وجودهم في الجنوب “الآمن”، إلا أن هدى لم تتمكن من زيارة والديها ولو لمرة واحدة، تقول هدى “اعتقدنا أن الاحتلال سيستهدف فقط أماكن في مدينة غزة، لكن ذلك لم يكن صحيحاً، فقد تم استهداف معظم الأحياء هنا ونحن لم نعد نشعر بالأمان، هذا هو السبب وراء عدم تمكني من زيارة عائلتي طوال هذه الأيام”.
وتضيف هدى “جاء والدي لرؤيتي 3 مرات، لكنه لم يمكث سوى بضع دقائق ليعود إلى أمي وإخوتي”، أما بعد الهدنة، فقد شعرت هدى بالأمان أخيرًا، ذهبت لزيارة عائلتها، ولكنها لم تشبع بعد، على أمل امتداد الهدنة وتكرار الزيارة.
تقول هدى “من يصدق أنني أنا، التي كنت أزور والدي كل يومين، لن أتمكن من رؤيتهما لمدة 50 يومًا تقريبًا؟ لا أعرف ماذا سأفعل الآن بعد انتهاء الهدنة، إذا قضيت 50 يوماً أخرى دون رؤيتهم، فقد أصاب بالجنون”.
أما شقيق هدى، فقد رفض الانصياع لأوامر الإخلاء وبقي في الشمال، حاله حال آلاف آخرين يرون أنه لا توجد ملاجئ في الجنوب ولا ضمانات بالسلامة والعودة، ففي اليوم الثاني من التهدئة، قامت قوات الاحتلال بإلقاء منشورات على سكان المناطق الجنوبية، تحذرهم فيها من العودة إلى مدينة غزة وشمال القطاع، بل وتهددهم بالاستهداف في حال حاولوا العودة، فقد جاء في المنشور أن “الحرب لم تنته بعد”.
ولا تزال آلاف العائلات المهجرة التي تقيم حاليًا في مناطق وسط وجنوب القطاع، غير قادرة على العودة، تقول هدى “أتصل بأخي كل يوم تقريباً، لكن لا أستطيع رؤيته، فهو يرفض مغادرة منزله خوفاً من عدم تمكنه من العودة أبداً، أخشى أني لن أتمكن من رؤيته حتى تنتهي الحرب ويسمح لنا بالعودة إلى منازلنا”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)