الفلسطينيون يعانون… والصهاينة الليبراليون يتقمصون دور الضحية!

بقلم عبد أبو شحادة

ترجمة وتحرير مريم الحمد

بعد أقل من عام على احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء، نشر الفيلسوف اليهودي يشعياهو ليبوفيتش مقالاً بعنوان “الأراضي”، انتقد فيه قيام الاحتلال الإسرائيلي بفرض النظام العسكري على ملايين الفلسطينيين، حتى استخدم في مقاله الشعار الذي أصبح أساساً لحجج العديد من الصهاينة الليبراليين بعد ذلك: “الاحتلال يفسد”.

من خلال تلك العبارة، أصبح الصهاينة الليبراليون ينظرون إلى جرائم الاحتلال  على أنها أعمال تفسد أخلاقهم في المقام الأول، بدلاً من الالتفات إلى إضرارها بحياة الآخرين، وبهذا المعنى، فإن الفلسطينيين ليسوا أشخاصاً بل هم خلفية لقصة يرويها الصهاينة الليبراليون عن أنفسهم. 

هذا العصر هو ذاته الذي عارض فيه الغرب بشدة الغزو الروسي لأوكرانيا، ونفذ عقوبات اقتصادية ضد موسكو، ولكن في الوقت نفسه، فقد دافع عن إسرائيل حتى حين قصفت المستشفيات والمدارس في غزة!

عندما يموت فلسطيني، فإنهم يعتبرون أنفسهم الضحية الحقيقية، وكما قالت رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة غولدا مائير ذات مرة: “يمكننا أن نغفر للعرب قتلهم أطفالنا، لكن لا يمكننا أن نسامحهم على إجبارنا على قتل أطفالهم”، وبهذا المنطق الملتوي، فإن الإسرائيليين حتى في قتلهم للأطفال الفلسطينيين، يقدمون أنفسهم كضحية!

يلقي هذا الإطار الضوء على الانتقادات الدولية المحيطة بالزيارة الأخيرة التي قام بها وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا إلى سوريا، فسوريا، التي دفعت ثمناً غير مسبوق في كفاحها لتخليص نفسها من نظام الأسد، شهدت قتل مئات الآلاف ونزوح ملايين اللاجئين، وانهياراً اقتصادياً وغرف تعذيب للرجال والنساء والأطفال، ولا يزال مستقبلها مجهولاً.

التركيز على مصافحة

لقد اختارت وسائل الإعلام الغربية تجاهل هذه القضايا، وركزت بدلاً من ذلك على السبب وراء عدم مصافحة الزعيم السوري الجديد أحمد الشرع لوزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك.

وبذلك أصبحت المرأة الغربية البيضاء هي محور القصة المركزية مرة أخرى، بدلاً من النساء السوريات اللاتي تحملن الجحيم في سجون نظام الأسد والأطفال المولودين في مراكز الاعتقال ولم يعرفوا الحرية قط. 

تحولت الرواية إلى الحديث عن سياسية ألمانية ربما جرحت مشاعرها بسبب رفض مصافحتها، لنظل سكان الجنوب العالمي مجرد شخصيات خلفية في القصص التي يرويها الغربيون البيض عن أنفسهم.

في خضم الإبادة الجماعية المستمرة، فإن كل نقاش معنا كفلسطينيين يتطلب منا أن نقترح حلولاً تتمحور حول رفاهية الصهاينة، في إطار مستساغ للقيم الغربية وقادر على حل العلاقة بين اليهودية والغرب، وحتى ذلك الوقت لا ضير من أن يستمر قتل العرب!

إن المناقشات حول حقوق المرأة وحقوق الطفل وحرية العبادة هي مجرد أدوات يستغلونها لخدمة مصالحهم في المنطقة، وبهذا نفهم دفاع بيربوك وتبريرها للإبادة الجماعية في غزة، فقد واصلت دعم “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” طوال هذه الإبادة الجماعية، التي دخلت الآن عامها الثاني، فكيف تدعي أنها تهتم بحقوق المرأة في مناطق معينة فيما تؤيد القتل الجماعي الذي تتعرض له نفس المرأة في أماكن أخرى؟!

يمكن تفسير ذلك فقط من خلال العدسة الغربية التي ترى الجنوب العالمي بمثابة ملعب للخطاب الغربي الليبرالي، يتم فيه استغلال المؤسسات الدولية والنفوذ الاقتصادي والقوة العسكرية لتعزيز مصالح الغرب.

إن صهيونية بيربوك هي انعكاس مأساوي للإنسانية في القرن 21، والتي أصبحت فيها حياة شعوب الجنوب العالمي بلا معنى على خلفية الأجندات الاقتصادية والسياسية الغربية، فكل خطاب حول حقوق الإنسان في العالم يبدو أخوف اليوم!

رسالة واضحة

هذا العصر هو ذاته الذي عارض فيه الغرب بشدة الغزو الروسي لأوكرانيا، ونفذ عقوبات اقتصادية ضد موسكو، ولكن في الوقت نفسه، فقد دافع عن إسرائيل حتى حين قصفت المستشفيات والمدارس في غزة!

تبدو الرسالة واضحة اليوم في عالم تحكمه العولمة ويمكن فيه الوصول إلى المعلومات، وهي أن أولئك الذين يمارسون العنف قادرون على فرض إرادتهم دون عواقب ما دامت المصالح الغربية غير متأثرة بل ويتم تصويرها على أنها القصة المركزية.

وهنا أستحضر كلام الشاعر محمود درويش الذي وصف الأمر ببراعة حين قال: “نحن الفلسطينيون مباركون وملعونون في آن واحد بسبب صراعنا مع الحركة الصهيونية، وهي الحركة التي تتحدث باسم اليهودية، التي عانت هي نفسها من المحرقة وتحمل في طياتها حسابات لم تحل في الوعي الغربي”. 

والحقيقة أن هذه اللعنة تشمل العالم العربي كله، الذي يشكله الغرب ويحاول التأثير فيه بكل قوته الاقتصادية والعسكرية لضمان بقاء إسرائيل، حتى وإن كان ذلك يعني دعم وتسليح الأنظمة الاستبدادية الوحشية المستعدة للتعاون مع تل أبيب.

وفي خضم الإبادة الجماعية المستمرة، فإن كل نقاش معنا كفلسطينيين يتطلب منا أن نقترح حلولاً تتمحور حول رفاهية الصهاينة، في إطار مستساغ للقيم الغربية وقادر على حل العلاقة بين اليهودية والغرب، وحتى ذلك الوقت لا ضير من أن يستمر قتل العرب!.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة