بقلم ازاد عيسى
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
كانت هبة زقوت تحلم بالحرية كلما سكبت ألوانها على لوحاتها القماشية، وكمعلمة وفنانة، كرست حياتها لتوثيق التراث والتاريخ الفلسطيني الذي يواجه التهديد بالمحو المستمر في ظل الاحتلال الإسرائيلي.
تظهر أعمالها عمقاً فنياً لغناها بالجمال والتفاصيل التي غالباً ما تعكس روح الشعب الفلسطيني، من خلال ضمها عناصر مميزة كالمنازل الفلسطينية والمزارع والأنشطة اليومية والشجيرات والأشجار والمساجد والكنائس، مما يؤكد ضرورة الحفاظ على الهوية الفلسطينية في مواجهة الشدائد.
لكن الأهم من شغفها بالرسم هو حبها وانتماؤها اللذان لا يتزعزعان للقضية الفلسطينية، فقد ولدت زقوت في مخيم البريج للاجئين في غزة، ونشأت وهي تستمع إلى قصص الكبار، الذين كانوا دائما ما يروون الأحداث التي سبقت إنشاء دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1948.
وبحسب شقيقتها ميساء غازي، فقد طورت زقوت موهبتها وحبها للرسم منذ صغرها، وكانت مهتمة بتجسيد قصص عائلتها كواحدة من العائلات الفلسطينية التي هُجرت قسراً من قرية إسدود، المعروفة الآن باسم مدينة أشدود الإسرائيلية، وأجبروا على اللجوء إلى قطاع غزة.
في عام 2003، حصلت الفنانة زقوت على دبلوم في التصميم الجرافيكي، وبعد أربع سنوات، حازت على شهادة البكالوريوس في الفنون الجميلة من جامعة الأقصى بغزة، لتباشر بعدها بوقت قصير مهنة التعليم كمعلمة فنون في مدرسة ابتدائية في غزة.
واصلت زقوت الرسم، كوسيلة لربط المنطقة بمحبي الفن في جميع أنحاء العالم ولمساعدة عائلتها مادياً باعتبارها المعيل الوحيد لأسرتها المكونة من ستة أفراد.
لكن غارة جوية إسرائيلية أنهت حياة الفنانة هبة زقوت في 13 تشرين الأول/ أكتوبر، بعدما استهدفت المنزل الذي كانت تقيم فيه، ما أدى إلى مقتلها مع اثنين من أطفالها الأربعة، آدم ومحمود.
وبحسب شقيقتها غازي، فقد نجا زوج زقوت وطفلاهما الآخران، فيصل وبراء، موضحة أن هبة “كانت تبيع الأعمال الفنية لدعم أطفالها، لكن الإسرائيليين دمروا منزلها وقتلوا أطفالها”.
من هي هبة زقوت؟
قال كريس ويتمان عبد الكريم، ممثل مجموعة حقوق الإنسان الألمانية Medico International، الذي تعرف على أعمال الفنانة الفلسطينية قبل عامين، إن زقوت اشتهرت من خلال موقع انستغرام، واكتسبت متابعين معجبين من جميع أنحاء العالم.
أبهرت زقوت آلاف المتابعين برسوماتها الجريئة والجميلة المصنوعة من الأكريليك، والتي تأخذهم في رحلة إلى المدن والقرى والبلدات الفلسطينية، خاصة مدينة القدس والمسجد الأقصى من خلال عيون لاجئة تعيش في غزة.
وأشاد عبد الكريم بموهبة هبة عاداً إياها موهبة متميزة لخصت كل ما يعنيه أن تكون فنانة فلسطينية صبّت قلبها وروحها في فنها”.
وأضاف: “لقد كرست حياتها لأطفالها وطلابها وأمضت كل لحظة من عمرها في مساعدتهم على استخدام الفن للتعامل مع الحياة الصعبة للغاية في غزة”.
وبالمثل، فقد أعربت لورا ألباست، الصحفية الفلسطينية الأمريكية، التي كانت مطلعة على أعمال زقوت وتحدثت معها قبل يومين فقط من استشهادها، عن إعجابها بموهبتها ووصفت أعمالها بأنها “مرتبطة جدًا بتجربتها كامرأة فلسطينية تعيش في غزة” وقالت: “إنه عمل عظيم. يا للخسارة”.
وتابعت ألباست: “إنها امرأة جلبت الكثير من البهجة إلى منازل الكثيرين الذين اشتروا أعمالها الفنية. من المحزن للغاية أن كل ما تبقى من عملها معروض على وسائل التواصل الاجتماعي فقط”.
وقالت: “لم يقصفوا منزلها وأطفالها فحسب، بل محوا آثار إبداعها”.
ويعتقد متابعو زقوت أن فنها لم يكن مجرد عمل فني مشرق وجريء ودافئ ونابض، بل كان يحمل رسالة الحفاظ على التاريخ ويحاكي الحياة الفلسطينية.
ففي عام 2021، نظمت زقوت معرضًا فرديًا بعنوان “أطفالي في الحجر الصحي”، ركز على الحياة خلال جائحة كوفيد-19.
أما سينثيا فرانكلين، من قسم اللغة الإنجليزية بجامعة هاواي، فقد قالت: “بلوحاتها الرائعة المليئة بالحياة والجمال، والمليئة بالألوان النابضة بالحياة للأرض التي أحبتها، والمليئة بالحرية والأحلام ووسائل الراحة اليومية، رفضت هبة زقوت السماح لعنف وقبح الحصار الإسرائيلي أن يشغل عقلها ورؤيتها”.
ففي إحدى لوحاتها، رسمت الفنانة الفلسطينية شجرة زيتون باسقة تبدو وكأنها تحكي قصة التاريخ والزمن والقدرة على الصمود وكتبت في تعليق على لوحتها التي نشرتها على إنستغرام: “عندما كنت صغيرة، كان موسم قطف الزيتون مميزاً جداً بالنسبة لي، حيث يجتمع أفراد أسرتي معاً لقطف الزيتون، الذي تحضره والدتي بعد ذلك مع شرائح الليمون والفلفل للحفاظ عليه طوال العام. شكراً أمي. عملي الفني الجديد: شجرة الزيتون”.
وأظهرت لوحة أخرى طريقًا رُصف حديثاً بالحصى تحيط به الشجيرات والنباتات ينتهي إلى مدينة القدس.
وفي عمل آخر، تجسد زقوت صورة امرأة فلسطينية ذات شخصية قوية حازمة وفخورة، تبدو وكأنها صورة ذاتية تحمل فيها مفتاح منزل عائلتها في إسدود.
وقالت فرانكلين من جامعة هاواي: “إن قتل إسرائيل لهذه الفنانة وأطفالها هو دليل على وحشيتهم المطلقة، لكن ما لا يمكنهم قتله هو إنسانيتها وخيالها وفنها”.
وفي منشورها الأخير على موقع إنستغرام بتاريخ 3 تشرين الأول/ أكتوبر، نشرت زقوت صورة لويتمان عبد الكريم وهو يحمل عملاً فنيًا لها، وكتبت معلقة على الصورة: “شكرًا كريس، مرحبًا بكم في غزة”.
وكان ويتمان عبد الكريم قد سافر إلى غزة ليعيد أعمالها الفنية بعد معرض أقيم في رام الله، كما قام بشراء لوحة إسدود التي أظهرت جوانب مختلفة من قصة قرية عائلتها كما سمعتها عندما كانت طفلة.
وتظهر زقوت في بورتريه ذاتي في إحدى لوحاتها، كامرأة فلسطينية شابة مبتسمة تلتف بوشاح أبيض وترتدي ثوبًا مطرزًا، بينما تقف في مقدمة اللوحة وخلفها مشاهد ملونة من إحدى القرى.
وكتبت زقوت في التعليق أسفل اللوحة: “ولدت وأنا أحمل معي كلمة لاجئ. لم أر مدينتي قط، لكن عمتي علياء جمعتنا وأخبرتنا عن أرض جدي وبساتين البرتقال والأشجار، خلال موسم الحصاد حيث يمتلئ البيت بالحب والحياة.”
وأضافت: “عندما روت لنا عمتي هذه القصص عن تلك الأيام الماضية، رأيت في عيونها الحنين للعودة قريباً”. لوحتي الجديدة ( 80 سم × 60 سم)، أكريليك. متاحة.
في 3 تشرين الأول/ أكتوبر بيعت اللوحة، وبعدها بعشرة أيام ذهبت تلك الفنانة الفلسطينية الحالمة وإلى الأبد.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)
