بقلم أحمد الطيبي
ترجمة وتحرير مريم الحمد
إن الضجة التي أحاطت بالفيلم الوثائقي “لا أرض أخرى” ليست مفاجئة، فالأفلام التي توثق الاحتلال وتكشف عواقبه التي لا تطاق دائما ما تثير ردود فعل عنيفة من قبل المؤسسة الإسرائيلية.
يركز الفيلم على الواقع اليومي للفلسطينيين في منطقة مسافر يطا، من هدم المنازل وطرد العائلات ونزع الملكية وسرقة الأراضي، فالفيلم يعكس ما يحدث على الأرض بالفعل ولكن بالنسبة للكثيرين في إسرائيل، فإن مجرد عرض الواقع يعتبر جريمة.
المشكلة ليست في فيلم مثل “لا أرض أخرى”، بل المشكلة هي الاحتلال نفسه، فلا يمكن إخفاء قبحه ولا يمكن تبييض عواقبه ولا يمكن تجاهل تكاليفه البشرية
لقد قاد الهجوم على الفيلم وزير الثقافة الإسرائيلي ميكي زوهار بنفسه، حيث اتهم الفيلم بـ “التشهير” و”تشويه صورة إسرائيل”، وهذه حجة مألوفة فأي توثيق للاحتلال يتم تأطيره على أنه تشهير وأي تصوير للواقع يعتبر تحريضاً!
هذه حقيقة الاحتلال، فلا يمكن للمرء أن يصف طرد العائلات من مسافر يطا إلا في إطار الظلم الناتج عن الاحتلال، ولا يمكن توثيق قيام الجنود بمنع السكان من الحصول على الماء والكهرباء دون أن يفهموا أن هذه سياسة سيطرة وتمييز وقمع.
امتدت الانتقادات الموجهة للفيلم إلى ما هو أبعد من المؤسسة السياسية، حتى هاجم الصحفيون والشخصيات الثقافية في إسرائيل أحد مخرجي الفيلم، الصحفي الإسرائيلي يوفال أبراهام ووصفوه بأنه “خائن”.
إسكات صوت الحقيقة
هذا نمط متكرر في إسرائيل، فأي إسرائيلي يجرؤ على فضح جرائم الاحتلال يتم تجنبه وإدانته على الفور، وهذا صمت ليس من قبيل الصدفة، فهناك إنكار علني وشيطنة ممنهجة ضد كل من يجرؤ على كشف الحقيقة.
لم تأتِ الانتقادات من الإسرائيليين اليمينيين فقط، بل على الجانب الآخر، فإن هناك من الفلسطينيين من يعتبرون التعاون بين يوفال أبراهام وباسل عدرا، أحد المخرجين الفلسطينيين المشاركين في الفيلم، “تطبيعاً” مع الاحتلال وهذا ادعاء خاطئ.
أنا أرى أنه في الوقت الذي يكافح فيه الفلسطينيون ضد الاحتلال، فإنهم بحاجة إلى دعم الإسرائيليين الذين هم على استعداد لتحمل المخاطر الشخصية لفضح هذه المظالم، ولذلك فإن أفلاماً مثل “لا أرض أخرى” ليست أدوات للتطبيع بل أدوات أدوات للمقاومة.
إن فوز الفيلم بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي يمثل بياناً سياسياً وثقافياً مهماً، حيث يشير الاعتراف الدولي بالفيلم إلى أن العالم يرى ما تحاول إسرائيل إخفاءه، وهذا هو بالضبط سبب غضب المؤسسة الإسرائيلية، فليس الفيلم نفسه هو ما يغضبهم فقط، بل حقيقة أن قصة مسافر يطا تصل إلى الجماهير العالمية.
في نهاية المطاف، المشكلة ليست في فيلم مثل “لا أرض أخرى”، بل المشكلة هي الاحتلال نفسه، فلا يمكن إخفاء قبحه ولا يمكن تبييض عواقبه ولا يمكن تجاهل تكاليفه البشرية، وعلينا أن نشكر عدرا وأبراهام على الشجاعة لقول الحقيقة.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)