رفضت النيابة العامة الفرنسية شكوى تقدمت بها مجموعة من المنظمات غير الحكومية تزعم أن جندياً فرنسياً إسرائيلياً ارتكب جرائم تعذيب ووحشية أثناء الحرب في غزة.
ووفقاً لتقرير نشرته وكالة فرانس برس يوم الثلاثاء، استناداً إلى معلومات من مصدر قضائي فقد أغلق مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب في فرنسا الشكوى في 2 سبتمبر/أيلول.
واستندت الادعاءات إلى مقطع فيديو، يعود تاريخه إلى يناير/كانون ثاني وتم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي في مارس/آذار، يظهر جنوداً إسرائيليين ينزلون معتقلين فلسطينيين من شاحنة وهم يرتدون زياً أبيضاً ومعصوبي الأعين.
وأمكن سماع صوت مصور الفيديو وهو يهين المعتقلين باللغة الفرنسية، ويصفهم بـ “الزنا” و”أبناء العاهرات” و”حفنة من العاهرات”.
وسُمع في الفيديو صوت الجندي الفرنسي الذي يُعتقد أنه هو من صوره وهو يقول: “لقد رأيتم هؤلاء الصغار الأوغاد هناك، انظروا، لقد تبول على نفسه، انظروا، سأريكم ظهره، سوف تضحكون، انظروا، لقد عذبوه ليجعلوه يتكلم، لقد كنتم سعداء في السابع من أكتوبر/تشرين الأول أيها الأوغاد”.
وفي أبريل/نيسان الماضي، تقدمت ثلاث منظمات غير حكومية، هي حركة 30 مارس البلجيكية، ومنظمة العدالة والحقوق بلا حدود الفرنسية، واتحاد الجالية للجمعيات الفلسطينية في فرنسا، بشكوى تفيد بأن الفيديو يظهر تواطؤاً في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ووفقاً للمصدر القضائي، فقد تم رفض الشكوى بسبب “عدم كفاية توصيف الوقائع”، وعدم كفاية الأدلة الداعمة “لإثبات وجود أفعال مادية محتملة للتواطؤ”.
وقال رفيق شكات، محامي حركة 30 مارس، أن رفض القضية من قبل المحكمة الوطنية الفلسطينية للاستئناف “غير مفهوم” بالنظر إلى الأدلة المقدمة لدعم الشكوى.
وأضاف لموقع ميدل إيست آي: “صوّر جندي فرنسي، يوئيل أونونا، نفسه في غزة أثناء إساءة معاملة الأسرى الفلسطينيين، وأظهر الآثار الجسدية الناجمة عن التعذيب على ظهر أحدهم”.
وأضاف شكات: “بعد بضعة أيام، ظهر في برنامج تلفزيوني إسرائيلي ليؤكد أنه هو بالفعل من ظهر في الفيديو، لكن المحكمة الوطنية الفرنسية للاستئناف حكمت بأنه لا يوجد دليل كاف لوصف الجريمة”.
وقال جيل ديفرز، أحد محاميي المدعين، لموقع ميدل إيست آي في يونيو/حزيران أن الجندي الذي صور الفيديو لم يكن مذنباً فقط بارتكاب التعذيب، بل وأيضاً بالتعذيب النفسي من خلال إلحاق معاملة غير إنسانية ووحشية بالأسرى عن طريق الإهانات والكلمات المهينة.
وقال ديفرز: “يعتبر القانون الدولي التعذيب الجسدي على قدم المساواة مع الأفعال الأخرى التي تضع الأفراد في موقف أدنى”.
وأوضح محامو المنظمات غير الحكومية لوكالة فرانس برس يوم الثلاثاء: “لقد دهشنا لمعرفة هذا الرفض، على الرغم من أن الشكوى تضمنت جميع العناصر اللازمة لفتح تحقيق، وسنطلب الوصول إلى الملف لفهم الأمر.
وأضاف المحامون: “بهذا القرار، تظهر المحكمة الوطنية الفرنسية رغبة في عدم تسليط الضوء على تورط مواطنين مزدوجي الجنسية في جرائم حرب في غزة، هذه الرغبة لا يمكن أن تكون إلا سياسية”.
وكان نشطاء فرنسيون قد ضغطوا لعدة أشهر على الحكومة لاتخاذ إجراءات بشأن وجود أكثر من 4000 فرنسي أو فرنسي إسرائيلي يقاتلون في غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول.
لكن الحكومة الفرنسية تهربت من هذه القضية في البداية، حيث صرحت بأن فرنسا لن تحقق مع مواطنيها المجندين في الجيش الإسرائيلي لأن “الجنسية المزدوجة هي ولاء مزدوج”.
وفي الحادي والعشرين من مارس/آذار، أقر نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية كريستوف لوموان بأن “العدالة الفرنسية مختصة بالاعتراف بالجرائم التي ارتكبها مواطنون فرنسيون في الخارج، بما في ذلك في سياق الصراع الحالي”.
وبموجب قانون العقوبات، يمكن محاكمة المواطنين الفرنسيين المسؤولين عن جرائم أو مخالفات في الخارج.
يذكر أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان كانت قد أصدرت في العام 2010 عدة أحكام اعتبرت فيها أن المدعي العام الفرنسي ليس مستقلاً عن السلطة التنفيذية.
ورغم إصلاح القضاء في عام 2023، فإن استقلال مكتب المدعي العام عن السلطة التنفيذية، وخاصة في مسائل التعيينات والانضباط.
وقال شكات أنه “نظراً لقمع حركة التضامن مع فلسطين فإن رفض القضية من قبل المحكمة الوطنية الفرنسية مرة أخرى يرسل إشارة سيئة للغاية ويزيد من الإضرار بصورة المؤسسة القضائية في فرنسا”.