المرأة الفلسطينية إذ تسهم في إنقاذ مهنة صيد الأسماك في غزة

بقلم مها الحسيني

ترجمة وتحرير مريم الحمد

بدلاً من انتظار زوجها الصياد ليعود بعد يوم صيد طويل قبالة سواحل غزة، تعمل الغزية منى حنيدق معه في البحر جنباً إلى جنب، فتصطاد السمك من جهة، وتصنع أطباقاً مميزة منها من جانب آخر.

قامت منى، بمشاركة 19 امرأة أخرى، بفتح مطعم “زوجات الصيادين” للمأكولات البحرية قرب ميناء دير البلح وسط قطاع غزة، وذلك لإعالة أزواجهن الذين يواجهون قيوداً إسرائيلية تعطل صيدهم في كثير من الأوقات، تقول منى “نحن نكمل عمل ازواجنا ونساعدهم في التغلب على التحديات”.

“السبب في زيادة عدد الصيادين في غزة رغم تشديد القيود الإسرائيلية هو عدم وجود فرص عمل أخرى” نزار عياش- رئيس نقابة الصيادين في غزة

بعد مرور 14 عاماً على زواجها، قررت حنيدق إعالة أسرتها ومساعدة زوجها، خاصة عندما كاد عمله في الصيد يتوقف مرات عديدة بسبب قيود إسرائيلية، تقول “لقد شعر ياليأس في مرات كثيرة، كاد يتخلى عن مهنته، فقد كانت الزوارق الإسرائيلية تطارده هو ورفاقه كل يوم تقريباً، غالباً ما تفتح عليهم النار وتهددهم بالاعتقال ومطاردة القوارب وتقييد منطقة الصيد”.

لقد تسبب هذا في جعل الصيد أحياناً مغامرة غير مجدية، تقول منى أنه “كان يعود إلى المنزل أحياناً بعد يوم طويل منهك دون أن يكسب شيئاً”، فكانت مشاعر الإحباط التي كانت تسيطر على زوج منى هي الدافع الأهم وراء بدء المشروع، تقول منى “كان ذلك وضعاً عاماً بين الصيادين، فبدأنا أنا ومجموعة من زوجات الصيادين مشروعاً عام 2021، لم نتلق ما يكفي من الطلبات فتوقفنا، لكن هذه المرة عملنا بشكل أكبر على التسويق ونظمنا افتتاحاً لجذب العملاء، واليوم نتلقى العديد من الطلبات”، وتضيف بسعادة “أزواجنا يدعمون الفكرة اليوم لأنهم يرونها قد نجحت بالفعل”.

أجيال في البحر

غالبية النساء اللاتي يعملن في المطبخ هن زوجات صيادين، ولكن الأمر لا يخلو من بعض الفتيات اللواتي يردن مساندة آبائهن الصيادين، وتعد حنان الأقرع إحدى تلك الفتيات، فقد نشأت في عائلة تعمل في صناعة السمك، ولذلك تتقن صنع المأكولات البحرية منذ صغرها.

تقول حنان “أتذكر عندما كنت طفلة، كنت أذهب إلى الميناء مع والدي، واشاهده يصطاد لساعات”، وتضيف “جدي كان صياداً والآن والدي وأعمامي وإخوتي كلهم صيادون، وبسبب درايتي بوصفات السمك قررت البحث عن فرصة عمل ووجدتها من خلال هذا المشروع”.

بعد تخرجها من الجامعة بتخصص الأدب الانجليزي، أخذت حنان تبحث عن فرصة عمل في تخصصها لعدة أشهر، لكنها تركت العمل في مجال التدريس لأن الأجر كان سيئاً وساعات العمل طويلة، تقول “ما زلت أبحث عن فرصة عمل، لكن حالياً أنا أعمل في المطبخ كل يوم تقريباً، فلدينا جدول زمني لساعات العمل بين السيدات”.

بات معدل البطالة في غزة، التي وصفتها منظمات حقوق الإنسان بالسجن المفتوح، مرتفعاً للغاية، حيث بلغ 45% مع نهاية عام 2022، مقابل 13% في الضفة الغربية، حسب إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فيما ترتفع النسبة بين الشباب الخريجين في القطاع إلى 74%، مقابل 29% في الضفة.

يمنع الاحتلال الإسرائيلي دخول أي معدات ضرورية لصناعة الصيد إلى القطاع منذ فرض الحصار قبل 17 عاماً.

أما مشروع المطبخ، فهو مدعوم من قبل مركز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في فلسطين، وهي  منظمة غير حكومية، وذلك كجزء من مبادرة تسعى لتحسين دخل الصيادين وإعالة أسرهم.

لا يوجد عمل آخر

لقد سجل آخر إحصاء حتى نهاية النصف الأول من هذا العام 2023، وجود 4900 صياد مسجل في قطاع غزة يعيلون ما لا يقل عن 50 ألف شخص، كما أشار رئيس نقابة الصيادين في غزة، نزار عياش، إلى أن عدد الصيادين في القطاع زاد خلال السنوات الأخيرة رغم القيود الإسرائيلية، يقول عياش “السبب في الزيادة رغم تشديد القيود هو عدم وجود فرص عمل أخرى، مما يجعل الناس يعتمدون بشكل أساسي على صيد السمك والزراعة”.

كما أوضح عياش أنه “منذ عام 2006، تعد فئات الصيادين والمزارعين الأكثر تضرراً من الحصار الإسرائيلي الخانق، فأول ملف يتعامل معه الاحتلال عندما يريد فرض قيد جديد هو بحر غزة، فبالإضافة إلى تقييد منطقة الصيد من 12 إلى 3-6 ميلاً، هناك حوادث شبه يومية بين اعتقالات ومصادرة للقوارب”.

بموجب اتفاق أوسلو الذي وقعته السلطة الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي عام 1993، فإن إسرائيل ملزمة بالسماح بالصيد لمسافة 20 ميلاً قبالة ساحل غزة، لكن ذلك لم يتم تنفيذه من الناحية العملية مطلقاً، فالزوارق البحرية غالباً ما تترصد على مسافة بين 6-12 ميلاً في عرض البحر، وفي بعض المراحل، تم تقييد المسافة إلى 3 ميل فقط!

“تقتصر قائمتنا اليومية على أنواع المأكولات البحرية التي يتمكن آباؤنا وأزواجنا من صيدها داخل منطقة الصيد المسموح بها” حنان الأقرع- مطبخ “زوجات الصيادين”

من ناحية أخرى، أشار عياش إلى وجود مشكلة أخرى، وهي منع دخول أي معدات ضرورية لصناعة الصيد إلى القطاع منذ فرض الحصار قبل 17 عاماً، ويشمل ذلك الألياف الزجاجية اللازمة لتصنيع وإصلاح قوارب الصيد ومحركات القوارب، فإذا ما تعطل محرك اليوم، يصلحه الصيادون عن طريق استبدال أجزاء من محركات أخرى مكسورة!

رغم الأمل الذي أعاده مشروع مطبخ “زوجات الصيادين” بتحدي القيود الإسرائيلية، إلا أنه سيظل متأثراً بسبب الحصار، حيث تتأثر كمية وأنواع المأكولات التي يتم صيدها بحسب ما تسمح به الزوارق الإسرائيلية

وعن تلك المشكلة يقول عياش، “لو كان الجزء من المحرك متاحًا في السوق السوداء ، فلا يكون أصليًا، ولو كان سعره الأصلي 100 شيكل (27 دولارًا)، فسوف يصبح في السوق السوداء حوالي 1000 شيكل (275 دولارًا)”.

“وُلد في البحر”

عدنان الأقرع، عم حنان، صياد فلسطيني لأكثر من 50 عاماً، جعلته يقول أنه قد “ولد في البحر”، ويسترسل بقوله “لقد عملت مع والدي في الصيد منذ أن كنت 10 سنوات، والآن يساعدني أطفالي”، ويتذكر الأقرع أنهم كانوا يستخدمون قديماً شبكة للصيد قرب الشاطئ حتى اشترى والده قاربه الأول عام 1984، ثم تطور عمله واشترى قاربين إضافيين.

عام 2021، أطلق زورق حربي إسرائيلي النار على أحد قوارب العائلة أثناء قيام الأقرع وإخوته برحلة صيد داخل المنطقة المسموحة، فتركت الرصاصة حفرة في القارب، تمكنوا من إصلاح القارب، لكنه ما زال في خطر من التعرض لرصاصة جديدة بسبب الاستهداف المنتظم للقوارب الغزية، في محاولة لإجبارها على التراجع، يقول الأقرع “رغم ذلك ما زلنا نذهب للصيد كل يوم، ليس لدينا ما نفعله غير ذلك”.

رغم الأمل الذي أعاده مشروع مطبخ “زوجات الصيادين” بتحدي القيود الإسرائيلية، إلا أنه سيظل متأثراً بسبب الحصار، حيث تتأثر كمية وأنواع المأكولات التي يتم صيدها بحسب ما تسمح به الزوارق الإسرائيلية، فإذا سُمح للصيادين بدخول البحر حتى 12-15 ميل، يزدهر سوق السمك في القطاع، وتتوفر المزيد من الأسماك بأسعار معقولة، ولذلك يتأثر المطبخ تلقائياً.

يقول الأقرع “في التسعينات، كنت أبحر حتى 20 ميلاً بحرياً، وكنت مشهوراً بصيد سمك الثور الأبيض، أما اليوم، فنادراً ما نجد هذا النوع في السوق”، أما حنان، المسؤولة عن تلقي طلبات المطعم، فتؤكد على الأمر بقولها “تقتصر قائمتنا اليومية على أنواع المأكولات البحرية التي يتمكن آباؤنا وأزواجنا من صيدها داخل منطقة الصيد المسموح بها”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة