في مشهد يلخص مأساة إنسانية متفاقمة، ينتظر الفلسطينيون لساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة في قطاع غزة المدمّر، ليحصلوا على صندوق مساعدات غذائية بالكاد يكفي لسد رمق الجوع، وليجدوا بداخله: أربع علب تونة، بضع عبوات من السباغيتي، لتر من الزيت، ودعوات بالرحمة.
منذ الثلاثاء، أعلنت منظمة “مؤسسة غزة الإنسانية” (GHF)، وهي هيئة مثيرة للجدل تحظى بدعم أمريكي وموافقة من دولة الاحتلال، أنها وزّعت 14 ألف صندوق غذائي فقط ، ما يشكل رقماً ضئيلاً لا يرقى لمستوى الأزمة.
وتقول المنظمة إن كل صندوق يكفي لإطعام 5.5 أشخاص لمدة 3.5 أيام، رغم أن محتوياته غالبًا ما تكون محدودة، ولا تشمل سوى مواد غذائية أساسية، مع غياب تام للمياه والدواء وحاجات الأطفال والنساء.
وتشمل محتويات معظم الصناديق ما يلي:
- لتر زيت
- 2 كغ أرز
- 4 كغ دقيق
- 1 كغ فاصوليا
- 4 علب تونة
- جرة ورق عنب محشو
- جرة مربى مشمش
- عبوة بسكويت
- 6 عبوات سباغيتي
- علبة شاي
ولا تتضمن الصناديق مواد حيوية مثل مياه الشرب، والوقود، والأدوية، والصابون، وحفاضات الأطفال أو الحليب، ما يفاقم الوضع الكارثي خاصة في ظل ارتفاع أعداد وفيات الأطفال جوعًا خلال الأيام الأخيرة.
وقد أثار النظام الجديد لتوزيع المساعدات، الذي يعتمد على مراكز محدودة تخضع لحراسة شركات أمنية أمريكية، موجة من الانتقادات من الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية كبرى.
ووصف فيليب لازاريني، المفوض العام لـ”الأونروا”، النموذج بأنه “تشتيت للانتباه عن الفظائع”، قائلاً: “شاهدنا أمس الصور المروعة لأشخاص جائعين يتدافعون أمام الأسوار، لقد كان الوضع فوضويًا ومهينًا وغير آمن.”
المراكز المعتمدة التي أعلنتها دولة الاحتلال لا يتجاوز عددها أربعة، اثنان منها فقط يعملان حاليًا، وكلاهما في رفح الجنوبية التي تحولت إلى منطقة مدمّرة وشبه خالية من السكان.
ودفعت الحاجة الماسّة آلاف الفلسطينيين إلى عبور خطوط جيش الاحتلال للوصول إلى هذه المراكز، ما أدى إلى فوضى وسقوط قتلى ومصابين، بينهم نساء وأطفال، أثناء التزاحم على صناديق الغذاء.
وقال أحد النازحين، عبدالله سليمان السعدي، لموقع ميدل إيست آي: “نريد فقط إطعام أطفالنا. ماذا نفعل؟ ارحمونا. هذا غير صحيح.”
كما قال فلسطيني آخر عن آلية التوزيع الجديدة: “ذهبنا ووجدنا أطفالًا ونساءً يتدافعون، هذه الآلية عديمة الفائدة، فقط الأقوياء هم من يستطيعون الحصول على الصناديق”.
وفي تطور يطرح المزيد من التساؤلات، استقال الرئيس التنفيذي لمنظمة GHF، جيك وود، قبل يوم واحد فقط من بدء عمليات التوزيع، مؤكدًا أن المؤسسة “لا يمكنها العمل بطريقة تلتزم بالمبادئ الإنسانية”.
وتأسست GHF في سويسرا هذا العام، وتديرها مجموعة من المتعاقدين الأمنيين الأمريكيين والعسكريين السابقين، وتفتقر إلى أي خبرة في إدارة المساعدات في مناطق المجاعة، كما لا تزال مصادر تمويلها غير معروفة، رغم ادعاء قادتها أنهم تلقوا التزامات بأكثر من 100 مليون دولار من “حكومة أوروبية”، لم يتم الكشف عنها.
وتستمر دولة الاحتلال في الدفاع عن هذا النموذج، زاعمة أن حماس تسرق المساعدات، بينما تؤكد الأمم المتحدة أن الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ أكثر من ثلاثة أشهر هو السبب الرئيسي في تفاقم الأزمة، واستخدام الغذاء كسلاح في وجه المدنيين.
من جانبها، صرّحت سيندي ماكين، المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، قائلة: “الناس يائسون، يرون شاحنة برنامج الأغذية العالمي قادمة، فيهرعون إليها، هذا لا علاقة له بحماس أو بأي نوع من الجريمة المنظمة.”
وفي الوقت الذي يتصاعد فيه الضغط الدولي، وتنتشر المجاعة، يتواصل سقوط الأطفال جوعًا، في واحدة من أبشع الأزمات الإنسانية المعاصرة.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)