بقلم كيلي جيمس كلارك
ترجمة وتحرير مريم الحمد
في صباح يوم 5 مارس من العام 2023، استيقظنا مبكراً على صباح مشرق نحن الأربعة، مشينا معاً أعلى التل ثم عبرنا حقل زيتون حتى جلسنا على قمة التلة ننتظر بفارغ الصبر عبور تلاميذ المدارس على التلة المقابلة، ولكننا انتظرنا طويلاً ولم يظهر الأطفال، أجرينا مكالمة هاتفية للسؤال عنهم، ولكن دون جدوى، فقد علمنا أن مرافقتهم التي يمشون بالعادة رفقتها لم تأتِ، ربما لن يأتوا هم أيضاً، لكنهم ظهروا أخيراً وهم يقفزون ويضحكون، خلفهم السيارة التي تتبعهم بظلالها دوماً، تنهدنا ارتياحاً لأنهم ظهروا بخير!
كنت أقيم في فلسطين المحتلة، في منطقة يحتاج فيها الأطفال إلى حراسة في مشوارهم إلى المدرسة سيراً على الأقدام، فإن لم يكن هناك من يحرسهم، فإنهم يتعرضون لمضايقات المستوطنين الإسرائيليين خاصة من تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 9 سنوات.
قبل يومين فقط من كتابتي لهذه السطور، ضرب مستوطنون امرأة أمريكية في الستينيات من عمرها كانت ترافق طفلة عمرها 7 سنوات تلتقط العشب من الأراضي العامة، وبعد أن أُغمي عليها، قامت صديقتها بحمل الطفلة إلى بر الأمان بعيداً عن مستوطن كان يلوح بقضيب حديدي، ولم يتم تقديم بلاغ للشرطة الإسرائيلية لأنها ببساطة لا تعاقب المستوطنين أبداً.
عنف المستوطنين
رغم وضع الفلسطينيين من سكان مسافر يطا جنوب الخليل مع 4 منظمات سلام دولية على الأقل، جدولاً زمنياً صارماً للمراقبة، وبالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي، حتى يتمكن الأطفال من الذهاب إلى المدرسة والعودة منها بسلام، إلا أن المستوطنين لا يتورعون عن مهاجمة الأطفال و يفلتون من العقاب في كل مرة.
لا مدرسة للذهاب إليها، ولا منزل للعودة إليه، هكذا تطرد إسرائيل ومستوطنيها الفلسطينيين!
الفكرة ببساطة، يجب معاقبة المستوطنين الذين لا يترددون في مهاجمة أي فلسطيني يعمل في أرضه أو حقله في المنطقة، ليس الأطفال فقط، ويستخدمون الحجارة والبنادق والخفافيش.
قبل أشهر، كسر مستوطنون ذراعي أب فلسطيني كان يقطف الزيتون في أرضه، وادعوا أمام الشرطة أن الفلسطيني اعتدى عليهم، فاعتقل الفلسطيني 10 أيام، ثم أُطلق سراحه بعد ظهور شريط فيديو كشف اعتداء المستوطنين عليه، ومع ذلك لم توجه أي تهمة لأي مستوطن.
كل يوم وبكل الطرق، يهاجم المستوطنون الإسرائيليون الفلسطينيين في الأراضي المحتلة ودون عقاب، فقبل أيام، مررت بأكثر من خبر، أحدها أن مستوطنين قاموا بإغلاق أبواب منزل عائلة فلسطينية في وقت كانت الأم قد خرجت فيه لإحضار ابنتها من المدرسة حتى لا يتعرض لها المستوطنون، وآخر عن قيام مستوطنين آخرين بكسر نوافذ منزل فلسطيني آخر، في وقت قام فيه مستوطنون بهدم أو الإضرار بمدارس الفلسطينيين، وفي المحصلة، لا مدرسة للذهاب إليها، ولا منزل للعودة إليه!
جميع الأطفال، دون مبالغة، قد تعرضوا في وقت أو آخر لقنابل الضوضاء أو الغاز المسيل للدموع التي تنزل كالمطر عليهم على أقل تقدير!
بعد أن مشينا مع الأطفال إلى مدرستهم الجديدة التي تبعد نصف ميل آخر عن القديمة التي هُدمت، عدنا عبر حقل زيتون، كان المستوطنون قد قطعوا أشجاراً فيه ذات ليلة، فخنقوا مصدر رزق القرية.
مساءً، كنا مدعوين لحضور حفل زفاف، فأوقفتنا الشرطة الإسرائيلية عند نقطة تفتيش دون سبب واضح، تم احتجازنا لنصف ساعة، هذا نحن، ولكني أدركت في تلك اللحظات أن الاستجواب المطول والمهين والعشوائي وحتى المنتظم هو القاعدة التي اعتاد عليها الفلسطينيون، وكأن الجريمة تختزل في كلمتين “القيادة جريمة بما أنك فلسطيني”.
صدمات الأطفال
كان هناك إطلاق ألعاب نارية خلف المبنى حيث كان حفل الزفاف، ولكن الجميع ظن أنها أعيرة بنادق، فهرع بعض الرجال إلى الخلف للتأكد من سلامة الجميع، ولكن أصوات الألعاب النارية أدت إلى خوف عدد من الأطفال في الحفل، فجميعهم، دون مبالغة، قد تعرضوا في وقت أو آخر لقنابل الضوضاء أو الغاز المسيل للدموع التي تنزل كالمطر عليهم على أقل تقدير!
في الحفل، حدثتني عائلة المزارع الذي اتهم زوراً بمهاجمة المستوطنين قبل أشهر، كيف عاشوا، قبل أشهر 10 عندما تم اعتقال والدهم، ليالٍ متتالية من الضجيج والقنابل المسيلة للدموع، باعتبارهم عائلة الرجل “المتهم بالشروع بالقتل”.
يمكن لأي شخص لديه قدرة على الوصول إلى الانترنت، مشاهدة مقاطع فيديو لفظائع المستوطنين المنتظمة، فاعتداءات المستوطنين على الأطفال ليست سرية، لا يتطلب الأمر سوى بحث جوجل لتجد نتائج كثيرة.
أتساءل كيف يمكن لأي شخص أينما كان، الاعتقاد بأنه من المقبول مهاجمة الأطفال، أعتقد أن المستوطنين يشعرون بالحرية والانتشاء في مهاجمة أطفال الفلسطينيين، لأنهم بذلك ينزعون إنسانية الفلسطيني، ويعتقدون أن من حقهم طرده من أرضه!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)