بقلم كريستوفر فيليبس
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
على المستوى الدولي، لا تلعب المملكة المتحدة دوراً رئيسياً في حرب غزة، وعلى الرغم من الدعوات الموجهة إلى لندن بوقف مبيعات الأسلحة للاحتلال، إلا أنها توفر أقل من 1% من الأسلحة المستخدمة هناك، كما أنها لا تلعب أي دور وساطة رئيسي، حيث تتولى قطر ومصر وفرنسا والولايات المتحدة زمام المبادرة.
وعلى الرغم من تصريحاتها المتكررة حول المساعدات، فإن المملكة المتحدة ليست الصوت المهيمن في القضايا الإنسانية، يمكن وصفها بالهامشية لكنها أبداً ليست غير ذات صلة.
وبعد أكثر من ستة أشهر من الحرب، بات أمر واحد شديد الوضوح وهو أن لندن تظل حليفاً قوياً للاحتلال، بل إن هذا التقارب آخذ في الازدياد، رغم أنه وفي بعض الأحيان، كان وزير الخارجية ديفيد كاميرون “صديقاً حاسماً”، حتى أنه صرح بأن المملكة المتحدة قد تعترف بدولة فلسطينية للضغط على إسرائيل، ولكن في جميع اللحظات الحاسمة، كان الدعم البريطاني ثابتاً.
تجلى ذلك مؤخراً عندما تم نشر سلاح الجو الملكي للمساعدة في اعتراض الطائرات المسيرة الإيرانية التي تم إطلاقها باتجاه إسرائيل، كما شوهد هذا الدعم عندما أصرت المملكة المتحدة مراراً وتكراراً على حق دولة الاحتلال في الدفاع عن نفسها، حيث رفض رئيس الوزراء ريشي سوناك باستمرار الدعوات لوقف فوري لإطلاق النار.
ولا تنظر لندن إلى القضية على أنها ثنائية الاتجاه بمعنى أنها يمكن أن تدعم كلاً من الإسرائيليين والفلسطينيين، لكن الحرب كشفت مدى تقديرها للعلاقات مع الطرف الأول، دون أن يكون لذلك علاقة بالأحداث الجارية في الشرق الأوسط بقدر ارتباطه بالتطورات في أماكن أخرى، على المستويين العالمي والمحلي.
يجدر بنا قبل عرض هذه الأسباب أن نتذكر السياق، فتاريخياً، كانت المملكة المتحدة متناقضة بشأن إسرائيل، وبينما اعترفت لندن بالدولة الوليدة عند تأسيسها فإن الحملة العنيفة التي شنها بعض الصهاينة خلال الانتداب البريطاني في فلسطين تركت أثراًً مريراً لدى بعض صناع القرار في لندن.
وفي حين تآمرت المملكة المتحدة لفترة وجيزة مع الاحتلال خلال أزمة السويس الكارثية عام 1956، إلا أن حكومة المحافظين كانت في معظم فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي ظلت متحفظة.
الواقع الجيوسياسي
كان حزب العمال المعارض الذي كانت تقوده آنذاك الحكومة الاشتراكية هو الأكثر حماساً في تأييد إسرائيل، في حين كان حزب المحافظين أكثر توافقاً مع الأنظمة الملكية العربية المحافظة، ولم تتجه المملكة المتحدة إلى احتضان إسرائيل بشكل أكثر حسماً إلا في المراحل الأخيرة من الحرب الباردة، وخاصة في عهد مارغريت تاتشر.
وكان كل من الحزبين الرئيسيين في المملكة المتحدة يضم عناصر مؤيدة لإسرائيل وأخرى معارضة لها، وقد تبنى كلاهما عملية السلام، وكان توني بلير من حزب العمال متحمساً لها بشكل خاص، ولكن بعيداً عن إقناع الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش بإحياء عملية السلام المتعثرة، وهي “خارطة الطريق” التي لم تؤد في نهاية المطاف إلى أي شيء، لم يحقق بلير الكثير.
لقد ذهبت الحكومة البريطانية اليوم إلى أبعد من سابقاتها في التحالف مع إسرائيل، وفي عام 2020، أبرمت اتفاقية تعاون عسكري ظلت تفاصيلها سرية، تلتها في عام 2021 اتفاقية دفاعية وتجارية، وتم الاتفاق على صفقة أخرى في مجال التكنولوجيا والتجارة والأمن في آذار/مارس 2023، على الرغم من أن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تواجه انتقادات واسعة النطاق بسبب خططها لإضعاف القضاء الإسرائيلي.
ويشكل الدعم البريطاني واسع النطاق لنتنياهو منذ بدء حرب غزة استمراراً لهذا الاتجاه، حيث يمكن أن تكون رغبة لندن في أن تثبت لإسرائيل أنها من بين أقوى حلفائها الغربيين إلى جانب الداعمين التقليديين مثل الولايات المتحدة وألمانيا جزءاً من هذا الاتجاه.
وبالتالي، فمن المرجح أن يستمر دعم إسرائيل كعنصر مهم في استراتيجية المملكة المتحدة العالمية لسنوات قادمة، أيًا كان من في الحكومة.
وتنبع مغازلة إسرائيل جزئياً من الواقع الجيوسياسي الجديد في بريطانيا، فبعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، أصبحت المملكة المتحدة أكثر ضعفاً على مستوى العالم، وباتت تفتقر الآن إلى الأمن والصوت المرتفع الذي كانت تملكه إبان عضويتها للاتحاد الأوروبي.
وفي مواجهة هذا التحول، تحاول المملكة المتحدة اتباع نهجين عبر التقارب مع إسرائيل، الأول يتلخص في البحث عن شركاء جدد من “القوى المتوسطة” خارج جوارها الأوروبي، وإسرائيل واحدة منها، فيما يتلخص النهج الثاني ولعله الأكثر أهمية في ضمان علاقات أوثق مع الولايات المتحدة، التي كانت في عهد الرئيس جو بايدن باردة إلى حد ما تجاه بريطانيا، حيث يمكن أن يساعد التحول إلى مؤيد أكثر صخباً لإسرائيل بريطانيا في كسب التأييد في واشنطن.
الضغط الداخلي
وهناك ثمة أسباب داخلية تدفع المملكة المتحدة للتقرب من إسرائيل، فحزب المحافظين الحاكم، على الأقل بين نوابه المنتخبين، أصبح مؤيداً لتل أبيب بشكل علني أكثر مما كان عليه في الماضي، وفي حين كان لدى المحافظين تاريخياً جناح عربي قوي وصريح، يدعو في الغالب إلى توثيق العلاقات مع دول الخليج، فإن المجموعة المنتخبة في عام 2019 تؤيد إسرائيل بشكل أكبر من الناحية الأيديولوجية.
ويتعاطف كثيرون مع اليمين الشعبوي الذي ينتمي إليه الجمهوريون التابعون للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والذين يميلون إلى دعم إسرائيل بلا أدنى تحفظ، ويقدر أن ثلثي أعضاء البرلمان المحافظين هم أعضاء في مجموعة أصدقاء إسرائيل المحافظين.
علاوة على ذلك، وكما لاحظت كاتي بولز من مجلة سبيكتاتور، فإن من بين المؤيدين الأكثر صخباً لإسرائيل خلال حرب غزة هم أولئك الذين يسعون إلى استبدال سوناك بعد الانتخابات المقبلة في حالة هزيمته، كما هو متوقع، وعلى هذا النحو، يمكن للمحافظين أن يتحولوا أكثر وراء إسرائيل في المستقبل.
وبطبيعة الحال، فإن هذا التحول يثير التساؤلات حول ما إذا كانت حكومة حزب العمال القادمة المحتملة ستتبع نفس الخط فيما يتعلق بإسرائيل، حيث كشفت حرب غزة، أكثر بكثير مما حدث مع المحافظين، عن انقسامات عميقة في حزب العمال الذي شرح قائده كير ستارمر الكثير من اتجاهات الحكومة، حيث رفض الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار لعدة أشهر، مما أثار معارضة واسعة النطاق واستقالات من النواب.
كان ستارمر مصمماً على إبعاد الحزب عن اتهامات معاداة السامية التي لاحقت قيادة سلفه (والناشط المؤيد للفلسطينيين) جيريمي كوربين، لكنه مع ذلك ليس محصناً ضد مثل هذه الضغوط، وقد خفف موقفه إلى حد ما بعد ظهور مؤشرات على أن مناهضته للفلسطينيين قد تكلفه أصواتاً في المناطق التي يوجد بها عدد كبير من الناخبين المسلمين أو غيرهم من الناخبين المؤيدين للفلسطينيين.
قد يشير ذلك إلى أن التغيير في رأس السياسة البريطانية يمكن أن يخفف من احتضان المملكة المتحدة لإسرائيل، إلا أن هذا يبدو غير مرجح، فأولاً، يظل ستارمر متعاطفاً بشكل غريزي مع إسرائيل، بينما يأمل في الوقت نفسه، على غرار المحافظين، في دعم إنشاء دولة فلسطينية، وفي حين أن الحكومة التي يقودها ستارمر قد تشجع إسرائيل على إظهار المزيد من الاحترام للقانون الدولي والتركيز بشكل أكبر على الوضع الإنساني، فقد أظهر زعيم حزب العمال قدرة ملحوظة على تحمل الضغوط الداخلية لتغيير نهجه بشكل جدي.
ثانياً، ستظل المملكة المتحدة في ظل حزب العمال تواجه نفس القيود الجيوسياسية التي واجهتها الحكومة الحالية بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وفي حين أنها قد تسعى إلى إقامة علاقة أمنية أوثق مع الاتحاد الأوروبي، فإن الاتفاق على هذا قد يستغرق سنوات، وحتى ذلك الحين، من المرجح أن تظل لندن تسعى إلى جذب القوى المتوسطة وضمان احتضان الولايات المتحدة لها، وبالتالي، فمن المرجح أن يستمر دعم إسرائيل كعنصر مهم في استراتيجية المملكة المتحدة العالمية لسنوات قادمة، كان في الحكومة من كان.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)