بقلم جوناثان كوك
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لا شك أن التعاطف المتدفق تجاه إسرائيل في العالم الغربي اليوم يجعل أي شخص ولو كان بنصف قلب بائساً، ولكن ليس من أجل من مات من المدنيين الإسرائيليين، وإنما لحال المدنيين الفلسطينيين في غزة، الذين تعرضوا لهجمات إسرائيلية متكررة لعقود الآن، مما جعلهم يعيشون معاناة أكبر من الإسرائيليين بكثير، ومع ذلك، لم يبدِ السياسيون ولا الجمهور في الغرب أي قلق ولو صغير تجاههم!
يظهر النفاق الغربي جلياً عند الحديث عن المقاتلين الفلسطينيين وقتلهم للمئات من الإسرائيليين واحتجاز مئات آخرين كرهائن في غزة المحاصرة، التي يتمكن الفلسطينيون فيها، للمرة الأولى، من توجيه ضربة كبيرة لإسرائيل، يمكن بشكل ما مقارنتها بالوحشية الإسرائيلية المتكررة تجاه الفلسطينيين في غزة منذ أن تم دفنهم في قفص قبل أكثر من 15 عاماً.
كيف يكون لإسرائيل “حق لا جدال فيه في الدفاع عن نفسها” ضد الفلسطينيين وهي التي تحتل أراضيهم؟
تصف وسائل الإعلام الغربية عملية الهروب من السجن، الهجوم من غزة، بأنه “غير مسبوق”، بالتأكيد، فهو فشل استخباراتي كبير لإسرائيل تشبه المفاجأة التي تعرضت لها يوم “الغفران” قبل 50 عاماً!
وبكل تأكيد، اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حركة حماس ببدء ما أسماها “حرباً قاسية وشريرة”، لكن الحقيقة أن الفلسطينيين لم يبدؤوا شيئاً، لقد تمكنوا بعد سنوات من النضال من إيجاد طريقة لإيذاء جلادهم فحسب!
بالنسبة للفلسطينيين، سيكون “الثمن غالياً” بلا شك، فإسرائيل ستقصف المدنيين وتنزل بالأسرى لديها أشد العقوبات، ومع ذلك، انظروا إلى ضآلة التعاطف والاهتمام من جانب الغرب تجاه الفلسطينيين، نساء وأطفالاً، الذين ستقتلهم إسرائيل مرة أخرى، وسوف يتم حجب معاناتهم مرة أخرى وتبريرها تحت عنوان “الانتقام الإسرائيلي”.
الدروس الحقيقية
الحقيقة أن كل التحليلات التي تركز على “الأخطاء” الاستخبارية الإسرائيلية تصرف الانتباه عن الدرس الحقيقي المستفاد من الأحداث السريعة التطور، فلم يهتم أحد عندما كان الأمر يتعلق بحصار الفلسطينيين وحرمانهم من أساسيات الحياة، فما هو حجم بضعة عشرات من المحتجزين الإسرائيليين لدى مقاتلي حماس مقارنة باحتجاز 2 مليون فلسطيني في سجن مفتوح منذ سنوات؟!
لم يهتم أحد أيضاً عندما عرفوا أن الفلسطينيين في غزة يخضعون إلى “نظام غذائي للتجويع”، ولا يًسمح إلا بدخول كميات محدودة من الطعام، كما لم يهتم أحد حقاً عندام قصفت إسرائيل القطاع لمرات عديدة، وراح ضحية ذلك مئات الفلسطينيين، فإحدى العمليات أطلقت عليها إسرائيل ببساطة “جز العشب”، فتدمير مساحات شاسعة من غزة هو أمر تفاخر به جنرالات إسرائيل باعتباره أشبه بإعادة القطاع إلى العصر الحجري ضمن استراتيجية عسكرية تُعرف بـ “عقيدة الضاحية”.
الحكومات الغربية التي أرعبتها الهجمة الفلسطينية على إسرائيل هي نفسها الحكومات التي تلتزم الصمت في الوقت الذي تقوم فيه إسرائيل بقطع الكهرباء عن غزة، بحجة “انتقام” مفترض، في الوقت الذي يعلم فيه هؤلاء أن العقاب الجماعي لكل سكان القطاع بمثابة جريمة حرب!
لم يهتم أحد أيضاً عندام استهدف قناصة إسرائيليون الممرضات والأشخاص على كراسٍ متحركة حين خرجوا للاحتجاج على سجنهم الكبير، وفي لحظات صار هناك آلاف ممن بُترت أطرافهم لاحقاً بعد إطلاق القناصة الإسرائيليين الرصاص على سيقانهم و أذرعهم!
من هنا، فإنه من الصعب استيعاب القلق الغربي تجاه مقتل المدنيين الإسرائيليين على أيدي المقاتلين الفلسطينيين، ألم يمت مئات الأطفال الفلسطينيين خلال 15 عاماً؟ ألم تكن حياتهم تساوي حياة الإسرائيليين، وإذا لم تكن تساويها حقاً، فلماذا لا ؟!
بعد سنوات من اللامبالاة الغربية، لم يعد الرعب المفاجئ الذي يصيح به الساسة ووسائل الإعلام في الغرب مستساغاً، فالفلسطينيين قد وجدوا أخيراً طريقة للرد بفعالية، فقد تمزق القناع وتكشفت العنصرية السافرة التي تتنكر في شكل قلق أخلاقي في العواصم الغربية!
نفاق يقطر قطراً!
ومن يقطر بهذا النفاق؟ رئيس أوكرانيا، فولوديمير زيلينسكي، ففي تغريدة مطولة أدان الفلسطينيين بوصفهم “إرهابيين” وأكد دعمه الثابت لإسرائيل، قائلاً “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس أمر لا جدال فيه، يجب على العالم أن يقف متحداً متضامناً حتى لا ينتصر الإرهاب على الحياة في أي مكان وفي أي لحظة”.
من المدهش كيف يمكن قلب الواقع هكذا، فالفلسطينيون لا يستطيعون “التأثير على الحياة” في إسرائيل، إسرائيل هي التي تحاول منذ سنوات طويلة إذلال الفلسطينيين والتأثير على حياتهم، فأشكال “الإرهاب” لدى زيلينسكي وحلفائه من الغرب ليست متساوية فيما يبدو، بالنسبة لهم، لا يرون أن إرهاب إسرائيل ليس السبب وراء جعل حياة الفلسطينيين بائسة لعقود!
كيف يكون لإسرائيل “حق لا جدال فيه في الدفاع عن نفسها” ضد الفلسطينيين وهي التي تحتل أراضيهم؟ لماذا لا يكون، بهذا المنطق إذن، حق لروسيا في “الدفاع عن نفسها” عندما تضرب المدن الأوكرانية “انتقاماً” من الأوكرانيين الذين يريدون تحرير أراضيهم من الاحتلال الروسي؟!
وفق هذا المنطق، فإن إسرائيل، الطرف الأقوى، تقوم بتدمير غزة “انتقاماً” كما تقول البي بي سي، فعلى أي أساس، إذن، سيتمكن زيلينسكي من غدانة موسكو عندما تطلق صواريخها “انتقاماً”؟ وإذا كانت المقاومة الفلسطينية إرهاباً، فما يفعله زيلينسكي إرهاب أيضاً!!
لا مكان للاحتماء
لقد أدت شدة الانغماس والاستغراق في الخداع الإسرائيلي، إلى غرق حلفاء إسرائيل في المزيد من الأكاذيب الشنيعة، ففي نهاية الأسبوع، حذر نتنياهو الفلسطينيين في غزة بقوله أن عليهم “المغادرة الآن” لأن القوات الإسرائيلية تستعد “للتحرك بكل قوة”، وهو يعلم كما يعلم حلفاؤه الغربيون أنه ما من مكان ليفروا إليه أو يختبؤوا به، فالفلسطينيون الوحيدون القادرون على “مغادرة غزة” هم أفراد الفصائل المسلحة.
يمكن للإسرائيليين والغربيين الاستمرار في تبرير القمع الذي يتعرض له الفلسطينيون وحرمانهم من حق المقاومة، ولكن نفاقهم وخداعهم في ذلك بات مكشوفاً ومفضوحاً!
الحكومات الغربية التي أرعبتها الهجمة الفلسطينية على إسرائيل هي نفسها الحكومات التي تلتزم الصمت في الوقت الذي تقوم فيه إسرائيل بقطع الكهرباء عن غزة، بحجة “انتقام” مفترض، في الوقت الذي يعلم فيه هؤلاء أن العقاب الجماعي لكل سكان القطاع بمثابة جريمة حرب!
أليس غريباً أن المسؤولين الغربيين يفهمون أن قيام روسيا بقصف محطات الطاقة في أوكرانيا جريمة حرب؟ بل ويطالبون بجر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي؟ لماذا يبدو من الصعب عليهم فهم ذلك حين يتعلق الأمر بغزة؟!
شجاعة الهروب
هناك درسان سريعان ومتناقضان بذات الوقت، يمكن تعلمهما مما حدث، الأول هو أن الروح الإنسانية لا يمكن حبسها إلى أجل غير مسمى، فالفلسطينيون في غزة يبتكرون باستمرار طرقاً جديدة للتحرر من قيودهم، فقد بنوا شبكة أنفاق ولكن إسرائيل قامت بتدمير معظمها، وأطلقوا الصواريخ يتم إسقاط الكثير منها بواسطة أنظمة إسرائيل الأكثر تطوراً، كما قاموا بتنظيم احتجاجات قرب السياج شديد التحصين، وأطلق عليهم قناصة إسرائيليون النار أيضاً.
ما حصل الآن هو عملية هروب كبيرة وشجاعة، وبالمقابل “إسرائيل” ستقوم بقصف القطاع “انتقاماً” فقط، بالتأكيد، وإعادته إلى القفص، ومع ذلك، فإن تطلع الفلسطينيين للحرية والكرامة لن يتضاءل، بل سيظهر بشكل جديد مرة أخرى، وأكثر “وحشية” وضراوة بلا شك، أما الحقيقة، فهي أن الطرفين المسؤولين عن الوحشية هما إسرائيل والغرب الذي يدعمها بسخاء.
أما الدرس الثاني، فهو أن إسرائيل، التي ينغمس رعاتها الغربيون في روايتها، ليس لديهم أي حافز بعد لاستيعاب الحقيقة المستفادة من الدرس الأول، رغم وضوح الإجماع الإسرائيلي على الاستمرار في قمع الفلسطينيين، ولهذا فحتى ما يسمى “المعارضة الإسرائيلية” لم تتردد يوماً في دعم القصف على غزة تحت عنوان “تلقينهم درساً”، درساً لا يعبر عنه شيء أكثر من التأكيد على أن الفلسطينيين يجب عليهم القبول بالدونية والسجن الدائم!
من أجل ذلك الهدف، يجري “الإسرائيليون الطيبون” بالفعل اليوم، زعيما المعارضة يائير لابيد وبيني غانتس، مشاورات مع نتنياهو للانضمام إليه في “حكومة وحدة طارئة”، فما هي الطوارئ يا ترى؟ هل هم الفلسطينيون الذين يقاومون العيش كأسرى داخل وطنهم؟!
يمكن للإسرائيليين والغربيين الاستمرار في تبرير القمع الذي يتعرض له الفلسطينيون وحرمانهم من حق المقاومة، ولكن نفاقهم وخداعهم في ذلك بات مكشوفاً ومفضوحاً!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)