منذ اللحظة الأولى لهجوم حماس من داخل غزة، قطع رئيس الوزراء الإسرائيلي وعدا لم ينتبه له الكثيرون.
في حديثه مع عمد البلدات الحدودية قال؛ إن رد إسرائيل “سوف يغير الشرق الأوسط”. وعاد وكرر نفس الشيء في خطابه الموجه إلى الشعب المصدوم، حيث قال: “ما سنفعله بأعدائنا خلال الأيام القادمة، سوف يظل صداه يتردد معهم لأجيال قادمة”. فما الذي يجول في خاطره؟
نعلم أنه انتظر طويلا؛ رجاء أن يتمكن من ضرب مرافق إيران النووية. بعد مرور ثلاث سنين على إحباط محاولته في عام 2010، قال في مقابلة مع سي بي إس: “لن أنتظر حتى يفوت الأوان.”
كما نعلم أيضا أنه يريد أن يجتث حزب الله وحماس، التي وصفها ذات يوم في حديث له معي (عندما كان في المعارضة)، إنهما بمنزلة حاملتي طائرات تعملان لإيران.
لقد استخدم، منذ الهجوم الذي شنه المقاتلون الفلسطينيون يوم السبت، كلمات وعبارات مشابهة لتلك التي صدرت عن الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش؛ ردا على هجمات الحادي عشر من سبتمبر. في أثناء مطاردة القاعدة في أفغانستان، كان نائب الرئيس السابق ديك تشيني، القوة الحقيقية من وراء العرش، يفكر بهجوم أكبر على العراق.
هل يفكر نتنياهو باستغلال الدعم الهائل الذي يحظى به حاليا من المجتمع الدولي في تنفيذ حملته ضد غزة؛ من أجل تحقيق شيء أكبر، كما فعل بوش في 2001؟
ولقد أومأ زعيم المعارضة الإسرائيلية، بيني غانتز، هو الآخر إلى شيء أكبر، حين قال: “سوف ننتصر ونغير الواقع الأمني والاستراتيجي في المنطقة.”
نكبة ثانية
إن إعادة احتلال غزة والقضاء على فصيل فلسطيني مسلح واحد، لن يغير الواقع الاستراتيجي في المنطقة، ولا تحتاج إلى جيش قوامه 360 ألف جندي حتى تستعيد احتلال غزة. يمثل ذلك أضخم عدد من الاحتياطيين يتم استدعاؤهم في تاريخ البلد.
بحسب مصادري، يوجد لدى حماس من الرجال المسلحين ستون ألفا كحد أقصى، وقد تتمكن بصعوبة بالتعاون مع الفصائل الأخرى من تشكيل قوة تعدادها ثلث ذلك العدد.
طبعا من الممكن أن يكون ذلك مجرد تبجح – من نمط اللغة العدوانية التي يتسم بها خطاب نتنياهو. لكم جاءت مثل هذه التعهدات بتغيير الشرق الأوسط على لسان مسؤولين إسرائيليين وأمريكيين سابقين، وثبت أنها جوفاء.
خذ على سبيل المثال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شمعون بيريز، الذي ألف كتابا يشرح فيه كيف ستعيد أوسلو تغيير شكل الشرق الأوسط. وكذلك وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس، التي أشارت إلى تشكل”شرق أوسط مختلف”، عندما حثت إسرائيل على تجاهل المطالبات بوقف إطلاق النار بعد أحد عشر يوما من قصفها لحزب الله في جنوب لبنان في عام 2006.
ولكن ماذا لو كان ذلك الذي يتم التخطط له مشروعا أكبر من ذلك؟ على ماذا سوف ينضوي، وما هي الأخطار التي يشكلها على المنطقة ككل؟
أول وأوضح إجابة هي نكبة ثانية، أو طرد جماعي لجزء كبير من سكان قطاع غزة الذين يبلغ تعدادهم 2.3 مليون نسمة –، وهو رقم يكفي لتغيير القنبلة الزمنية السكانية التي لا يغيب هاجسها عن ذهن كل واحد من الإسرائيليين.
يوم الثلاثاء، قال المقدم الإسرائيلي ريتشارد هيشت في حديث مع الصحفيين؛ إنه ينصح اللاجئين الفلسطينيين “بالخروج” من خلال معبر رفح على حدود غزة الجنوبية مع مصر. ثم اضطر مكتبه لأن “يوضح” ما قاله هيشت من خلال الإقرار بأن المعبر كان مغلقا.
أثار الأزهر الشريف، أكبر مؤسسة دينية في مصر، إمكانية أن تضطر مصر للسماح للاجئين المتدفقين من قطاع غزة بالعبور إليها – وهو نفس ما حدث بعد حربي عام 1948 وعام 1967 بين العرب والإسرائيليين. ودعا الأزهر الفلسطينيين إلى الصمود والثبات وحثهم على البقاء حيث هم. ما الذي سيدفع الأزهر إلى إصدار مثل هذا التصريح لولا أن إمكانية حدوث نزوح جماعي جديد قد تمت مناقشتها خلف الأبواب المغلقة.
من شأن وصول مليون فلسطيني من غزة إلى سيناء، وبدون أدنى مبالغة، أن يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه بالنسبة لمصر، وذلك بعد عقد من الانهيار الاقتصادي تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي. منذ فترة وأعداد غير مسبوقة من المصريين يركبون البحر في قوارب. يدرك السيسي نفسه هذا الخطر، ولذلك لم يكن منه إلا أن كرر الدعوة الصادرة عن الأزهر.
“حيوانات بشرية”
لا يوجد أدنى شك فيما سيكون للطرد الجماعي للفلسطينيين من أثر على التوازن الدقيق بين الفلسطينيين وسكان الضفة الشرقية من الأردن، الذي يشترك مع إسرائيل في أطول حدود، وهي الحدود التي ماتزال حتى الآن على الأقل أهدأ الجبهات.
من شأن النكبة الثانية أن تخلق أزمة وجودية لأول بلدين عربيين اعترفا بإسرائيل، وذلك أن مثل هذه الأزمة سوف تهدد قدرة كل واحد من النظامين على السيطرة على دولته.
وعلى الرغم من ذلك، وكما هو جلي من تصريحات القيادة الإسرائيلية ومن أفعال طياريها، فإن الطرد الجماعي هو بالضبط ما قد تحاول إسرائيل حمل أهل غزة عليه في الوقت الراهن.
يوم الاثنين، وصف وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الفلسطينيين بأنهم “حيوانات بشرية”، وذلك تعليقا على مزاعم تقول؛ إن حماس قطعت رؤوس الأطفال، وهي مزاعم لم يمكن التحقق من صحتها بشكل مستقل، ولم تصدر عن الصحفيين الإسرائيليين عندما سمح لهم للوهلة الأولى برؤية آثار ما وقع داخل كفار عزا.
في نفس اليوم، دعا عضو الكنيست ريفيتال غوتليف إسرائيل إلى التفكير باستخدام القنبلة النووية ضد غزة، وغرد عبر السوشال ميديا قائلا: “فقط انفجار يهز الشرق الأوسط من شأنه أن يعيد للبلد كرامته وقوته وأمنه. آن لنا أن نرسلهم إلى الجحيم.”
ثم هذا غيورا إيلاند، الجنرال السابق، يقول؛ إنه يتوجب على إسرائيل “خلق أزمة إنسانية غير مسبوقة” في غزة، وهدد بنكبة أخرى قائلا: “فقط تعبئة عشرات الآلاف وصيحة المجتمع الدولي يمكن لهما أن يمارسا الضغط اللازم على غزة، لتختار بين أن تكون بلا حماس أو تكون بلا شعب. إننا في حرب وجودية”.
يوم الجمعة لم يبق ثمة شك حول ما الذي تنوي إسرائيل القيام به؛ فقد أخبر الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين في شمال غزة بأن عليهم أن يغادروا، قائلا؛ إنهم لن يسمح لهم بالعودة “حتى نقرر نحن متى يكون ذلك”. وأما حماس، فقالت للفلسطينيين في شمال غزة إن عليهم الصمود والثبات والبقاء داخل بيوتهم.
ها هي النكبة الثانية قد بدأت.
يوم الأربعاء، صرح مسؤول عسكري إسرائيلي في حديث مع القناة 13 بأن غزة سوف تُسوى بها الأرض وتتحول إلى “مدينة من الخيام” – وهو، لو أردنا الإنصاف، ما لم يلبث يحدث كل يوم منذ العملية التي قامت بها حماس.
الذبح الليلي
ثمة مذبحة ترتكب كل ليلة تقريبا في غزة. أبيدت عائلات بأكملها بالقنابل الدقيقة. قيل للفلسطينيين بأن عليهم إخلاء أحيائهم بالكامل، ولكنهم ما إن يفعلوا ذلك حتى تسلط عليهم القنابل. ولا يُكتفى بقصف الأحياء مرة واحدة، بل يتكرر قصفها حتى تسوى تماما بالأرض.
في الحملات السابقة، كان الفلسطينيون يفرون إلى الرمال، وهي منطقة ثرية نسبيا تسكنها الطبقة الوسطى على جانب البحر. كانت تلك المنطقة تعتبر ملاذا آمنا؛ لأن إسرائيل في الحملات السابقة لم يكن لديها سبب لقصفها. أما الآن فقد سويت الرمال بالأرض.
لا يتم ارتكاب هذه المذابح بشكل عفوي من قبل طيارين غير منضبطين كل ما يريدونه هو الانتقام لجرائم حرب، يُزعم بأن حماس ارتكبتها في جنوب إسرائيل، بل يتم كل ذلك عن سبق إصرار وترصد وتصميم. وما الهدف من قطع الكهرباء والماء والطعام عن أكثر من مليوني نسمة، وإخضاعهم لهذا القصف الليلي، إلا حملهم على الفرار.
لا يوجد مكان آمن في غزة يمكن أن يلوذ به المرء من هذا الشكل من الإبادة الجماعية. تم قصف 14 مرفق طبي حتى الآن، ومنذ يوم السبت قتل 500 طفل.
وبناء عليه، ما لم يتم إيقاف إسرائيل، فالمسار الذي تتخذه سيفضي ليس إلى قتل 2251 رجلا وامرأة وطفلا في غزة – كما كان عليه الحال في الاجتياح البري الذي نفذته في عام 2014 –، بل إلى قتل عشرات الآلاف، وهو معدل مرتفع من الضحايا يكفي لإنتاج نكبة أخرى.
قبل ذلك، يمكن أن ينجم عن هذه السياسة أثران اثنان، أما الأول فهو اندلاع حرب أهلية داخل إسرائيل بين فلسطينيي 1948 واليهود الإسرائيليين، ثم اندلاع حرب إقليمية مع حزب الله، وفي نهاية المطاف مع إيران.
لربما كان هذا ما يفكر به نتنياهو في عقله الباطن. لن يغير سحق حماس من الشرق الأوسط، وإنما الذي سوف يحقق ذلك دون أدنى شك، هو خلع أنياب حزب الله وإيران كقوى لديها الاستعداد لمحاولة عمل أي شيء ضد إسرائيل على مدى العقد القادم.
لقد حطم المقاتلون الفلسطينيون في غارة الفجر صبيحة يوم واحد الأسطورة التي نسجت حول مناعة إسرائيل، وهي التي تمتعت بها منذ أن هزمت ثلاثة جيوش عربية في حرب الأيام الستة في عام 1967. بل حتى حرب 1973 لم تسبب صدمة تعادل تلك التي نجمت عن هجوم حماس.
تقول إسرائيل الآن؛ إن هذه الحرب حرب وجودية. ولكنْ، ثمة إحساس في الشارع بأن إسرائيل بلد لا وجود للسلطة فيه، بلد يمكن للإسرائيليين أن يأخذوا حقوقهم بأيديهم، بلد راح المواطنون العاديون، الذين لا يربطهم شيء لا بالمستوطنين ولا باليمين المتطرف، يتجولون في الشوارع والطرقات وهم مسلحون. هذا هو ما وصل إليه المستوى العام من الكراهية والخوف، وما هي إلا مسألة وقت قبل أن يبدأ الفلسطينيون في الداخل يتعرضون للاعتداء.
محليا، من يوجدون في معسكر اليمين القومي الديني المتطرف، مثل وزير المالية بيزاليل سموتريتش ووزير الأمن الوطني إيتامار بن غفير، لم يكفوا عن القول منذ سنين “هيا اجلبوها عليهم”.
في شباط/فبراير الماضي، اتهم غانتز سموتريتش بدعم منا يمارسه المستوطنون من عنف داخل الضفة الغربية المحتلة؛ لأنه “يريد أن يسبب نكبة فلسطينية أخرى.” والآن، ها هما غانتز وسموتريتش يجلسان جنبا إلى جنب في الطاقم الحكومي نفسه.
من وجهة نظر اليمين القومي الديني، كلما تعجل سحق القضية الوطنية الفلسطينية، كان ذلك أفضل. ولذلك فإن الصدمة التي سببها توغل حماس الناجح داخل مستوطنات غلاف غزة، تعتبر بالنسبة لهم منحة من السماء. فقد أنتج ذلك بالضبط نفس ما كانوا يرنون إليه من ظروف.
الحرب الإقليمية
على الحدود مع إسرائيل، غدت إمكانية إشعال غزة لفتيل حرب إقليمية أكبر من أي وقت مضى. فالمشاعر ملتهبة في كل العواصم العربية.
يد حزب الله على الزناد. وحزب الله بلا منازع هو أفضل مجموعة مسلحة إعدادا وعتادا تواجهها إسرائيل. ثمة تقارير على درجة عالية من المصداقية تفيد بأن حزب الله شرع في التعبئة العامة.
تم تنفيذ هجمات خلال الأيام الماضية انطلاقا من الحدود اللبنانية، بما في ذلك مواجهة شارك فيها مقاتلون يقال إنهم من الجهاد الإسلامي، وقتل فيها ثلاثة من جنود إسرائيل. كما قتل ثلاثة من مقاتلي حزب الله، بعد أن هاجمت إسرائيل مواقع في لبنان؛ انتقاما لمن سقط من جنودها.
فيما لو مضت إسرائيل في تنفيذ هجومها البري، وقد يكون ذلك قريبا جدا، فسيكون أمام حزب الله واحد من خيارين، إما أن ينتظر حتى تجهز إسرائيل على حماس ثم بعد ذلك تتوجه إليه –علما بأنه في هذه الحالة فعليا سيكون وحيدا–، أو أن ينضم إلى حماس وغيرها من الفصائل المسلحة داخل غزة، بينما لاتزال كل واحدة من هذه المجموعات محتفظة بفعاليتها كقوة قتالية.
لربما كانت لدى حزب الله أسباب وجيهة تدفعه للحفاظ على الوضع القائم على الحدود اللبنانية كما هو، ولكن هذا لم يعد صراعا بإمكان أي مجموعة تقف في مواجهة مع إسرائيل، أو أي جزء من الحركة الفلسطينية، أن تجلس متفرجة دون أن تسلم إسرائيل تذكرة مجانية للعبور.
يوم الخميس، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان؛ إن الجرائم التي ترتكب ضد الفلسطينيين، لسوف يتم الرد عليها من قبل “بقية محور المقاومة”.
يحق لحزب الله أن يظن بأنه كلما طال أمد الوضع الحالي، زاد انكشاف كل واحدة من الجبهات ما لم يعملوا معا كوحدة واحدة. لربما كانت تلك هي الطريقة التي يمكن من خلالها إجبار إسرائيل على الدخول في اتفاق لوقف إطلاق النار داخل غزة يتم التفاوض عليه.
والذراع الثاني لآلية الانضباط هو الولايات المتحدة. فهل يريد الرئيس جو بايدن بالفعل أن يُجر إلى حرب إقليمية، التي سوف تشترك فيها كل جماعة مسلحة مرتبطة بإيران، مثل الحوثيين –وهي حرب لم تستعد لها الولايات المتحدة ولا بالحد الأدنى–، هذا في الوقت نفسه الذي وصل فيه الهجوم المضاد الذي تشنه أوكرانيا إلى طريق مسدود، وها هو الشتاء مقبل على الأبواب، بينما يستطيع الرئيس فلاديمير بوتين الآن تذوق طعم النصر، في ضوء حالة الإعياء التي أصابت أوروبا من خوضها للمعركة.
هل يعقل أن تخوض الولايات المتحدة حربا إقليمية في الشرق الأوسط لم يخطط لها، السبب من وراء اندلاعها حليف معتوه؟ لا أظن أن هذا من العقل في شيء. لقد منح بايدن نتنياهو ضوءا أخضر شديد الإشعاع، وذلك من خلال منحه إسرائيل دعما لا لبس فيه. ولكني لا أظن أن الولايات المتحدة قدرت التبعات المدمرة المحتملة لما يجري الآن في غزة.
الأخطار المحدقة
يتشكل الآن أمام السواحل اللبنانية أسطول حربي غربي يراد من نشره هناك ردع حزب الله.
قبل أن يقوموا بأي عمل، عليهم أن يتذكروا ما جرى قبل أربعين سنة في بيروت، عندما اقتحمت شاحنة محملة بالمتفجرات المعسكر الذي يؤوي جنود البحرية الأمريكيين، وبعد دقائق من ذلك، وقع هجوم مشابه على فرقة من المظليين الفرنسيين، قتل في العمليتين ما يقرب من ثلاثمائة عنصر عسكري.
حينذاك، أراد الرئيس الأمريكي رونالد ريغان والرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران شن ضربات جوية، ولكن في النهاية لم يتم القيام بأي هجمات انتقامية، فيما عدى ما وقع من قصف بحري، وذلك لأن وزير الدفاع الأمريكي كاسبر واينبيرغر ووزير الخارجية جورج شولتز لم يتمكنا من الاتفاق على هوية من ذا الذي يتحمل المسؤولية عن التفجيرين.
وهذه المرة لا مفر من أن تطن أذنا بايدن بما كان قد قاله للرئيس أوباما حينما كان نائبا للرئيس، حول عدم البدء بحروب لا يمكن للمرء أن ينهيها.
يزور المنطقة حاليا كل من وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن ووزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن؛ سعيا منهما لتهدئة الأمور. إلا أن المهمة التي جاءا من أجلها تكاد تكون مستحيلة. فبعد أن سمحا لإسرائيل بإشعال الفتيل، ها هما يحاولان احتواء الوضع والحيلولة دون وقوع الانفجار.
مقارنة بما كان عليه الوضع حينما قام كل من الرئيس الأمريكي جورج دبليوبوش ورئيس الوزراء البريطاني طوني بلير بالتخطيط بكل ابتهاج لغزو العراق في عام 2003، غدا الشرق الأوسط اليوم أشد ضعفا؛ فسوريا والعراق واليمن والسودان وليبيا كلها في حالة من الدمار الشامل، بينما تعاني كل من مصر والأردن وتونس من حالة من الإفلاس. كما أدى انعدام الاستقرار إلى تدفق سيل من اللاجئين عبر البحر المتوسط، وهو مسار تسعى حتى أكثر الدول رحابة وضيافة، مثل تركيا، إلى تحويله في الاتجاه المعاكس.
لو أن ثلث ما كتبته أعلاه فقط يؤتي أكله، فلسوف ينتهي الأمر بإسرائيل أمام حدود مفتوحة، ولسوف تصبح سراحا مراحا لكل مجموعة مسلحة ترغب في اجتياحها، من لبنان إلى الأردن إلى مصر. وهنا سوف تفقد إسرائيل، في الحد الأدنى، الهدوء الذي طالما استمتعت به على امتداد حدودها الأطول مع الأردن.
لا قبل لأحد بتحمل ما يضمره رجل واحد، نتنياهو، في رأسه. لا قبل لأحد بتحمل الصك على بياض الذي منحه إياه الغرب حتى يبدأ بشن هذه العملية في غزة.
حملة غزة التي تتطور إلى خطة يمكن أن تغير الشرق الأوسط، من الممكن أن ترتد عكسيا وبشكل خطير جدا، وينبغي أن تتوقف قبل فوات الأوان.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)