بقلم هشام جعفر
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
يمثّل قرار دولة الاحتلال شن هجوم مباشر على إيران تصعيدًا بالغ الخطورة، يُدخل الشرق الأوسط في مرحلة جديدة من التوترات الجيوسياسية المتفجرة، ويهدد بتحويل الصراع المزمن في المنطقة إلى مواجهة شاملة، لا تُحمد عواقبها.
العملية العسكرية التي أطلق عليها اسم “الأسد الصاعد”، لم تكن مجرد ضربة تكتيكية، بل تعكس تحولًا نحو صدام مفتوح مع الجمهورية الإسلامية.
وجاء الرد الإيراني، عبر وابل من المسيّرات والصواريخ الباليستية، متوقعًا وربما ضروريًا من منظور طهران، حفاظًا على هيبتها ومصداقية ردعها الإقليمي.
لكن هذا التصعيد يضع المنطقة على حافة الهاوية، في دوّامة من العنف المتبادل الذي قد يستعصي على الضبط أو التنبؤ بمساراته.
من ذرائع الضربات إلى مخاطر الانفجار النووي
رغم ادعاء دولة الاحتلال أن ضرباتها تستهدف منع إيران من تطوير سلاح نووي، يشكك محللون كثر في قدرتها على تحقيق هذا الهدف دون دعم أميركي مباشر، فاستهداف منشآت محصّنة كمفاعل “فوردو” يتطلب ذخائر خارقة للتحصينات، تملكها الولايات المتحدة وحدها.
الخطورة أن هذه الضربات قد تؤدي إلى نتائج عكسية تمامًا: انسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي، وبدء سباق علني نحو امتلاك السلاح النووي، على غرار ما فعلته كوريا الشمالية، وقد عززت طهران هذه المخاوف بإعلانها رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60% وإنشاء منشآت تخصيب جديدة.
كما وجّهت هذه الضربات ضربة موجعة للمفاوضات النووية المتعثرة أصلًا مع واشنطن، فبينما نفت الولايات المتحدة رسميًا تورطها في الهجوم، فإن الاعتقاد السائد بتواطئها يعزز احتمالات أن تنظر إيران إلى الولايات المتحدة كطرف في الحرب، مما يقوّض أي جهد دبلوماسي مستقبلي، بل ويُدخل القوات الأميركية في عين العاصفة، إذا ما استهدفت طهران مصالحها أو قواعدها في المنطقة.
حسابات الخليج وتحالفات جديدة على رمال متحركة
القلق لا يقتصر على طهران و”تل أبيب”، بل يمتد إلى العواصم الخليجية التي تسعى إلى الاستقرار وتنمية اقتصاداتها بعيدًا عن كلفة الحروب، وقد أعربت دول عدة في الخليج عن مخاوفها من انجرارها إلى حرب إقليمية موسّعة، داعية إلى التهدئة وتغليب الحلول الدبلوماسية.
ومع ذلك، هناك تصاعد في التصور بأن دولة الاحتلال أصبحت “القوة الإقليمية المهيمنة”، وهو ما قد يدفع بعض الأطراف إلى بناء تحالفات هشّة معها، رغم استمرار معارضة الشعوب العربية لأي تقارب مع كيان الاحتلال، لا سيما في ظل المجازر المتواصلة في غزة.
في المقابل، يبدو أن دولة الاحتلال تسعى لتفكيك “محور المقاومة” وإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، مستغلةً اللحظة الإقليمية والدولية، فاستراتيجيتها لا تقتصر على منع امتلاك إيران للسلاح النووي، بل تهدف إلى إعادة ترتيب موازين القوى بالكامل لصالحها.
تعقيدات داخلية لدى الطرفين
الواقع أن كلًا من طهران ودولة الاحتلال يواجهان أزمات داخلية عميقة، فإيران ترزح تحت وطأة عقوبات اقتصادية، واضطرابات اجتماعية، وتراجع الثقة الشعبية، لكن لا تزال تملك أوراق ضغط إقليمية قوية.
أما داخل كيان الاحتلال، فالمشهد لا يقل ارتباكًا: أكثر من 600 يوم من الحرب في غزة، تدهور الوضع الإنساني، انقسامات سياسية عميقة، حكومة متطرفة متهمة بتوظيف الحرب للبقاء في السلطة، إضافة إلى تراجع غير مسبوق في صورتها الدولية، وتعثر صفقة تبادل الرهائن.
غضب شعبي وتراجع التطبيع
خارج نطاق الحكومات، تشهد الشعوب العربية حالة غليان غير مسبوقة، حيث فجرت المجازر في غزة، والهجمات على إيران، موجات احتجاجية واسعة، وأعادت الزخم للمطالب بإسقاط اتفاقيات التطبيع، حتى في الدول الموقّعة على “اتفاقيات أبراهام”.
ورغم أن هذه الاحتجاجات لم تسقط أنظمة، إلا أنها قيّدت هامش القرار السياسي، ودفعت بعض الحكومات إلى إعادة النظر في علاقاتها مع دولة الاحتلال خشية انفجار الشارع.
سيناريوهات الرد الإيراني… وخطر فقدان السيطرة
من غير المستبعد أن ترد إيران بعمليات إلكترونية، أو استهداف للقواعد العسكرية الغربية، أو حتى عبر ميليشيات حليفة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، فمثل هذه التفاعلات قد تؤدي إلى تورّط مباشر لقوى كبرى، بينها روسيا والصين، مما يعقّد المشهد أكثر.
الأسوأ أن محاولات إسقاط النظام الإيراني، إن حدثت، قد تفتح باب الجحيم، إذ يمكن أن تنقسم إيران عرقيًا (أكراد، بلوش، عرب، أذريين)، ما يؤدي إلى تكرار سيناريوهات ليبيا أو اليمن، حيث ظهرت مناطق خارجة عن السيطرة، وفراغات أمنية تغذي الجماعات المتطرفة كتنظيم القاعدة وداعش.
الشرق الأوسط أمام لحظة انفجار شامل
كل المؤشرات تدفع نحو سيناريو أسود: إعادة عسكرة الإقليم، انهيار الثقة في المسارات الدبلوماسية، احتقان شعبي متزايد، وانزلاق متسارع نحو حرب إقليمية قد تتحول بسهولة إلى مواجهة دولية.
فإن الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال في غزة لا تزال تلقي بظلالها الكئيبة على الوعي العربي، وتغذّي مشاعر السخط، كما أن العمليات العسكرية الإسرائيلية لا تدمر فقط المدن والبنية التحتية، بل تُضعف أنظمة الحكم الهشّة وتخلق فراغات سياسية وأمنية جاهزة للاستغلال.
في الظاهر، تبدو الحرب على إيران كأنها ضربة محددة الهدف لمنع التسلح النووي، لكن الحقيقة الأوسع أن دولة الاحتلال تسعى لإعادة هندسة التوازنات الإقليمية لصالحها، ولو على أنقاض الشعوب والأنظمة والدول.
هذه الاستراتيجية تنذر بانفجار إقليمي شامل، تتهاوى معه مشاريع التنمية، وتنهار التحالفات، وتشتعل الحروب، في مشهد مفتوح على كل الاحتمالات… باستثناء الاستقرار.
للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)