بقلم عمر سليمان
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لقد شهد العالم ذات الأسلوب قبل ذلك، من رواية التهديد الوجودي إلى جوقة إعلامية ترفض التشكيك وسياسيون يقرعون طبول الحرب متذرعين بالأمن لتبرير العدوان، وكان العراق هو الهدف حينها، واليوم الهدف هو إيران.
وعلى الجانب الآخر، هناك حقيقة صارخة غير معلنة وهي أن إسرائيل تمتلك بالفعل أسلحة نووية ولا أحد يحاسبها!
دعونا نتوقف عند الحقائق قليلاً، فإيران من الدول الموقعة على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وتسمح بإجراء عمليات تفتيش دولية من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أنها تخضع لمراقبة مستمرة وتواجه عقوبات حتى على إمكانية امتلاك القدرة النووية.
بعد مرور أكثر من عقدين على حرب العراق، ظننا أن رواية التهديد الكاذبة قد اندثرت لتعود مرة أخرى لتبرر الهجوم على إيران، ولذلك يجب أن تكون مقاومتنا جماعية لتلك الرواية اليوم، من خلال مهاجمة المعيار المزدوج الذي يتجاهل جرائم إسرائيل فقط!
وعلى الناحية الأخرى، فإن إسرائيل ليست من الدول الموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي، ولم تسمح قط بتفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمنشآتها النووية، ومع ذلك فهي تمتلك ما يقرب من 90 رأساً نووياً، كما أنها القوة الوحيدة المسلحة نووياً في الشرق الأوسط، وقد دأبت على التصرف بشكل يتعارض مع القانون الدولي من خلال تكتيكاتها القاتلة التي تستهدف المدنيين.
نفاق واضح
يخضع قادة إسرائيل اليوم في هذه اللحظة التاريخية لتحقيق المحكمة الجنائية الدولية بتهمة الإبادة الجماعية، فغزة في حالة خراب فقد قتل عشرات الآلاف من سكانها وتم تقطيع الأطفال ودفن عائلات بأكملها تحت الأنقاض، وما الجهة المسؤولة عن ذلك إلا تلك المسلحة بالأسلحة النووية والمعفاة تماماً من التدقيق الذي تفرضه على الآخرين!
في ظل ذلك، ما الذي يمكن استنتاجه عما يسمى بالنظام الدولي القائم على القواعد؟ تؤكد الحقائق أعلاه بأن القواعد تنطبق فقط على أولئك الذين ليس لديهم سلطة، أما بعض الدول فيسمح لها بالتصرف خارج نطاق القانون الدولي تحت حماية التحالفات الجيوسياسية وصمت الجهات التي تساعدها.
وتؤكد تلك الحقائق أيضاً أن نفس المؤسسات الإعلامية والسياسية التي زعمت أن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل، ثم ثبت خطأها بشكل كارثي، لم تطرح ذات السؤال حين تعلق الأمر بإسرائيل، فلماذا لا تلتزم إسرائيل بنفس المعايير التي تلتزم بها إيران؟ أو أي دولة أخرى؟
لماذا لا تكون القوة النووية التي تحاكم بتهمة الإبادة الجماعية موضع اهتمام عالمي عاجل؟ ولماذا نخشى من قنبلة إيرانية مفترضة أكثر من خوفنا من الترسانة الإسرائيلية الموجودة بالفعل؟! إنه نفاق واضح!
يرى الجنوب العالمي كل هذا النفاق، كما يراه المسلمون، ولسوء الحظ فإن الشعب الفلسطيني عليه أن يعيش ذلك النفاق ويتحمل تكلفته، كما أن الناس في الغرب قد استيقظوا على المعايير المزدوجة التي تؤدي إلى تآكل أي سلطة أخلاقية تدعي الولايات المتحدة وحلفاؤها أنهم يمتلكونها، فالأمر لا يتعلق الأمر بالدفاع عن إيران أو سجلها، بل يتعلق الأمر بالتآكل الخطير للمعايير الدولية.
لو كان المجتمع الدولي يهتم حقاً بمسألة منع الانتشار النووي، فلابد وأن تخضع كل الدول النووية للمساءلة، وخاصة تلك التي ترفض الشفافية وترتكب جرائم حرب وتؤدي إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار في المنطقة.
أما إذا ما استمرت إسرائيل في التمادي بحرية رغم أعمال العنف التي تمارسها ومخزونها من الأسلحة، فإن معاهدة منع الانتشار النووي تصبح بلا معنى والوكالة الدولية للطاقة الذرية تصبح مؤسسة بلا قيمة، وكل “خط أحمر” مستقبلي يصبح مجرد درجة جديدة من النفاق.
من المنطلق الأخلاقي، لابد أن يكون من السهل القول بأنه لا بد من محاسبة إسرائيل ليس فقط عن أفعالها في غزة والضفة الغربية المحتلة، بل وأيضاً عن ترسانتها النووية، ولا يمكننا أن نسمح بانجرار العالم إلى حرب أخرى مدعومة بذرائع كاذبة وإنفاذ انتقائي.
بعد مرور أكثر من عقدين على حرب العراق، ظننا أن رواية التهديد الكاذبة قد اندثرت لتعود مرة أخرى لتبرر الهجوم على إيران، ولذلك يجب أن تكون مقاومتنا جماعية لتلك الرواية اليوم، من خلال مهاجمة المعيار المزدوج الذي يتجاهل جرائم إسرائيل فقط!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)