الهند.. عملاق آسيوي يتقمص أسلوب الدولة العبرية في تزوير الديموغرافيا وارتكاب الإبادة

بقلم آزاد عيسى

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

خلال ساعات صباح الأربعاء الأولى، شنّ الجيش الهندي سلسلة من الغارات الجوية على باكستان والشطر الخاضع لإدارتها من كشمير، حيث أعلنت الحكومة الباكستانية بأن الغارات الجوية استهدفت مساجد ومدارس دينية ومجمعات سكنية، مما أسفر عن مقتل 31 مدنياً، بينهم عدد من الأطفال.

وبحسب التقارير، فقد ردت إسلام آباد على الهجوم بإسقاط ما لا يقل عن ثلاث طائرات مقاتلة هندية، ومقتل نحو 15 مدنياً، بينهم عدد من الأطفال، في الشطر الخاضع للسيطرة الهندية من كشمير، في قصف متبادل بدأ على المناطق الحدودية التي تفصل بين شطري الإقليم المتنازع عليه.

ويوم الخميس، أطلقت الهند عدة طائرات مقاتلة بدون طيار من صنع دولة الاحتلال على باكستان، أسقط الجيش الباكستاني بعضها، وفقاً لإسلام آباد.

ووصفت الحكومة الهندية أفعالها بأنها رد على هجوم على سياح في باهالغام، وهي منتجع جبلي في الشطر الخاضع للسيطرة الهندية من كشمير، والذي أسفر عن مقتل 26 زائراً، معظمهم سياح هنود، في 22 أبريل/نيسان.

وزعمت الهند أن ذلك الهجوم كان من تدبير باكستان التي نفت على الفور أي مسؤولية لها ودعت بدلًا من ذلك إلى تحقيق دولي، وهو ما سارعت نيودلهي إلى رفضه.

وعندما شنت الهند غاراتها الجوية يوم الأربعاء، فعلت ذلك دون تقديم أي دليل يُثبت ادعاءاتها، بل بدا أنها اعتمدت على الضجة الإعلامية والقيادات السياسية الهندية لتُثبت أن الهند وقعت مجددًا ضحية هجوم إرهابي شنته دولة وشعب يُزعم أنهما ملتزمان بتقويض قوتها الاقتصادية واستقرارها الديمقراطي وتناغمها الديني والمجتمعي.

وفي الساعات التي أعقبت هجمات باهالغام، عبّرت وسائل إعلام هندية مؤثرة عن تأييدها لضرورة منع إسلام أباد من تجاوز أي “خطوط حمراء” أو القيام بأي “رد فعل غير متناسب” والدعوات لــ “حل نهائي” ضدها.

وتمت إضافة عبارات مشابهة لتلك التي استخدمتها دولة الاحتلال في أعقاب هجمات حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، للتعبير عن الحاجة الملحة للهند لترويض هذا الجار المتوحش.

وقد أثار هذا السلوك موجة من جرائم الكراهية ضد المسلمين، شملت الضرب وإتلاف الممتلكات والمضايقة، كما واجه مسلمو كشمير الذين يعملون أو يدرسون في الهند عنفًا من قِبل جماعات أهلية في منازلهم وفي حرم جامعاتهم، واضطر الكثيرون منهم إلى العودة إلى كشمير طلبًا للسلامة.

وفي كشمير، استغلت الحكومة الهندية الهجمات لمزيد من قمع الكشميريين واعتُقل ما يقرب من 2000 شخص، وهُدم أكثر من 10 منازل تابعة لمسلحين مزعومين دون أي إنذار لعائلاتهم، وقُتل عدد من الكشميريين خارج نطاق القضاء.

وتزامنت الاعتداءات الشعبية ضد المسلمين مع تشديد الرقابة الحكومية على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث استُدعي عدد من الأشخاص في دلهي، ثم في الجزء الخاضع لسيطرة الهند من كشمير، لشرح منشوراتهم “المعادية للوطن”.

ولأيام، ظل العالم في حالة قلق وترقب بينما تكهن خبراء الأخبار باحتمالية قيام قوتين نوويتين بالمقامرة بمستقبلنا الجماعي، ثم قصفت الهند باكستان.

“عملية سيندور”

ومع انتشار كل هذا التضليل والادعاءات المبالغ فيها حول ضربات ناجحة من كلا الجانبين، من المرجح أن يظل مدى الضرر الذي ألحقه كل منهما بالآخر غامضًا لبعض الوقت.

فوراء التهويل الهندي بالإبادة الجماعية والرموز المضحكة في باكستان والوفيات المروعة في كل من كشمير الخاضعة لإدارة باكستان والهند، تكمن قصة أعمق: الهند تُثبت وجودها كقوة عسكرية عظمى صاعدة على الساحة العالمية.

وعلى الرغم من طبيعة الهجوم ونجاحه الغامض، فإن قرار الهند بقصف باكستان وكشمير الخاضعة لإدارة باكستان من جانب واحد، دون محاولة تقديم أي دليل يُذكر على مسؤولية إسلام آباد عن الهجوم الأول، كان صفعةً في وجه الاتفاقيات الدولية والقانون الدولي.

وفي هذه الحالة، لم تبذل دلهي أي جهد دبلوماسي يُذكر لحل الأزمة التي أشعلتها باهالغام، ويبدو أنها استخدمت الهجوم كذريعة فحسب

بل إن استعدادها لإطلاق الصواريخ على منشآت مدنية كالمساجد والمجمعات السكنية والأحياء مدعيةً تحييد إرهابيين دون تسميتهم أو تقديم أدلة على جرائمهم يمثل مؤشراً على عزمها على اختبار مدى تسامح العالم مع تجاوزاتها.

ثم جاء قرار تسمية الهجوم “عملية سيندور”، وهي الصبغة الحمراء التي يصبغ بها العريس الهندوسي عروسه احتفالاً بزواجهما، حيث يعتقد من يصدق الرواية الرسمية الهندية أن التسمية جاءت للانتقام ممن قتلوا الرجال الهندوس في باهالغام أمام زوجاتهم.

ووفقاً للتقارير، فقد اختار مسلحون مجهولون في باهالغام الرجال للإعدام بناءً على ديانتهم، وأبقوا النساء على قيد الحياة ليتمكنّ من نقل ما شهدنه إلى مودي، لكن استخدام سيندور كبادرة تكريم للأرامل ليس تفسيراً كافياً.

يضرب التمعن في هذه التسمية بعمق في البنية الأيديولوجية للدولة الهندية، فعبر عقود من الزمن مازالت الأجندة القومية الهندوسية تسعى إلى تصوير نفسها على أنها عسكرية وذكورية، مستوحاة من الحركات الفاشية الأوروبية وهي تحاول الإيحاء إلى اعتبار باكستان وكشمير الخاضعة للإدارة الباكستانية إقليماً تابعاً لها.

هذه دولة تتصور الهند على أنها أخوند بهارات أو الهند غير المقسمة وهي رؤية توسعية تعتبر حدود الهند ممتدة من أفغانستان إلى ميانمار، وهي رؤية متجذرة في قراءة أسطورية للتاريخ، فعملية سيندور على الرغم من معناها المزدوج كانت إعلان الهند عن رؤية توسعية على غرار دولة الاحتلال.

الاحتلال الهندي

وفي حين أن معظم العالم قد ركز على تخلي الغرب عن أي ادعاء بالمبادئ بينما يسلح دولة الاحتلال ويحميها في إبادة غزة، راقبت الهند في رهبة تل أبيب وهي تمزق جميع الاتفاقيات لتفرض نفسها المالك الشرعي لفلسطين، كما شاركت الهند طواعية في الإبادة الجماعية التي رعتها الولايات المتحدة في غزة.

لقد زودت دلهي تل أبيب بالأسلحة بما في ذلك طائرات بدون طيار قتالية ومكونات قنابل خلال الإبادة الجماعية في غزة، كما أرسلت ما يزيد عن 12 ألف مقدم رعاية وعامل بناء ليحلوا محل العمال الفلسطينيين الممنوعين من العمل في الدولة العبرية، ورفضت دعم حظر الأسلحة الذي تدعمه مئات الدول وتجاهلت الدعوات لتأييد قضية محكمة العدل الدولية ضد الاحتلال في لاهاي.

ووقعت الجامعات الهندية مجموعة من الصفقات مع مؤسسات وشركات تصنيع أسلحة في دولة الاحتلال، حتى في الوقت الذي تواصل فيه الجامعات الأمريكية كفاحها لتبرير ارتباطها بالمجمع الصناعي العسكري أمام الطلاب.

وتراقب دولة الاحتلال الكم الهائل من العاملين في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في الهند وتتطلع إليها كمصنع مستقبلي لصناعة أسلحتها.

وإلى حد كبير، فقد مرت هذه التطورات دون أن تُلاحظ، وتجاهلتها عمدًا النخبة المثقفة الغربية الليبرالية المستعدة للتضحية ببقيتنا لاحتواء الصعود الاقتصادي للصين، وبالنسبة لجنوب آسيا موضع الاهتمام الدولي الشديد، فإن الدولة الهندية تُثير الرعب في النفوس حيث يُسحق المسلمون الهنود تحت الجرافات باسم التنمية والتحديث.

لكن حتى من الناحية الاقتصادية، تُعدّ الهند دولةً تُنتج مليارديرات، لا مليارات الوظائف لعامة الناس، أما ما يُسمى “نموذج غوجارات” الذي يُطلقه مودي فقد أثبت فشله الذريع.

ومع أن المذابح المُناهضة للمسلمين والسيخ سبقت صعوده إلى السلطة، إلا أن عهد مودي شهد تحولاً حاسماً في الهند نحو “راشترا الهندوسية”، حيث سُنّت إجراءات قانونية لتصنيف المسلمين كمواطنين من الدرجة الثانية في الهند، فعلى سبيل المثال، يحمل قانون تعديل المواطنة (CAA) ظلالاً من قانون العودة الذي تم سنه في الدولة العبرية.

ورغم أن العلاقات بين الهندوتفا والصهيونية تعود إلى عقود مضت، إلا أن عهد مودي شهد وصول الهندوتفا إلى أعلى مستويات الدولة الهندية، مما مكّن دلهي من بناء علاقات أوثق مع الدولة العبرية.

دولة الاحتلال نموذج للهند

يرى مودي في دولة الاحتلال نموذجًا لدولة قومية عرقية ذات هوية دينية صارمة، وكما هو الحال في الصهيونية، فإن المنطق المحوري للهندوتفا هو أنه لا تناقض في تصوير المرء نفسه على أنه مضطهد ومهدد في آن واحد، بالإضافة إلى كونه متفوقًا ومسيطرًا.

ففي عهد مودي، تعرض المسلمون الهنود للشنق لمجرد الاشتباه في حملهم للحوم، وهُدمت أحياء بأكملها ذات أغلبية مسلمة، وقُطعت أعمال المسلمين، حيث شجعت جماعات أهلية مدعومة من الدولة ريادة الأعمال القومية وعزل المسلمين.

وفي الوقت نفسه، دعا زعماء هندوس علنًا إلى إبادة جماعية ضد المسلمين في مواكب عامة غالبًا على مرأى ومسمع من الشرطة والقضاء.

وفي عهد مودي، ألغت دلهي المادتين 370 و35أ لعام 2019، وأصدرت أكثر من 80 ألف شهادة إقامة للمواطنين الهنود، مما سمح لهؤلاء المقيمين الجدد بالتصويت، وشراء الأراضي والعقارات، والحصول على وظائف حكومية في كشمير.

لقد وافقت دلهي على بناء مستوطنات للهندوس فقط في كشمير، وصفها حتى المسؤولون الهنود بأنها تحاكي المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة، وكما صُممت في فلسطين، فإن الهدف من هذه المستوطنات هو إحداث تحول ديموغرافي عبر تحويل الكشميريين الأصليين إلى أقلية على أرضهم.

ومع ذلك، عندما تُروى هذه القصة، لا تُصوَّر الهند أبدًا على أنها المعتدي، بل هي دائمًا الديمقراطية التي تتعرض لهجوم “الغرباء”.

لكن كما سيخبركم الكشميريون، فإن العيش في أكثر المناطق عسكرةً على وجه الأرض يظهر الوجه الحقيقي للدولة الهندية، فهناك تعمل القوات الهندية بحصانة بموجب قوانين خاصة، ويمكن للشرطة الاعتقال والإخفاء متى شاءت، وتُعرّف تقنيات المراقبة والتسلح المستوردة من الدولة العبرية مفهوم الاحتلال.

ومع نشر الهند لطائرات بدون طيار من صنع الاحتلال في باكستان، وإطلاقها الصواريخ عشوائيًا على المساجد والمدارس، ورفضها السعي إلى حل دبلوماسي لأزمة أودت بحياة العديد من المدنيين، ربما يرى بقية العالم ذلك أخيرًا.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة