الوحشية الإسرائيلية في غزة على لسان جنودها… وكأن ثعابين السياسة في الغرب لا يسمعون شيئاً!

بقلم جوناثان كوك

ترجمة وتحرير مريم الحمد

ما زالت إسرائيل مستمرة في غاراتها الواحدة تلو الأخرى فوق رؤوس سكان غزة، حتى أخذت باستهداف اللاجئين الذين شردتهم قنابلها أول مرة، محولة المنطقة التي أعلنتها رسمياً “منطقة آمنة” إلى ساحة دموية!

وكما هو الحال منذ 9 أشهر، فقد تجاهل العالم الغربي جرائم إسرائيل مرة أخرى، فقد كان الغرب منشغلين باتهام روسيا بارتكاب جرائم حرب، ولم يكن لديهم وقت للنظر في جرائم الحرب التي يقوم بها حليفهم الإسرائيلي في غزة وباستخدام الأسلحة التي زودوها بها. 

الحقيقة هي أن إسرائيل باتت تعلم أنه كلما أصبحت جرائم الحرب التي ترتكبها أكثر روتينية، كلما قلت تغطيتها وقل الغضب الذي تثيره!

لم تختلف القصة الإسرائيلية في رواية الفظائع التي ارتكبت في مخيم المواصي، الذي يأوي 80 ألف مدني فلسطيني، عن السياق المعتاد الذي يهدف إلى طمأنة الجماهير الغربية بأن قادتهم ليسوا منافقين كما يبدو لأنهم يدعمون ما وصفته المحكمة الدولية بأنه “إبادة جماعية معقولة”. 

في تعليقها، قالت إسرائيل أنها كانت تحاول استهداف اثنين من قادة حماس أحدهما رئيس الجناح العسكري لحركة حماس، محمد الضيف، رغم وضوح الشك في تعليق نتنياهو.

ومع ذلك، لم تبدِ أي من وسائل الإعلام الغربية استغراباً أو تساؤلاً استنكارياً حول المعلومة التي بنى عليها الإسرائيليون ضربتهم، فهل من المعقول أن الاثنين جعل من نفسيهما هدفاً في مخيم مؤقت مكتظ للاجئين بدلاً من الاحتماء في شبكة الأنفاق الواسعة التابعة لحماس؟! ولماذا رأت إسرائيل أنه من الضروري إطلاق عدد كبير من القنابل والصواريخ الضخمة لقتل شخصين؟!

لماذا لم يسأل الإعلام الغربي عن سبب ضرب أطقم الإنقاذ والإسعافات؟ فهل كانت هناك معلومات استخباراتية بأن الضيف لم يكن يختبئ في المخيم فحسب، بل كان يتسكع للبحث عن ناجين أيضاً؟!

التساؤل الأهم هو كيف يمكن لقتل وتشويه مئات المدنيين لضرب اثنين من مقاتلي حماس أن يلبي أبسط مبادئ القانون الدولي؟! ألا يجب على الجيوش مقاربة الميزة العسكرية للهجوم مقابل الخسائر المتوقعة في أرواح المدنيين؟!

انتقام توراتي

لقد مزقت إسرائيل كتاب قواعد الحرب بالفعل، فطبقاً لمصادر داخل الجيش الإسرائيلي، لقد أصبح من المقبول اليوم قتل أكثر من 100 مدني فلسطيني في مطاردة قائد واحد من حماس، فالحقيقة هي أن إسرائيل باتت تعلم أنه كلما أصبحت جرائم الحرب التي ترتكبها أكثر روتينية، كلما قلت تغطيتها وقل الغضب الذي تثيره!

مؤخراً، قصفت إسرائيل عدة مدارس تابعة للأمم المتحدة تستخدم كملاجئ، مما أسفر عن مقتل عشرات من الفلسطينيين، فوفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين (الأونروا)، فقد تم قصف أكثر من 70% من مدارسها التي تستخدم كملاجئ. 

علاوة على ذلك، فقد صرح أطباء غربيون تطوعوا في غزة أن إسرائيل تقوم بتعبئة أسلحتها بالشظايا لزيادة الإصابات، الأمر الذي تسبب بإصابات كبيرة بين الأطفال بسبب أجسامهم الصغيرة.

من جهة أخرى، فإن وكالات الإغاثة لم تعد تستطيع معالجة الجرحى لأن إسرائيل تمنع دخول الإمدادات الطبية إلى غزة، في مشهد بات من الواضح فيه أن الهدف ارتكاب جرائم حرب هو جوهر “العملية العسكرية” التي شنتها إسرائيل على غزة في أعقاب هجوم 7 أكتوبر. 

هناك أكثر من 38.800 حالة وفاة معروفة نتيجة للهجوم الإسرائيلي الذي دام 10 أشهر حتى الآن، ومن المحتمل أن يكون هناك 4 أضعاف هذا العدد على الأقل من غير المسجلين، وفقاً لمجلة لانسيت الطبية.

إضافة إلى ذلك، فقد أعلنت الأمم المتحدة أن الأمر قد يستغرق ما لا يقل عن 15 عاماً لإزالة الأنقاض التي تناثرت في أنحاء غزة بسبب القنابل الإسرائيلية، وما يصل إلى 80 عاماً بكلفة 50 مليار دولار لإعادة بناء المنازل لمن بقي من سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة!

لقد اتضح الهدفان الإسرائيليان من الحرب، حيث تهدف إسرائيل إلى الانتقام التوراتي والقضاء على غزة من خلال حملة إبادة جماعية لطرد السكان.

سياسة القتل العشوائي

لقد تقدم 6 جنود إسرائيليين مؤخراً للتحدث علناً عما شهدوه أثناء خدمتهم في غزة، في دليل واضح على فلسفة الانتقام التوراتي، ولكن الإعلام الغربي لم يكترث لنشر تلك الشهادات.

لقد أكدت شهادات الجنود، التي نشرتها المجلة الإسرائيلية +972 ما يقوله الفلسطينيون منذ أشهر، فقد سمح لهم القادة بفتح النار على الفلسطينيين متى شاءوا، حيث يتم إطلاق النار على أي شخص يدخل منطقة يعتبرها الجيش الإسرائيلي “منطقة محظورة”، سواء كان رجلاً أو امرأة أو طفلاً. 

من ناحية أخرى، فقد حذرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في مارس الماضي من أن الجيش الإسرائيلي قد أنشأ ما أسماها “مناطق القتل” التي يتم فيها إعدام أي شخص يدخل دون سابق إنذار.

أفاد الجنود في التقرير أيضاً أن قادتهم دمروا المنازل، ليس للاشتباه في أنها تستخدم كقواعد لمقاتلي حماس ولكن بسبب الرغبة في الانتقام من جميع السكان فحسب!

أكد الجنود الذين تحدثوا إلى مجلة +972 أن ضحايا سياسة إطلاق النار على الجميع يتم تجريفهم بعيداً عن الأنظار على طول الطرق التي تمر بها قوافل المساعدات الدولية، مؤكدين أن جرافة كاتربيلر “تطهر المنطقة من الجثث وتدفنها تحت الأنقاض وتقلبها جانباً حتى لا تراها القوافل، فلا تظهر صور الجثث المتحللة على الإعلام”، فيما أكد آخر أن “المنطقة بأكملها كانت مليئة بالجثث، وهناك رائحة موت مروعة”.

أضاف جندي آخر في التقرير أن الجيش الإسرائيلي يتمتع “بحرية عمل كاملة”، حيث يُتوقع من الجنود إطلاق النار مباشرة على أي فلسطيني يقترب من مواقعهم بدلاً من إطلاق طلقة تحذيرية في الهواء، وعلى حد وصفه: “يجوز إطلاق النار على الجميع، حتى وإن كانت فتاة صغيرة أو امرأة عجوز”.

وقد وصف أحد الجنود في التقرير أنه عندما صدرت أوامر للمدنيين بإخلاء مدرسة تستخدم كملجأ، خرج البعض عن طريق الخطأ نحو الجنود مباشرة، وليس إلى اليسار، فأكد: “لقد تم قتل كل من اتجه إلى اليمين، وكانوا ما بين 15 إلى 20 شخصاً، فقد كانت هناك كومة من الجثث”، وأضاف: “يمكن لأي فلسطيني في غزة أن يجد نفسه هدفاً، فالتجول ممنوع، حتى إذا رأينا شخصاً ما من النافذة ينظر إلينا فهو مشتبه به، ويمكنك إطلاق النار”.

“مثل لعبة كمبيوتر”

يشجع الجيش الإسرائيلي جنوده على إطلاق النار حتى عندما لا يشتبك معهم أحد، وذلك من خلال دلائل كثيرة حول ما يحصل في الضفة الغربية بهدف ترويع السكان المدنيين فيما يسمى في “إثبات الوجود الاستعراضي”، وفي حالات أخرى، يطلق الجنود النار لمجرد التنفيس عن غضبهم أو الاستمتاع.

لقد لاحظ جندي الاحتياط الذي يبلغ من العمر 26 عاماً، يوفال غرين، وهو الجندي الوحيد الذي أعلن عن اسمه في التقرير أن “الجنود كانوا يطلقون النار فقط لتخفيف الملل”، كما أشار جندي آخر إلى أن “إطلاق النار لم يكن مقيداً بل كان مثل الجنون”، الذي تستخدم فيه المدافع الرشاشة والدبابات وقذائف الهاون بطريقة غير مبررة.

إن القصة التي رواها هؤلاء الجنود في تحقيق مجلة +972 لا ينبغي أن تفاجئ أحداً، باستثناء أولئك الذين ما زالوا متمسكين بالقصص الخيالية حول “جيش إسرائيل الأكثر أخلاقية في العالم”!

من جانبه، أشار ضابط في مديرية العمليات بالجيش الإسرائيلي إلى أن مزاج الاستهتار المطلق ممتد حتى أعلى سلسلة القيادة، فعلى سبيل المثال، يتطلب تدمير المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس ومنظمات الإغاثة الدولية تصريحاً من كبار الضباط، ومن الناحية العملية فالموافقة موجودة دائماً، حيث يقول أحد الجنود: “قالوا لنا أن نطلق النار حتى في المناطق الحساسة مثل المدارس،  فلن يذرف أحد دمعة إذا قمنا بتسوية منزل بالأرض أو إذا أطلقنا النار على شخص لم نضطر إلى إطلاق النار عليه”.

تعليقاً على الحالة المزاجية السائدة في غرفة العمليات، يقول أحد الجنود أن “تدمير المباني غالباً ما يبدو وكأنه لعبة كمبيوتر”، كما أن “أي شخص يتم القبض عليه في مناطق القتل التي صنفتها إسرائيل أو يستهدفه جندي يشعر بالملل يعتبر إرهابياً”.

حرق المنازل

أفاد الجنود في التقرير أيضاً أن قادتهم دمروا المنازل، ليس للاشتباه في أنها تستخدم كقواعد لمقاتلي حماس ولكن بسبب الرغبة في الانتقام من جميع السكان فحسب!

تؤكد شهاداتهم ما ورد في تقرير سابق لصحيفة هآرتس حول تنفيذ الجيش سياسة إحراق منازل الفلسطينيين بعد أن كانت تخدم غرضها كمواقع مؤقتة للجنود، فبحسب الجندي غرين فإن المبدأ هو: “إذا انتقلت إلى مكان آخر، عليك أن تحرق المنزل”. 

يتم أيضاً تنفيذ سياسة التدمير الوحشي الانتقامي من قِبَل الطيارين المقاتلين ومشغلي الطائرات بدون طيار، وهذا ما يفسر لماذا تحول ما لا يقل عن ثلثي المساكن في غزة إلى خراب.

أكدت شهادات الجنود أن هناك خدعاً أخرى أيضاً، فأحد الأسباب المعلنة لوجود إسرائيل في غزة هو “إعادة الرهائن”، ولكن يبدو أن هذه الرسالة لم تصل إلى الجيش الإسرائيلي، حيث كشف غرين أن الجيش في الواقع غير مبالٍ بمصيرهم، حتى أنه سمع جنوداً يقولون: “الرهائن ماتوا، ليس أمامهم أي فرصة ويجب التخلي عنهم”.

تجدر الإشارة إلى أنه في ديسمبر الماضي، قتلت القوات الإسرائيلية بالرصاص 3 رهائن كانوا يلوحون بالأعلام البيضاء، في مبالاة قد تفسر أيضاً سبب عدم اكتراث القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية في في القصف الشامل للمباني والأنفاق في غزة، والذي يعرض حياة الرهائن للخطر تماماً مثل حياة المدنيين الفلسطينيين!

ثقافة العنف

إن القصة التي رواها هؤلاء الجنود في تحقيق مجلة +972 لا ينبغي أن تفاجئ أحداً، باستثناء أولئك الذين ما زالوا متمسكين بالقصص الخيالية حول “جيش إسرائيل الأكثر أخلاقية في العالم”!

من جانب آخر، فقد وجد تحقيق أجرته شبكة سي إن إن مؤخراً أن القادة الإسرائيليين الذين اعتبرهم المسؤولون الأمريكيون مرتكبي جرائم حرب بشعة في الضفة الغربية المحتلة خلال العقد الماضي، قد تمت ترقيتهم إلى مناصب عليا في الجيش الإسرائيلي، حيث شملت مهمتهم تدريب القوات البرية في غزة والإشراف على العمليات هناك. 

بحسب تصريح أحد المخبرين من كتيبة نيتساح يهودا، لشبكة سي إن إن، فإن القادة المنتمين إلى القطاع الديني المتطرف في إسرائيل قد أثاروا ثقافة العنف تجاه الفلسطينيين، ولكن يمكن القول أنه ولعقود من الزمن، فقد ظل الجيش الإسرائيلي ينفذ سياساته اللاإنسانية تجاه الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية المحتلة والقدس.

إن الفلسطينيين لا يواجهون فقط الجيش الإسرائيلي الوحشي الذي ينتهك القانون فحسب، بل يتعرضون للخيانة كل يوم من قبل الغرب الذي يبارك مثل هذه الهمجية الإسرائيلية!

الأمر الجديد هو شدة وحجم القتل والدمار الذي سُمح لإسرائيل بالقيام به منذ 7 أكتوبر بموافقة الغرب، حيث تطورت أجندة إسرائيل، المتمثلة في ترك فلسطين التاريخية خالية من الفلسطينيين، من هدف نهائي بعيد إلى هدف عاجل وفوري!

سياسيون كالثعابين

رغم جهود إسرائيل لإبقاء اهتمامنا منصباً على التهديد “الإرهابي” من قبل حماس، إلا أن تاريخ إسرائيل الطويل في العنف والتطهير العرقي للفلسطينيين يتكشف إلى السطح  ليتحول التركيز نحوه أكثر فأكثر اليوم.

اليوم تنظر محكمة العدل الدولية في لاهاي في قضيتين ضد إسرائيل، أشهرها القرار الذي تم إطلاقه في يناير والذي يحاكم إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية، والثاني هو القرار الذي أصدرته المحكمة قبل أيام حول انتهاك إسرائيل للقانون الدولي وإدانتها بجريمة الفصل العنصري وجعل احتلالها لفلسطين دائماً. 

ما من شك في أن وقف الإبادة الجماعية في غزة أمر أكثر إلحاحاً، إلا أن صدور حكم من المحكمة يعترف بالطبيعة غير القانونية للحكم الإسرائيلي على الفلسطينيين لا يقل أهمية، فمن شأنه إعطاء الدعم القانوني لما ينبغي أن يكون واضحاً بالأساس، وهو أن الاحتلال العسكري الذي يفترض أنه كان مؤقتاً قد تحول منذ فترة طويلة إلى عملية دائمة من التطهير العرقي العنيف. 

مؤخراً، اتهمت منظمة أوكسفام الحكومة البريطانية الجديدة برئاسة كير ستارمر بـ”المساعدة والتحريض” على جرائم الحرب الإسرائيلية من خلال الدعوة إلى وقف إطلاق النار من جانب واحد، في الوقت الذي تزود فيه الحكومة البريطانية إسرائيل بالأسلحة لمواصلة المذبحة، بالإضافة إلى التباطؤ في إعادة تمويل الأونروا.

علاوة على ذلك، وبناء على طلب واشنطن، يسعى حزب العمال إلى عرقلة الجهود التي يبذلها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لإصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب، فلا توجد حتى الآن أي علامات تشير إلى أن ستارمر لديه أي خطط للاعتراف بفلسطين كدولة.

الحقيقة أن ستارمر يمثل نموذجاً لساسة الغرب الذين يشبهون الثعابين بخبثهم، فهو يتباهى بغضبه إزاء هجمات روسيا على الأطفال في أوكرانيا، في حين يلتزم الصمت إزاء القصف وتجويع أطفال غزة، كما تعهد بأن دعمه للأوكرانيين ثابت ومستقر، فيما يتجاهل أي دعم للفلسطينيين في غزة.

إن الفلسطينيين لا يواجهون فقط الجيش الإسرائيلي الوحشي الذي ينتهك القانون فحسب، بل يتعرضون للخيانة كل يوم من قبل الغرب الذي يبارك مثل هذه الهمجية الإسرائيلية!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة