الولايات المتحدة تكسر التقاليد هذه المرة وتجري محادثات مباشرة مع حماس… فماذا يعني ذلك؟

بقلم ياسمين السبعاوي
ترجمة وتحرير مريم الحمد

توجه المفاوضون الإسرائيليون إلى الدوحة مجدداً لاستئناف المحادثات حول وقف إطلاق النار في غزة، وذلك برفقة المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف.

بعد أن انتهت المرحلة الأولى من الصفقة في الأول من مارس الحالي، استأنفت إسرائيل غاراتها الجوية المتقطعة على غزة، مما أسفر عن استشهاد عشرات الفلسطينيين، مع رفض للانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، والتي تتضمن الانسحاب الكامل من القطاع. 

على كل حال، ليس هذا ما يجعل هذه الجولة الجديدة من المحادثات أكثر إلحاحاً بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي، فما يشغل هاجس إسرائيل اليوم هو حقيقة أن الولايات المتحدة تجلس الآن إلى الطاولة في محادثات مباشرة مع حماس، التي تم تصنيفها كمنظمة إرهابية في الولايات المتحدة منذ عام 1997، رغم تأكيد واشنطن سابقاً بأنها “لا تتفاوض مع الإرهابيين”!

هناك موقف حماس المتغير الذي يجب أخذه بعين الاعتبار، فلماذا عليهم تقديم المزيد من التنازلات الآن، وهل يعني ذلك أن الحصار الإسرائيلي على كافة المساعدات المقدمة إلى قطاع غزة يشكل ضغطاً على الحركة؟

بعد اجتماعه بمندوبين عن حماس، صرح مبعوث الرئيس دونالد ترامب لشؤون الرهائن، آدم بوهلر لسي إن إن: “أعتقد أنه كان اجتماعاً مفيداً للغاية، فقد كان من المفيد سماع بعض الأحاديث المتبادلة، ويجب عليه اغتنام الفرصة لأن هناك أسيراً حياً محتجزاً في غزة وهو مواطن أمريكي بالإضافة إلى 4 جثث لأميركيين، لكنني أعتقد أن إسرائيل تعلم أن الانسحاب من ذلك ليس وكأن حماس حصلت على العالم لأنني وجدتهم مجموعة من الرجال الطيبين”.

وأضاف بوهلر: “نحن لسنا عملاء لإسرائيل، فلدينا اهتمامات محددة في ونتواصل وفقاً لها، وقد كانت لدينا معايير محددة للغاية، والحقيقة هي أن ما أردت القيام به هو إطلاق المفاوضات التي كانت في وضع هش وأردت أن أسأل حماس عن النهاية التي ينشدونها”.

في حديثه لاحقاً إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية، قال بوهلر بأن حماس أدخلت عناصر جديدة في مفاوضات وقف إطلاق النار، منها هدنة من 5-10 سنوات بدلاً من المطالبة بوقف دائم لإطلاق النار وإيقاف تسليحها وحتى هدم شبكة أنفاقها الواسعة.

رسائل مختلطة

في مواجهة رد فعل عنيف من قبل المتشددين الإسرائيليين ومؤيديهم، قال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو للصحفيين بأن اجتماع بوهلر مع مسؤولي حماس كان “موقفاً لمرة واحدة وحتى الآن لم يؤت ثماره”.

وأضاف روبيو: “كان لدى ويتكوف فرصة للتحدث مباشرة مع شخص لديه سيطرة على هؤلاء الأشخاص وتم منحه الإذن وتشجيعه على القيام بذلك ففعل، وهو لم يكن مخطئاً في المحاولة، لكن تظل وسيلتنا الأساسية للمفاوضات هي ما يقوم به ويتكوف من خلال قطر”.

يذكر أن ويتكوف أوضح موقفه في وقت سابق من اليوم عندما قال لشبكة فوكس نيوز بأن حماس يجب أن تغادر غزة بالكامل حتى يتم التوصل إلى حل دائم عن طريق التفاوض، فقال: “ليس هناك خيار منطقي أو عقلاني بالنسبة لهم سوى المغادرة، إذا غادروا، فأعتقد أن كل الأمور مطروحة على الطاولة للتوصل إلى اتفاق سلام يتم التفاوض عليه وهذا ما سيتعين عليهم القيام به”.

فما الذي تسعى الولايات المتحدة إلى تأصيله بتوجهاتها هذه؟ هل هي سياسة الشرطي الصالح مقابل الشرطي السيئ؟!

في حديثه لميدل إيست آي، يرى المستشار السابق للقيادة الفلسطينية في المفاوضات مع إسرائيل، نزار فرزاخ، بأنهم “غير منظمين، وكل واحد لديه مساره الخاص، ويتكوف يركز أكثر على وقف إطلاق النار في حين يركز بوهلر على الرهائن، وفي النهاية، لن يفعل أي منهما شيئاً آخر غير ما أمره به ترامب”.

وأضاف فرزاخ بأن ترامب “لا يفوت أبداً أي فرصة للقيام بشيء مختلف تماماً عن الإدارات السابقة ليثبت أنه كان على حق وأن كل شيء كان خطأ”.

هناك أيضاً موقف حماس المتغير الذي يجب أخذه بعين الاعتبار، فلماذا عليهم تقديم المزيد من التنازلات الآن، وهل يعني ذلك أن الحصار الإسرائيلي على كافة المساعدات المقدمة إلى قطاع غزة يشكل ضغطاً على الحركة؟

أوضح فرزاخ لموقع ميدل إيست آي بالقول: “إن الامتياز يستحق العناء، لأنهم حصلوا بالفعل على اعتراف من قبل الأمريكيين، لذا فإنهم بحوارهم مع الأمريكان يعقدون صفقة فعلية لا يحتاجون فيها إلى البقاء في السلطة، بل يستمرون في الوجود ويحصلون على نوع من الحصانة من الاغتيالات، وهم سعداء للغاية بعدم حكم غزة، بمعنى أنهم يتركونها لشخص آخر ليحكمها ويتعامل مع المشكلة”. 

أما فيما يتعلق بمسألة إلقاء السلاح، وهو الأمر الذي طالما أشارت حماس إلى أنه خط أحمر، فقد يكون ذلك مجرد إشارة إلى أنها لم تعد ترغب في خوض هذه الحرب تحديداً، حيث أكدت محامية حقوق الإنسان والزميلة في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي في واشنطن، لموقع ميدل إيست آي، زها حسن، بأن “ذلك قد لا يعني بالضرورة نزع السلاح”.

التقدم للأمام

من جانبه، صرح المتحدث باسم حماس عبد اللطيف القنوع، بأن حركته “خففت المطالب بناء على طلب الوسطاء ومبعوث ترامب، ونحن ننتظر نتائج المفاوضات، فمن واجب إسرائيل الموافقة على الانتقال إلى المرحلة الثانية، حيث ترتكز المحادثات على إنهاء الحرب والانسحاب وإعادة إعمار قطاع غزة، ونحن موافقون على الاقتراح المصري بتشكيل لجنة مسؤولة عن إدارة قطاع غزة وإعادة إعماره”.

“عندما قال ترامب بأن على مصر استقبال مليون من سكان غزة، فجأة أصبح جميع العرب موحدين وقد اجتمعوا في غضون ثوانٍ قليلة وأصبح لديهم فجأة الوقت للمجيء، وهذا دليل على أن الولايات المتحدة لديها نفوذ كبير جداً” –  نزار فرزاخ- المستشار السابق للقيادة الفلسطينية في المفاوضات مع إسرائيل

ويعد الاقتراح المصري هو التحرك الذي فرضه ترامب فعلياً بعد تهديده المتكرر بتحويل غزة إلى منتجع شاطئي مملوك للولايات المتحدة، حيث تبنته جميع الدول العربية في اجتماع في القاهرة. 

ولا يذكر المخطط الذي تبلغ قيمته 53 مليار دولار والمكون من 91 صفحة ومدته 5 سنوات، حركة حماس، وإنما يركز بدلاً من ذلك على الشكل الذي سوف تبدو عليه الهندسة المعمارية في غزة بعد أن تقوم الدول العربية والإسلامية باستثمارات ضخمة في إعادة بناء القطاع.

وينص الاتفاق على أن السلطة الفلسطينية هي التي سوف تشرف على إدارة إعادة الإعمار من خلال “لجنة إدارة غزة” للأشهر الستة الأولى، وبأن اللجنة سوف تكون مؤلفة من تكنوقراط وأعضاء غير حزبيين.

ترى المحامية زها حسن أنه “من خلال خلق وضع يمكن من خلاله وضع حماس تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، سوف تتمكن منظمة التحرير الفلسطينية بعد ذلك من تولي مسؤولية هذا الملف بشكل موحد، وهذا سوف يكون أمراً داعماً للتوصل إلى حل سياسي وتهدئة حماس، لذا فمن المنطقي [بالنسبة للولايات المتحدة] أن تجري محادثات مع حماس”.

تجدر الإشارة إلى أن منظمة التحرير الفلسطينية، المنظمة الجامعة المكلفة منذ إنشائها عام 1964 بقيادة النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي من أجل إقامة الدولة الفلسطينية، قد واجهت تساؤلات حول أهميتها في السنوات الأخيرة وانتقادات لفشلها في إجراء انتخابات منتظمة لملء الأدوار القيادية.

ويترأس المنظمة حتى اليوم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي يتمتع بشرعية هشة بين الفلسطينيين في كل من الضفة الغربية المحتلة وغزة، حيث يرى كثيرون أن السلطة الفلسطينية هي الجهة المنفذة لتوجهات الاحتلال الإسرائيلي، وأنه يتم تدريب وتمويل قواتها من قبل الولايات المتحدة. 

بحسب فرزاح، فإن المهم هو الحوار الفلسطيني الداخلي، متسائلاً عن وجود عباس من كل هذا، فقال: “من المحتمل أن تصبح غزة كياناً خاصاً بذاته، يتحدث الجميع عن كون الضفة الغربية وقطاع غزة منطقة واحدة، لكن في الواقع، سوف يكون لدينا كيان مختلف هناك، تماماً مثلما القدس الشرقية منفصلة عن الضفة الغربية”.

أكد فرزاخ أن المقترح العربي لغزة ما بعد الحرب لم يكن ليحدث دون ضغط ترامب بغض النظر عن مواقفه في المجالات الأخرى، حيث يقول: “عندما قال ترامب بأن على مصر استقبال مليون من سكان غزة، فجأة أصبح جميع العرب موحدين وقد اجتمعوا في غضون ثوانٍ قليلة وأصبح لديهم فجأة الوقت للمجيء، وهذا دليل على أن الولايات المتحدة لديها نفوذ كبير جداً”.

أكدت المحامية زها حسن بأن الخروج عن القواعد المعمول بها ضروري للتغيير، فقالت: “نحن في لحظة نحتاج فيها إلى تجربة سياسة جديدة، ومما لا شك فيه أنه إذا كنا نريد رؤية وضع مستقر في غزة والتوصل إلى حل سياسي دائم، يمكن فيه للفلسطينيين والإسرائيليين العيش في أمان، فسوف يتعين علينا التعامل مع اللاعبين على الأرض أولاً”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة