انتخابات تونس: خطوة قيس سعيد الأخيرة في مشواره نحو الفشل!

بقلم فراس أبو هلال 

سجلت الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية التونسية في يناير 2023، انخفاضاً تاريخياً في نسبة المشاركة لم تتجاوز 11%، الأمر الذي دعا العديد من المعلقين إلى التأكيد على أن الرئيس قيس سعيد فقد شرعيته بالفعل، أو فلنقل أنها الخطوة الأخيرة على طريق قيس سعيد الطويل نحو الفشل منذ انقلاب يوليو 2021.

وُضعت شرعية سعيد موضع التساؤل منذ أن علق البرلمان وأقال رئيس الوزراء وعين نفسه مدعياً عاماً، فعلى الرغم من استخدامه للمادة 80 من الدستور التونسي حين أراد تبرير انقلابه، إلا أنه تصرف بما يخالف ذات الدستور طوال هذه المدة، كما أن سعيد لم يتمكن من تحقيق الهدف الذي ذكره كسبب وراء “الإصلاحات” التي

لو كان سعيد يريد حقاً منح السلطة للشعب، لكان عليه الاستماع إلى صمت الشعب أيام التصويت

ينادي بها والتي كان من المفترض أن تتمثل في إعطاء السلطة للشعب، على العكس من ذلك، فقد عزز كل أنواع السلطات، التنفيذية والتشريعية والقضائية، في يده هو!

لو كان سعيد يريد حقاً منح السلطة للشعب، لكان عليه الاستماع إلى صمت الشعب أيام التصويت

لم يكتف بذلك، بل رفض الاستماع إلى صوت غالبية التونسيين في عدة مناسبات، بما في ذلك الانتخابات البرلمانية الأخيرة واستفتاء 2022 على الدستور الجديد والذي لم تتجاوز نسبة المشاركة فيه 30.5%، فلو كان سعيد يريد حقاً منح السلطة للشعب، لكان عليه الاستماع إلى صمت الشعب أيام التصويت، لكن الواضح أن الشعب في واد وسعيد في واد آخر.

ربما يمكن للمرء أن يجادل بأن سعيد كان يتمتع بدعم شعبي قبل الانقلاب، في ظل جو كان العديد من التوانسة قد فقدوا فيه الثقة في الأحزاب السياسية في بلادهم، لفشلها في تحقيق النجاح خلال الفترة الانتقالية بعد ثورة 2011، في ذلك الوقت، أظهرت استطلاعات للرأي أنه كان يتمتع بتأييد واسع، لكن في ضوء أحداث العامين الأخيرين تحديداً، لم يكن من الممكن قياس المزاج العام الحالي إلا بانتخابات شفافة، وهو ما لم يحدث.

مخاطر اقتصادية

من المؤكد أن سعيد فشل على الصعيد الاقتصادي أيضاً، ففي الوقت الذي أعلن فيه أن “إصلاحاته” كانت تهدف إلى معالجة المشاكل الاقتصادية التي تهدد مستقبل البلاد، بما في ذلك تداعيات كوفيد-19، الذي دفع المتظاهرين إلى الشوارع، إلا أن الأوضاع ظلت تزداد سوءاً منذ استيلائه على السلطة.

وثق تقرير صادر عن البنك الدولي صيف 2022 الحال الاقتصادي المتدهور في تونس، فقد أشار التقرير إلى أن “الاقتصاد التونسي يسير بمعدل نمو أقل مما كان متوقعاً في السابق حيث لم يتعدى 2.7%”، كما سلط التقرير الضوء على الحاجة لإصلاحات تعالج ارتفاع أسعار السلع الأساسية، فيما ارتفع الدين العام من 40.7% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي عام 2010 إلى 84.5% عام 2021، أما العجز التجاري فقد ازداد 61% في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2022، ليصل إلى 11.6% من إجمالي الناتج المحلي، فيما ظلت البطالة تشكل 15% من المجتمع.

دفعت الأزمة الاقتصادية الحكومة التونسية إلى طلب قرض من صندوق النقد الدولي، وتوصلوا إلى اتفاق مبدئي في أكتوبر الماضي بقيمة 1.9 مليار دولار، بعد شهرين في ديسمبر، تم تأجيل اجتماع مجلس الإدارة لصندوق النقد الدولي المتعلق ببرنامج القروض بهدف “منح السلطات مزيداً من الوقت لوضع اللمسات الأخيرة عليه”، نقلاً عن رويترز.

وعلى أرض الواقع، فإن ارتفاع التضخم هو المؤشر الأوضح على الأزمة الاقتصادية التي تعصف بتونس في ظل حكم سعيد، حيث تجاوز معدل التضخم السنوي في البلاد 10%، وهذا أعلى مستوى لها منذ 1984، الأمر الذي تترجم فوراً إلى نقص المواد الغذائية الأساسية!

هل هناك محاربة للفساد؟

عندما أعلن انقلابه، أكد سعيد أنه سوف يحارب الفساد، ولكن لم يمر عامان على ذلك، حتى فشل في مقاضاة رجال الأعمال والسياسيين الفاسدين، وانشغل بدلاً من ذلك باستهداف خصومه السياسيين، بمن فيهم رئيس الوزراء السابق علي العريضي، من قيادات حزب النهضة، قبل أيام فقط، بدأ سعيد حملة قمع جديدة ضد النشطاء ورجال الأعمال والسياسيين، بتهم مبهمة حول “التآمر ضد أمن الدولة”، من بينهم رجل الأعمال كامل الطيف والقيادي السابق في حزب النهضة المعارض، عبد الحميد الجلاصي والناشط خيام تركي، مما أثار انتقاد ومخاوف عبرت عنها مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وجهات أخرى ناشطة.

أحد أهم الأسباب التي ادعاها سعيد لتبرير حكم الرجل الواحد هي تحقيق “الاستقرار”، حتى أنه استخدم مصطلح “الحرب الأهلية” خلال محادثاته مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في ديسمبر الماضي، حين أخبره أن تونس “كانت على شفا حرب أهلية ولم هناك بديل سوى إنقاذ الأمة التونسية من أي عاقبة سيئة”.

صحيح أن البلاد مرت بحالة عدم استقرار كبيرة أعقبت الثورة، لكن هذا الثمن متوقع لأي فترة انتقالية من الديكتاتورية إلى الديمقراطية، أما سعيد فلم يساهم بالاتجاه الصحيح، ولا بتوحيد البلاد، بل زادت الانقسامات من خلال شيطنة الأحزاب السياسية والدخول في صراع حاد مع الاتحاد العمالي التونسي القوي، والذي اتهمه بتوجيه “حرب” ضد العمل المنظم.

شرعية سعيد سقطت من قبل الانتخابات بمدة طويلة، فقد فشل في أهدافه المعلنة لتحسين الاقتصاد وتوحيد الامة ومحاربة الفساد والاستماع إلى الناس بشكل حقيقي، يمكن القول أنه فقد شرعيته في اليوم الذي أعلن فيه الانقلاب!

المصدر: ميدل إيست آي

مقالات ذات صلة